شعرت بأن الدم يغلي في عروقي وقلبي يهوي بين أضلعي و كأن الأرض تدور من تحت قدميّ عندما كان طفلي الصغير ذو الستة أعوام يحكي لي مترددا سبب وجود أثر بارز علي ظهر كفه الصغيرة… نتيجة ضربة عنيفة بالمسطرة من المعلم، والسؤال لماذا؟؟؟
أجل …أي ذنب أرتكبه لُيضرب ضربة يظل أثرها بارزا بهذا الشكل المريع، وأي معلم هذا الذي يتحول إلى جلاد وفي أي أكاديمية تربوية تم تأهيله للتعامل مع الأطفال…وهل يحق للمعلم من الناحية القانونية والتربوية أن يضرب الأطفال مهما كانت الأسباب ؟؟ وما دور المدرسة أو بمعنى أصح لماذا نذهب بأطفالنا للمدارس؟ هل المدرسة مكان آمن للأطفال في وجود معلمين يؤمنون بالعنف والقسوة كطريقة للتربية والتعليم؟
وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية يمكن أن ترقى العقوبة البدنية في المدارس إلى مرتبة إساءة المعاملة أو التعذيب. وتحرِّم اتفاقية حقوق الطفل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة، القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة (المادة 37). وتحض الدول الأطراف على ضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية (المادة 28)، وحماية الأطفال من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية وهم في رعاية أي شخص يتعهدهم برعايته (المادة 19).
ونحن نضع أطفالنا في المدارس أو دور الحضانة على اعتبار أنهم في أيد أمينة ، وقد أعلنت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وهي هيئة الرقابة التي أنشئت بمقتضى اتفاقية حقوق الطفل، أن العقوبة البدنية في المدارس لا تتمشى مع أحكام الاتفاقية. وتحث اللجنة الدول على نحو منتظم بأن تحظر العقوبة البدنية في المدارس والمؤسسات الأخرى ، وتعتقد أن استخدام العقاب البدني في كافة المدارس، حكومية كانت أم خاصة، ينبغي أن يُلغى.
فما هي مظاهر العنف في المدارس؟! وهل يوجد عنف أصلا بحيث يشكل ظاهرة أم هي حالات فردية؟! بزيارة لأي مدرسة للبنين في أمانة العاصمة ، تصدم الزائر الأسوار العالية والسلاسل الحديدية والأقفال على بوابة المدرسة ، وعند دخول المدرسة ينتاب الزائر شعور كأنه في زيارة لأحد السجون لا مؤسسة تربوية للتربية والتعليم ، وقبل دخول المدرسة لن تفوت الزائر ملاحظة أعداد الطلاب المحرومين من دخول المدرسة أو الهاربين منها عبر تسلق تلك الأسوار العالية التي تفقد مناعتها أمام إصرار بعض الطلاب على الهروب …..
وبالطبع سيقفز تساؤل : ما الذي يدفع أي طالب للهروب من مؤسسة تعليمية؟ ، داخل المدرسة وتحديدا في الساحة سيكون هناك معلم أو أكثر مكفهري الوجوه يحملون أسلاك كهربائية أو خراطيم بلاستيكية أو بكل بساطة عصي يلوحون بها مهددين الطلاب ، ضاربين بها من جسد الطالب الجزء الذي يطالون. ولأن لكل فعل رد فعل ، فمن السهولة ملاحظة ردات فعل الطلاب على العنف الممارس ضدهم في آثار التدمير والتخريب على ممتلكات المدرسة حيث يفرغ الطلاب سلوكهم العدواني.
إن أهم ملامح العنف المتبعة في المدارس الأساسية والثانوية على حد سواء في أمانة العاصمة تقوم على نسف الفعاليات التربوية والخبرات السلبية كالعقوبات الجسدية والاستهزاء والسخرية والتهكم وأحكام التبخيس والتي تشكل المناخ العام لحالة من الخوف والتوتر والقلق التي يعانيها المتربون والتي تؤدي إلى نوع من الإعاقة النفسية والفكرية و إلى حالة من الاستلاب وعدم القدرة على التكيف والمبادرة ، إن اللجوء إلى الضرب والحرمان والتهديد وذلك بهدف منع الطفل أو الطالب من ممارسة فعاله سلوكية أو تربوية محدده يؤدي إلى سلسلة من الخبرات المؤلمة التي يعانيها الطفل أو الطالب عبر سيرته التربوية في إطار المدرسة والأسرة .
وهناك عقوبات من نوع آخر كالواجبات المنزلية المتعددة والتي تتحول إلى نوع من التعذيب للطالب وأهله في حالة أطفال المراحل الأساسية الأولى ، وعدم معرفة المعلم للفوارق الفردية بين طلاب الصف الواحد وإصراره على أن يحصل جميع الطلاب على الدرجات النهائية والمرتبة الأولى تسبب الأذى النفسي بشريحة من الطلاب، والخصم من الدرجات والطرد من الفصل أو استدعاء ولي الأمر في حالة التأخر على المدرسة أو الإهمال في أداء الواجب، أو انخفاض مستوى التحصيل بدلا من دراسة الأسباب ومساعدة الطالب.