ماذا يفعل العنف بالطفل؟ (2)



عندما يضرب الأب – أو المربي -  طفله فهو يبرر ذلك بأنه لمصلحة الطفل وأن الهدف هو تربية الطفل وتأديبه أو الخوف عليه من وقوع الضرر عليه فيكون الضرب من وجهة نظر المربي نوع من الحماية....
وقد يبرر المعلم في المدرسة لجوءه للعقاب الجسدي بأنه لمصلحة الطالب ولدفعه لمزيد من التحصيل وتجنيبه الفشل وأن الطالب دون تهديد بالعقاب لن يحل الواجبات وسيتدنى مستواه التعليمي...
بل أن الموروث الثقافي يؤيد استخدام العقوبات الجسدية ومثال على ذلك المثل القائل " العصيه      ( العصا) خرجت من الجنه" وهو تحريض صريح لإستخدام أسلوب الضرب بالعصا...
 ومثل آخر " ياضارب البنت بالعصيه خاف من الله وجر الصميل" وهذا يمثل تشجيع على استخدام منتهى القسوة لتأديب البنت ليس باستخدام العصا العادية ولكن بتفضيل استخدام النوع السميك المسمى (بالصميل).
ذات يوم بينما كنت أمر بالقرب من أحد الصفوف ... توقفت متسمرة وتلجم لساني فلم استطع النطق مشدوهة مذهولة لهول ماأرى.....معلمة كبيرة السن ممسكة بعصا غليظة تهوى بها على طفلة في الصف الأول الإبتدائي ...تضربها في كل مكان والبنت الصغيرة تحاول حماية وجهها بيديها الصغيرتين...توقفت المعلمة عندما شعرت بوجودي ...اتجهت بنظرها إلى ورفعت صوتها محاولة تبرير ما تفعل قائلة أن البنت غبية ولا تفهم ولا فائدة منها – حسب رأيها – وأضافت بثقة أن والد الطفلة أكد عليها أن تعتبرها كأبنتها وأن تضربها إذا لزم الأمر....لم أعلق ولم أقول شيئا لقد اكتفيت بالتحديق في وجه المعلمة محاولة أن أبحث عن الانسانة فيها أو أن أجد أثر للرحمة والشفقة ... لم أقو على النظر للبنت الصغيرة التي كانت تبكى بصمت، وواصلت طريقي صامتة متسائلة:  هل العقاب الجسدي يربي ويقوم السلوك أم أنه يؤذي الطفل ويؤثر عليه؟؟ ماذا كان يدور في خُلد الطفلة ساعة تلقيها لتلك الضربات الموجعة؟
تشير الدراسات إلى أن سوء معاملة الأطفال تؤدي لحدوث مشاكل اجتماعية خطيرة مستقبلا عند وصول الطفل لسن البلوغ ، فعلى سبيل المثال لوحظ أن:
  • 95% من المعتدين على الأطفال تعرضوا هم أنفسهم للاعتداء عليهم في طفولتهم ، أي أن معظم الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء سيتحولون إلى أشخاص معتدين على غيرهم.
  • 80% من متعاطي المواد الضارة (الكحول والمخدرات) تعرضوا للاعتداء عليهم في طفولتهم  ، أي أن سوء معاملة الأطفال نُزيد من حجم هذه الشريحة.
  • 80% من الفارين من منازلهم يشيرون إلى الاعتداء كعامل أساسي في هروبهم  من منازل خلت من الحب والحنان والعطف واستبدلتها بالضرب المبرح والقسوة والزجر والتوبيخ.
  • 78% من السجناء تعرضوا للاعتداءعليهم في طفولتهم
  • 95% من العاهرات تعرضن للاعتداء الجنسي عليهن في طفولتهن 
وتؤكد هذه الدراسات على أن استخدام العنف مع الأطفال يسبب عدد من الظواهر مثل : تدني التحصيل الدراسي، والقلق، والاكتئاب، والشعور بالذنب، والخجل، واختلال الصورة الذاتية، والعزلة، وضعف الثقة بالنفس، واضطراب النوم، وضعف التركيز، والشعور بالعدوان المضاد، وفقدان السيطرة ، والتحول نحو الإجرام ، وغيرها من الاضطرابات النفسية والسلوكية والاجتماعية ، وبعد أن تحدث للطفل هذه الانتكاسات ، أي بعد أن يصبح الطفل مضاد للأسرة وللمجتمع – كرد فعل – فإن هذه الأسره التي أهملته وأسآت معاملته في البداية تزيد من إبراز رفضها له وتنظر إليه على أنه موضع اتهام وإدانة دائما بالرغم من أن هذا الطفل مريض بحاجة للعلاج ، والمؤسف أن المشكلة تتفاقم بتحول هذا الطفل الضحية إلى مدمن أو مجرم فتلجأ الأسرة إلى مزيد من العنف بل قد تحاول الأسرة التخلص منه نهائيا.

و يغيب عن بال الشخص المعتدي على الطفل أن مشكلة الاعتداء ومضاعفاتها لا تنتهي بانتهاء عملية الاعتداء ، ولكنها في الغالب تحفر جروح وآثار تبقى وتلازم الطفل طوال حياته وحتى شيخوخته ومن المشاكل الأكثر شيوعا لمن تعرضوا في طفولتهم لأي نوع من أنواع الاعتداء : المشاكل العاطفية – المشاكل السلوكية – ضعف التحصيل الدراسي . 

صحيح أن ليس كل طفل تعرض للاعتداء سيعاني عندما يكبر بنفس الدرجة ، فهناك حوالي 15% ممن يستطيعون التغلب على الآثار النفسية المدمرة لما تعرضوا له  ويتجاوزون معاناتهم ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي،   ولكن مما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيره  تؤثر في مدى الضرر الذي سيلحق بالطفل المُعتدى عليه مثل:
 نوع الاعتداء وشدته ومدى قرب المعتدي من الطفل فكلما كان المعتدي قريب من الطفل ويحظى بحب وثقة الطفل  كلما كانت الجراح النفسية أكثر عمقا وأثرا وبالطبع كلما كان عمر الطفل أصغر كلما كانت الآثار التدميرية للاعتداء أو القسوة أشد إضافة إلى مرات الاعتداء هل هي مرات متباعدة أم متكررة وباستمرار.
الطفل يحتاج للحب والحنان والثناء لتتشكل شخصيته ويشعر باحترامه لذاته ، عكس التوبيخ والنقد والعنف الذي يكون بمثابة المسمار الذي يُدق في نعش صورته الذاتيه واعتداده بنفسه التي يقتلعها العنف من الجذور ، وبالتالي يصبح الطفل مترددا خائفا لا يثق بنفسه ولابقدراتة فيتدهور مستواه الدراسي بخلاف الطفل الواثق من نفسه الذي تربى على الحب والحنان الذي يكون مستوى تحصيله العلمي أفضل ويحب المشاركة في الأنشطة المدرسية المختلفة.

 فلنتذكر أن الاعتداء  على الطفل هو اعتداء على المستقبل ...هذا الاعتداء أي كان نوعه يجرد عدد كبير من الأطفال من قدرتهم على تحقيق ذواتهم واستغلال طاقاتهم وهي بحق خسارة فادحة للمجتمع...

وحماية الاطفال هي حماية للمستقبل الذي يمثلونه... ولنتذكر أن العقاب يعني تعليم وتهذيب وليس انتقام وحقد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل