قراءة للرواية المستحيلة -فسيفساء دمشقية لغادة السمان

 
تبدأ الرواية بشد انتباه القارئ من الصفحة الأولى...
الرواية هي سيرة ذاتية للكاتبة وخلال 500 صفحة تنتهي الرواية وبطلتها في 16 ربيعا ..وعلى القارئ البحث عن الجزء التالي ...
لغة الرواية جميلة ...تنساب بسهولة ويسر ...الخيال فيها جميل ...التركيز على سرد المشاعر لكل شخصية ...إدخال الخيال في كثير من المنعطفات للرواية ...
قول الحقيقة بلغة جذابة وقوية...تنبيهات بديعة...

تركز على مشاعر الطفلة بطلة الرواية التي فقدت أمها باكرا...
كيف يعيش طفل دون امه، كيف يتعلم أن يبتلع دموعه واحزانه عندما يدرك أن في غياب الأم لاوجود لحضن بديل ، وعاطفة تفيض عليه دفئا وحنانا ...
تسرد مواقف كثيرة للطفلة التي تهرب للخيال بحثا عن أمها، سيطرة الخوف من الظلام والجن والعفاريت وكل الشخصيات والمخلوقات المرعبة التي تحكى للسيطرة على الطفل فيعيش لسنوات أسير لها ...
دمشق في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي ، هزيمة جيوش العرب أمام عصابات احتلت فلسطين وطردت اهلها...
الانقلابات المتتالية في سوريا وفساد انظمة الحكم المتساقطة والديكتاتورية وسجن الناس، وانتشار الرشاوي والمحسوبية، ومعزوفة البلاغ رقم 1 بعد كل انقلاب...


" صحيح انهم جاءوا للحكم باسم الشعب ، ولكن لم يجدوا بعد ذلك الوقت للاهتمام بالناس"...

" مأساة العرب عامة التركيز على أحادية النظرة حيث كل واحد واثق من أنه على صواب وسواه بالتالي مخطئ بالضرورة "...
في الرواية كثير من النقد لأوضاع غير صحيحة ...مثل التفرقة بين البنت والولد ...وتفضيل الذكور من الأبناء...لكن بطلة الرواية يقول لها والدها:
" تذكري دائما أنك صبي قادر على انجاب الصبيان، وهو ما يعجز عنه لؤي ودريد"...
من الاشياء الملفته تلك العادات البسيطة التي كان الناس يمارسونها عندما تسقط الاسنان اللبنية، وهي تشبه ما نقوم به في اليمن ...
"هدأت جدته من روعه ونصحته بأن يدفنه في تراب الحوض وهو يقول : خذوا سن الحمار واعطوني سن الغزال "...
وفي اليمن يقال للطفل أن ينتظر بزوغ الشمس ويرمي السن ويقول: ياعين عين الشمس شلي سن حمار وادي لي سن غزال ....

وأيضا مسألة من يعد النجوم فتنبت على اصابعه ثآليل...أو فلل كما نسميها ...

تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي عام 2009، بعنوان " حراس الصمت"
...



قراءة للمجموعة القصصية العالم ذبابة حطت على أنفها



يشد انتباهك عنوان المجموعة ..هو عنوان إحدى  القصص القصيرة بالمجموعة...17 قصة قصيرة...كل قصة تسلط الضوء على جزء من جرح كبير على جسد الوطن ...ليبيا
حرب وخوف ونزوح وموت يومي ...
الكاتبة تلتقط تلك اللحظات لترصد المشاعر الإنسانية لمن يفقد الأمان داخل وطنه ...
" ذهبت إلى عيادة سيدي حسين لمرضى السكر لتجلب الأنسولين لوالدتها ولكنه غير متوفر ولم تعرف كيف تخرج من هذه الورطة ..دخلت إلى محل المواد الغذائية ابتسمت للسوداني وحيته..التقطت بعض الأغراض..قال لها وهو يبتسم خجلا: الدين كثير ..قالت بألم وخجل : لن اتأخر في السداد إن شاء الله..
خرجت وكأن العالم ذبابة حطت على أنفها..كانت تتنفس مكرهة وتمشي مثقلة..ناداها ابن الجيران ونبهها عند ذهابها إلى البيت بأن لا تعبر الطريق المقابل فقد اعتلى أحد القناصين بالجهة الأخرى إحدى البنايات..
كل شيء ضاق بها.."
هذا جزء من القصة التي تحمل عنوان المجموعة ...
ذبابة تحط على أنفي أي وصف بليغ لرسم حجم الضيق ...
تخيل تلك الذبابة اشعرني بالضيق فعلا ...
ابدعت الكاتبة بوصف مشاعر الألم والحزن والاحباط لمن يعيش تلك اللحظات المرعبة اليومية ..

لحظات أعرفها وعشتها تحت رعب القصف في صنعاء ..
كيف تكون حياة الناس ومشاعرهم في ظروف غير عادية حيث تنقلب حياتهم رأسا على عقب ...لا يدرون لماذا ولا إلى متى يستمر هذا الجحيم اليومي الذي يعيشونه...

جاءت القصص كنوع من التوثيق لما يعانيه الناس بشكل يومي في حياتهم ، ومن غير قلم مبدع يرسم ويوثق تلك المشاعر المدفونة تحت ركام الخوف ...
القصة الأخيرة في المجموعة تختتمها بقول الشاعر محمود درويش:
"الحنين ندبة في القلب وبصمة بلد على جسد..لكن لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس، بل يحن إلى ما قبله. إلى زمان‌ لا ألم فيه سوى ألم الملذات الأولى،  التي تذيب الوقت كقطعة سكر في فنجان شاي".