مع كتاب ثقافة القهوة

 

للقهوة عشاق كما للكتب عشاق، وهذا الكتاب يجمع بين القهوة والكتاب. الكتاب بعنوان “ثقافة القهوة” لمؤلفته: كاثرين م. تاكر، يزين غلاف الكتاب غصن شجرة البن بكرزات البن المدهشة. كتاب يجمع بين دفتيه الكثير عن القهوة. عن تاريخها وتاريخ الصراع لاحتكار زراعتها وتجارتها. ونعرف من صفحات الكتاب المتعددة، أن “شرب القهوة هو الخطوة النهائية في سلسلة تربطنا بالمزارعين في عدد من دول العالم المنتجة للبن الواقعة في المناطق المدارية”.

نعم، الخطوة النهائية لأننا نعرف القهوة في خطوتها الأخيرة في فنجان نرتشف محتواه بتلذذ. ونستمتع برائحة القهوة، لكن لا يخطر على بالنا ما هي الرحلة التي قطعتها حبات القهوة أو البن حتى وصلت الفنجان.  لكن هذا الكتاب يأخذ القارئ في رحلة تاريخية موجزة لنعرف تاريخ شجرة البن وانتقالها من أثيوبيا إلى اليمن ومنها إلى بقية دول العالم.

من المدهش أن نعرف علاقة فنجان القهوة الذي نستمتع به صباحًا، بالاقتصاد العالمي والعولمة. “فقد غدت محلات القهوة ظاهرة عالمية”، وتصنف القهوة في المرتبة الثانية بعد الماء وبعض المصادر تضع المشروبات الغازية قبل القهوة في معدلات الاستهلاك.

القهوة والثقافة

وأصبح هناك ما يسمى بثقافة القهوة.  “القهوة جوهر مادي، لكن الثقافة تصب في القهوة معاني اجتماعية ورمزية. يمكن تعريف الثقافة بأنها كل ما يفكر فيه البشر ويملكونه ويفعلونه بصفتهم أعضاء في المجتمع. وكما الماء للسمك، كذلك الثقافة للبشر. إنها بيئتنا المحيطة بنا، والتي قد لا تظهر واضحة حتى نُفصل عن سياقاتنا الثقافية. بواسطة الثقافة، يمكن لاستهلاك القهوة أن يؤكد الهوية أو يعبر عن القيم أو يؤكد الروابط الاجتماعية”.

ظهرت محلات القهوة في أغلب دول العالم، واكتسبت المقاهي سمعة بصفتها أماكن للنقاشات الفكرية والمناظرات السياسية والتعبير الاجتماعي الحر. وكانت ستاربكس هي من أدخل المقهى الحديث إلى المجتمع الأمريكي. وأصبحت مكانًا ثالثًا غير العمل والبيت في حياة الأفراد. وحديثًا قدمت المقاهي خدمة الإنترنت، لتصبح المقاهي أماكن للتفاعل الاجتماعي ومراكز تبادل الأخبار والمعلومات وأماكن شرب الأنواع المختلفة للقهوة. المقاهي صارت رمزًا للنفوذ العالمي لثقافة القهوة الغربية معبرة عن فرادة موقع أو سياق ثقافي معينين. ولا ننسى أن القهوة ارتبطت بالاستعباد، والثورة والمقاومة والمناظرات والحياة الأسرية والصداقة أيضًا، إنها ثقافة متنوعة ومعقدة.

يشرب القهوة عشرات الملايين من الناس – أكثر من 100 مليون في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. لكن هناك أربع شركات كبرى عابرة للحدود هي: نستله، وسارا لي، وكرافت فودز وتشيبو، هي من يهيمن على سوق البن وتمتلك العلامات التجارية الكبرى.

جانب من تاريخ القهوة

نشأ البن فيما يعرف اليوم بأثيوبيا، حيث ما تزال سلالات من البن البري تنمو هناك، وحُمل البن عبر البحر الأحمر إلى اليمن حيث أُدخل شرب القهوة إلى العالم الإسلامي على يد أحد أتباع الطريقة الصوفية في النصف الثاني من القرن الخامس عشر. ومن اليمن انتشرت القهوة في سائر أرجاء العالم العربي، وبحلول منتصف القرن السادس عشر، كانت القهوة قد أصبحت جزءًا من الحياة في المجتمع العربي، وأخذ أهل التجارة يحملونها إلى أوروبا.

وسع العثمانيون إمبراطوريتهم ابتداء من القرن الخامس عشر وخلال القرن السابع عشر غزوا اليمن عام 1537 وسيطروا على البن المزروع في القرى الجبلية. وتولى العثمانيون تأمين احتياجات البن العالمية عبر ميناء المخاء اليمني، الميناء الأبرز لبيع البن، ومنه انتشر لفظ موكا عالميًّا. احتكر العثمانيون تجارة البن عبر حظر تصدير الغراس الحية والبذار، وكانت حبات البن تسلق أو تحمص جزئيًّا قبل تصديرها لتصبح عقيمة.

أفلح أحد الحجاج المسلمين والذي زار اليمن، بتفادي تحريم خروج حبات البن بشد بضع بذرات إلى بطنه بعصابة وحملها عائدًا إلى دياره في الهند. كما يُذكر أن مغامر هولندي نجح في تهريب غرسة بن من ميناء عدن إلى أمستردام. كانت هناك نباتات برية للبن في جزيرة بوربون قبالة ساحل مدغشقر لكنها كانت أقل جودة من نظيرتها المستوردة التي تعود أصولها إلى مخا اليمنية.

معلومات متنوعة عن القهوة

  • البن هو الثاني بين أكثر السلع قيمة في العالم، بعد النفط، رغم أنه ينتج في بعض أفقر بلدان العالم.
  •  أكبر مستهلك للقهوة هي الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك 20% من المقدار الإجمالي للبن المستهلك عالميًّا.
  •  تستهلك أكثر مصادر الكافيين بشكل كبير في مناطق نشوئها الأصلية.
  •  الفنلنديون من أكثر الشعوب نهمًا لشرب القهوة، يستهلكون من أربعة إلى عشرة أكواب يوميًّا.
  •  يعد شرب القهوة عند ملايين الناس جزءًا من شعائرهم وطقوسهم الصباحية.
  •  عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت الكوكاكولا والقهوة السريعة التحضير قد أصبحتا مرادفتين للولايات المتحدة الأمريكية في أذهان الجنود الأمريكيين وحلفائهم الدوليين.

الجانب المؤلم للقهوة

اقترنت القهوة بحركات الاستعمار، وانتشار العبودية واستغلال العمال وسكان المستعمرات. يُعد العاملون في مجال زراعة البن من بين أقل العمال أجرًا في العالم، رغم قساوة العمل وخطورته خاصة مع إضافة المواد الكيميائية الزراعية عدة مرات بالسنة لتحسين المحصول ومكافحة الآفات الزراعية. فهناك على الجانب الآخر حيث يعيش من يزرعون البن ويعملون في حصاده والاهتمام به يوجد فقر طاحن وبؤس وتلوث وظلم.

كافح منتجو البن من أجل كسب نصيب عادل من أرباح تجارة البن دون جدوى. فهناك الشركات العابرة للحدود التي لا تسوق المنتج فقط بل تسوق الأسماء، والتي تسجل أرباح قياسية من مبيعات البن، في الوقت الذي تسجل فيه الدول المنتجة للبن هبوطا كبيرا في نسبة الأرباح.

في ذاكرة بعض الشعوب المنتجة للبن ارتبطت زراعة وإنتاج القهوة بالاستعباد والعمل الشاق، والعائد القليل. وكما تذكر الكاتبة “بات تاريخ القهوة مرتبطًا بتاريخ الاستعمار والإمبريالية وظهور الرأسمالية العالمية”. لهذا نشأت فكرة التجارة العادلة في محاولة لربط المستهلكين بالمنتجين للسلعة، ليحصلوا على نسبة عادلة من الأرباح. هل سمعت عن التجارة العادلة؟

وعندما ترتشف القهوة أيًّا كان نوع القهوة المفضلة لديك، تذكر أن للقهوة تاريخًا يستحق أن يُعرف، ووراء هذا المشروب الساحر هناك حقائق مذهلة ومزعجة غائبة عن فهمنا. وعندما نعرف بعض الحقائق والمآسي ربما نساهم في إصلاح جزء من الخلل في عامنا الذي يميل دوما لصف الأقوياء ضد الضعفاء.

تختم الكاتبة الكتاب بفقرة جميلة، بعد أن قدمت معلومات كثيرة عن التجارة العادلة والتي تحاول تحسين ظروف منتجي البن، وتدعو القارئ لاختيار شراء البن من منتجات التجارة العادلة لتعزيز الجماعة والاستدامة والمساهمة لمنح العمال أفضل حد أدنى من الأجور، أقتبسها هنا: “مع كل رشفة قهوة، نستنشق جوهر الهواء والمطر والشمس والتربة التي غذت غراس البن. إننا ننتفع من الرعاية والعرق والكدح الذي جلب القهوة إلى مائدتنا، وإننا نعلم أننا قد بذلنا على الأقل جهدًا يسيرًا لنحترم العمل. من خلال القهوة، نتشارك في آصرة، ومن خلال أفعالنا، نبني مصيرًا مشتركًا”.

 

المقال على منصة زد 

 


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل