قراءة لرواية عداء الطائرة الورقية لخالد حسيني:

تقع الرواية في خمسمائة وسبع صفحات من الدهشة والحسرة المتواصلة عبر تلك الصفحات. تحكي الرواية حكاية ذلك العداء الذي يشير إليه عنوان الرواية. وصورة الغلاف لطفل وطائرة ورقية وسماء زرقاء تلونها السحب، بعد قراءة الرواية قد يقف القارئ أمام صورة الغلاف والعنوان ليستعيد حكاية الطفل الذي لربما كان ذات يوم يحمل حلم كبير لم تتسع له سماء بلاده. 

المؤلف يهدي الرواية لحارس وفرح ربما طفليه، وإلى أطفال أفغانستان...لمسة عاطفية عميقة من كاتب يدرك عمق مأساة أطفال أفغانستان. ويصدم القارئ بفداحة الواقع الذي عاش فيه عداء الطائرة الورقية. 

غالبا ما أميل إلى القصص الواقعية، التي تحكي حياة الناس ومعاناتهم، بعيدا عن الخيال، فالخيال لا يستطيع أن يحملنا لتلك الأماكن المرعبة في الحياة الواقعية. قد يلجأ للخيال من يعيش حياة عادية لا مفاجآت ومأسي بها، عكس من يعيش فيما يسمى بدول العالم الثالث والتي يعجز الخيال عن تصور ما يجري هناك ... 

 رواية أحزنتني وآلمتني، وهي تكشف جزء من بشاعة البشر تجاه بعضهم. جاء على غلاف الرواية أنها باعت أكثر من 22 مليون نسخة حول العالم، هل الفضول لمعرفة ما يجري في بلد مثل أفغانستان كان أحد الدوافع ليقرأ الناس الرواية، أم أسلوب الكاتب والذي أمسك بمشرط وكشف عن جزء من الواقع المخيف بكل شجاعة بعيدا عن الانحيازات، يعرض الواقع بكل بشاعته على لسان طفل لأسرة من الطبقة الراقية والمقتدرة فيضع القارئ على شكل الحياة في أفغانستان والعلاقات بين الناس قبل الغزو السوفياتي لبلده، ونتبعه بعد هروبه مع أفراد اسرته من مدينته إلى باكستان في رحلة تذكر برواية رجال في الشمس لغسان كنفاني، لكن هنا يموت شخص واحد وينجو البقية. ونتابع الرحلة إلى أمريكا لنعيش مع الجالية الأفغانية في أمريكا. ويعود بطل الرواية أمير لباكستان بعد تلقيه رساله من صديق والده والذي يدفعه للعودة لبيته في أفغانستان بحي وزير أكبر خان في كابول لإنقاذ الطفل عداء الطائرة الورقية، وهو ابن حسن عداء الطائرة الورقية الذي عاش معه طفولته قبل خروجه من أفغانستان. تسيطر على بطل الرواية مشاعر الذنب لما فعل بصديقه حسن عداء الطائرة الورقية في طفولته، ويحاول الآن التكفير عن ذنبه بحق صديقه حسن عبر إنقاذ ابن حسن من حياة تعيسة في أفغانستان. 

ونعرف هذا من الصفحة الأولى للرواية: " في أحد أيام الصيف الماضي، هاتفني صديقي رحيم خان من باكستان، وطلب مني أن أذهب لرؤيته. وأنا أقف في المطبخ والسماعة على أذني، عرفت أن من على الخط لم يكن رحيم خان وحسب، بل ماض مثقل بذنوب لم يكفر عنها. بعد أن وضعت السماعة، ذهبت للتمشية عند بحيرة "سبريكلز" في الطرف الشمالي لمنتزه " جولد جيت". تلألأت شمس العصر على صفحة المياه حيث تبحر العشرات من القوارب الصغيرة، يدفعها نسيم منعش. ألقيت نظرة لأعلى فأبصرت طائرتين ورقيتين حمراوين بذيلين أزرقين طويلين، تحلقان في السماء. كانتا ترقصان عاليا فوق الأشجار على الطرف الغربي من المنتزه، فوق طواحين الهواء، تسبحان جنبا إلى جنب كعينين تنظران من عل إلى سان فرانسيسكو، المدينة التي أسميها الآن وطني. وفجأة همس صوت حسن في رأسي: "من أجلك ألف مرة ومرة".

 حسن عداء الطائرة الورقية صاحب الشفة الأرنبية". ويعرض هنا، عبر صفحات الرواية وطفولة الطفل أمير، بشكل صادم العلاقة بين البشتون وهم من السنة الذي ينتمي إليهم أمير بطل الرواية ونعرف أنهم من يسيطر على البلاد فهم يمثلون الأغلبية، وحسن الذي يعمل والده خادم في بيت بطل الرواية وتربيا معا، حسن من قبيلة الأقلية الهزارة الذي يصفهم بطل الرواية بأصحاب الوجه المستدير الذي يشبه الدمى الصينية المصنوعة من الخشب الثقيل، ويمثلون الأقلية الشيعية ويعيشون تحت رحمة البشتون في ظروف لا إنسانية ويتم التعامل معهم كأنهم بدرجة الحيوانات.

 تعود لذاكرة بطل الرواية عدد المرات التي كان حسن يدافع عنه ويحميه حتى لو تعرض للأذى، ويتذكر بحسرة كيف تخلى هو عن حسن وهو يتعرض للاغتصاب أمام عينيه. لم تكن الرحلة لأفغانستان سهلة ومريحة فالبلد تحت سيطرة طالبان. ونرى بعيون بطل الرواية مدى التدمير الذي أصاب الحي الراقي والبيت الكبير الذي عاش به طفولته. " قلت: - هل الأمر سيء كما اسمع؟ قال: - لا، اسوا. أسوأ كثيرا. أنهم لا يسمحون لك بأن تبقى إنسانا."

 الرواية يمكن تصنيفها بالأدب الواقعي الاجتماعي، فهي تحكي جزء من تاريخ أفغانستان البلد الذي لا نعرف عنه الكثير، بكل تناقضاته ومآسيه. لغة الكتاب بسيطة وواضحة، يوضح فيها المؤلف صعوبة الهروب من الأسرار الدفينة التي يحملها المرء من طفولته، صعوبة الهروب من مشاعر الذنب والخيانة لأقرب الأصدقاء مهما حاول المرء أن ينكرها لكنها تنبعث فجأة كما يحدث لأمير الذي تعود له كل ذكريات طفولته عندما هاتفه صديق والده رحيم خان. 

أحداث الرواية تبدأ من الفترة الملكية في أفغانستان وسقوط تلك الملكية وظهور الجمهورية، والدمار الذي يخلفه الغزو السوفييتي للبلاد، وفترة الجهاد وآثارها على البلاد خاصة بعد الخلافات المميتة بين قادة المجاهدين بعد خروج السوفييت من البلاد وانتشار الفوضى في البلاد وسيطرة طالبان. تنتهي الرواية قبل الغزو الأمريكي للبلاد.

 الحوارات رائعة، وأسلوب السرد في الرواية يشد القارئ للنهاية، وكأنه جزء من الحدث. هي من الروايات التي تؤلم وبقوة فهي لا تجمل الواقع ولا تمجد شخصيات ولا تسقط في فخ الدفاع أو الاتهام لأي جهة، بل ببساطة تسرد أحداث يومية صادمة في حياة شخصيات الرواية.

 ومن الرائع تطريز المؤلف للرواية بألفاظ وعبارات باللغة الأفغانية، لغة البشتون، فتشعر أنك انغمست داخل المجتمع الأفغاني بعاداته وتقاليده وموسيقاه وشعره وأدبه وروائح طعامه وسلوكيات أهله. اقتباسات من الرواية:

 - تعلمت أن ما يقولونه عن الماضي، عن قدرتك على دفنه، خطأ. لأن الماضي يشق طريقه. - عندما تقتل رجلًا فأنت تسرق حياة، تسرق حق زوجته في أن يكون لها زوج، تسرق من أطفاله أباهم، عندما تكذب تسرق حق شخص في معرفة الحقيقة، عندما تغش تسرق الحق في المنافسة الشريفة.

 - إنّ العيون نوافذ على الروح. - الأطفال ليسوا كتب تلوين. لا يمكنك أن تملأهم بألوانك المفضلة. 

 - أن تملك ثم تفقد أكثر إيلاما من الا تملك أصلا.

 - غمرني الحزن. كانت العودة إلى كابول أشبه بأن تقابل مصادفة صديقا قديما منسيا، فتعرف أن الحياة لم تكن منصفة معه، أنه بات شريدا ومعدما. 

 المؤلف خالد حسيني: كاتب وطبيب أفغاني، ولد في كابول عام 1965.

 عمل والده في الحقل الدبلوماسي طلب جق اللجوء بعد الغزو السوفياتي لبلاده عام 1979. نشر روايته الأولى "عداء الطائرة الورقية"، عام 2003 والتي احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا.

 وفي عام 2007 نشر روايته الثانية "ألف شمس ساطعة" والتي لقت الشهرة ذاتها. وفي العام 2013 نشر الرواية الثالثة " ورددت الجبال الصدى". رواياته تدور جميعها حول أفغانستان وما يحدث فيها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيلم Alpha

الصمت عار

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل