قراءة لرواية: موت صغير لمحمد حسن علوان

 


العنوان بدا لي للوهلة الأولى عن موت شخص يدعى صغير ...لكن داخل الرواية وجدت عبارة مشهورة لأبن عربي: الحب موت صغير ..
فالعنوان إذا مستوحى من هذه العبارة ...
 
الرواية طويلة لكن الكاتب نجح إلى حد كبير بجذب اهتمامي حتى آخر صفحة ...
الرواية تسرد قصة حياة محي الدين ابن عربي ، فازت الرواية بجائزة البوكر لأفضل رواية عربية للعام 2017.
السرد جميل، ولغة الرواية سهلة، لغة تراثية ممتعة تناسب الفترة التاريخية التي عاش بها ابن عربي 1164 حتى 1240.
 
الكاتب لم يرهق القارئ بالمصطلحات والمفاهيم الصوفية، واختار أن تكون الرواية عن ابن عربي الإنسان...تفاصيل طفولته، علاقاته الأسرية، صداقاته، وحياته العاطفية...
افراحه، احزانه، آماله...ابن عربي الإنسان الذي يخاف ويحلم ويتألم ويخطئ، بعيدا عن التقديس أو التبخيس ...
 
فالرواية لاتسرد الكثير عن التصوف والسيرة الروحية لابن عربي...
نجد الصراعات في ذلك التاريخ بين الموحدين والمرابطين..صراع الأيوبيين والعباسيين، والسلاجقة، كثيرة هي الحروب والفتن والصراعات التي يعيش القارئ آثارها على حياة الناس ...
فاطمة التي ربته طلبت منه أن يطهر قلبه...فنعيش تلك المراحل المتعددة لتطهير القلب ...
يتنقل كثيرا بين البلاد وهو يبحث عن الأوتاد...والوتد هو أحد مراتب الصوفية للدلالة على رتبة في الارتقاء الروحي الايماني، لا يشرح المؤلف ما دور الوتد في حياة الصوفي...هل هو وتد يثبت به الله قلب من يطهر قلبه ويبدأ برحلة البحث عن الله ويترك ذلك للقارئ ليفهم ما يشاء...
ونفهم أن هناك أربعة من الاوتاد وعلى ابن عربي أن يقابلهم في أماكن مختلفة...وعندما يراهم سيعرفهم، قلبه سيدله عليهم...
ربما من يعرف عن التصوف تكون هذه الاشارات مفهومة له، لكنني لا أعرف الكثير عن التصوف ...
 
الكتاب يعطينا الفرصة للتعرف على كتب ابن عربي :
كتاب الفتح المكي ، وديوان ترجمان الأشواق، وكتاب ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق، وكتاب روح القدس في محاسبة النفس ، وكتاب باب في معرفة الفتوة والفتيان ومنازلهم وطبقاتهم وأسرار أقطابهم.
تبدأ الرواية بطفولة ابن عربي وشوقه للسفر ونتعرف على تفاصيل حياته اليوميه وهذا دليل على سعة خيال الكاتب...
ونعرف شيوخه، وطبيعة البلاد والسياسة وانعكاسها على حياة الناس...
نسير معه في رحلاته وتنقلاته من مرسيه التي عاش فيها أيام الحصار والخوف ، وانتقاله إلى اشبيلية، والرحيل هربا إلى قرطبة، ومنها إلى بلاد المغرب ومصر ومكة وبغداد وحلب وملطية ودمشق ...مع تفاصيل ما حدث له في كل مدينة من مجالسة للعلماء والشيوخ وأهل الحكم والبحث عن الاوتاد...
زواجه وموت ابنته زينب الذي سبب له صدمة قوية ...
 
من الأشياء الجميلة أن الرواية بها خطين زمنيين:
الخط الأول الذي يسرد تفاصيل حياة ابن عربي في مراحل حياته المختلفة بالتسلسل الزمني ..
والخط الثاني يحكي تاريخ انتقال مخطوطة تقص سيرة ابن عربي من أذربيجان عام 1212 وتنتهي في بيروت عام 2012 ...
نجح الكاتب ببراعة بنقل القارئ لذلك الزمن بثقافته ولغته واحداثه وهمومه، ونجح إلى حد كبير في رأيي برسم العلامات الثقافية والمعرفية والتاريخية لعصر ابن عربي ..بتعدد المدن واختلافات السياسة مما يدفع القارئ للمقارنة بين تلك الأحداث وربطها بما يحدث اليوم من خلافات سياسية واحداث كبيرة تمر بها المنطقة.
 
رغم عدد صفحات الرواية الكبير إلا انني لم اشعر بالملل، بل تابعت القراءة بشغف حتى الصفحة الاخيرة يدفعني الفضول لمعرفة ماسيحدث، الرواية بها أقوال كثيرة لابن عربي اظن ان الكاتب أجاد اختيارها ببراعة شديدة، فجاءت في أماكنها الصحيحة...شعرت ان الكاتب نجح في إخراج ابن عربي من صفحات التراث إلى الواقع الإنساني...أي خيال يملكه الكاتب ليكتب عن ابن عربي بهذه البراعة!!
 
شد انتباهي صوت السارد...الراوي الذي يتحدث عن موته أو بعد موته ، فهل هذا لجعل الرواية أكثر واقعية لتناسب لغتها شخصية ابن عربي؟
أم اراد الكاتب أن يجعل القارئ يشعر أن سرد حياة الشيخ ابن عربي يختلف عن غيره من الناس!
 
" منذ أن اوجدني الله في مرسية حتى توفاني في دمشق وأنا في سفر لا ينقطع..." 
 
وما يلفت الانتباة أيضا حضور المرأة في الرواية ، وفي حياة ابن عربي ...
الرواية تستحق القراءة...
وفي بعض الصفحات كنت اجد اراء غريبة على لسان ابن عربي، لكن لا ننسى أنه جاء في عصر مختلف ...ونحن في عصر يقبل ويتفهم الاراء المخالفة...
(نشرت بمجلة مدارات الحروف - العدد الثاني)
 


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل