كتاب: هوية السلطة في اليمن - جدل السياسة والتاريخ لأحمد علي الأحصب

الكتاب يقع في 240 صفحة، من منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للعام 2019.

يحتوي الكتاب على مقدمة وأربعة فصول. 

في المقدمة يقدم المؤلف تعاريف لكل من السلطة والهوية. ويبدو واضحا أن الكاتب بذل مجهود كبير في توضيح حقيقة الهوية باليمن، حيث يفحص هوية السلطة في اليمن على مستويات عدة: 

1- الانتماء العصبوي للحكام، حيث ينفذ مسح تاريخي للانتماءات العصبوية للحكام في اليمن.

2- الانتماء الجهوي 

يضع المؤلف توضيح للأعراق في اليمن:

العرق العربي ، والعشيرة قحطان أو عدنان. يتفرع من قحطان حمير ومنها كهلان الذي يتفرع منها همدان بشقيها حاشد وبكيل، ومذحج، وكنده، والأزد. 

أما عدنان فيتفرع منها:  قريش بشقيها الأموي والهاشمي.

كما يفصل الانتماء المذهبي بشقيه: السني بتفرعاته الأربعة: حنفي، مالكي، شافعي، حنبلي.

والشيعي بتفرعاته: الاسماعيلي، والزيدي.

وفي الفصل الأول الذي يحمل عنوان: الاستئثار بالسلطة في اليمن دعاوي الحاضر وحقائق التاريخ

 يشرح الكاتب كيف يدور الجدل حول هوية السلطة في اليمن على المستوى الجهوي والعشائري والمذهبي. 

وهناك من يرفع دعوى سيطرة الزيود على السلطة واستمرارية تلك السيطرة، وتقول الدعوى بسيطرة الهاشميين على السلطة طوال الأحد عشر قرنا الماضية. ويسرد الباحث طبائع السلطة في التاريخ اليمني بالتفصيل للتحقق من هذه الدعاوي.

الفصل الثاني: التوزيع الهوياتي للسلطة في اليمن

 يؤكد الباحث أن هناك كثير من الجدل وقليل من الحقائق. ويأخذنا الباحث في مسح ومراجعة لكل ماكتب عن تاريخ اليمن ومن حكم، ويلخص الكاتب اسماء الدول التي حكمت اليمن وتاريخ ظهورها وتاريخ أفولها ومدة الحكم ونوع الانتماء العرقي والعشائري لها والانتماء المذهبي واسم العاصمة في جدول، وفي جدول آخر ياخص الانتماءات العصبوية لحكام العهد الجمهوري من حيث الانتماء المذهبي والعشيرة وفترة الحكم والانتماء المناطقي.

ويتوصل المؤلف إلى النتائج التالية التي يلخصها في جداول ورسومات بيانية توضيحية:

أهم العواصم بحسب فترة الحكم: 41% زبيد، 31% صنعاء، 28% تعز.

توزيع السلطة بين القحطانيين والعدنانيين بحسب الدول: 69% قحطانيين، 23% عدنانيين.

توزيع السلطة بين السنة والشيعة بحسب فترة الحكم: 65% سنة، 25% شيعة زيدية، 10% شيعة اسماعيلية.

ويؤكد أن السلطة تنقلت بين مختلف الانتماءات، وهذا ينقض اي تصور حول سيطرة نسب أو هوية بعينها على السلطة، وينقض على وجه الخصوص التصور الشائع بين اليمنيين والدعوى المركزية في جدلهم حول هوية السلطة التي تتهم الأئمة الهاشميين بالسيطرة على السلطة في البلاد أكثر من ألف عام.

ويخلص إلى أن هوية السلطة في اليمن لم تكن هوية جامدة، بل هوية متحركة وتعددية وعابرة للانتماءات. فقد تنقلت بين اليمنيين بمختلف هوياتهم؛ بين ذوي الأصول العربية وذوي الأصول الأفريقية، وبين القحطانيين الحميريين والكهلانيين، وبين العدنانيين الهاشميين والأمويين، كما تداولتها الجغرافيات المختلفة. 

وتثبت النتائج التي توصل لها الباحث كما يقول في النهاية، أن جدل اليمنيين حول هوية السلطة لا يقيم علاقة صحيحة مع تاريخ السلطة وتاريخ السياسة وصراعاتها في البلاد، وتثبت أن مالدى هذا الجدل وأصحابه من تصورات وأحكام بشأن هوية السلطة عبر التاريخ ليست أكثر من مسلمات شعبية بنت نفسها خارج الوعي بالتاريخ، ولا علاقة لها بحقائقه.  

العجيب أن الكاتب يعود لينسف كل ذلك في الفصلين الثالث والرابع:

يعرج في صفحة 133 لليمن الجمهوري حيث يقول:

" ففي اليمن الجمهوري مثلا، أصبحت السلطة والمعارضة والجماعات السياسية والأيديولوجيات والمواقف تُعرف وتصنف على أساس جهوي؛ فالعقائد والأيديولوجيات السياسية التقدمية ( اليسارية والقومية) ارتبطت باليمن الأسفل وبالجنوب، في حين ارتبطت العقائد المحافظة أو الرجعية السياسية باليمن الأعلى. "

ويلمح لحوادث حدثت في أغسطس 1968 حيث كادت الخلافات والمواجهات بين الجمهوريين تتحول إلى مواجهة بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل. "

" وتظل حوادث يناير 1986 في عدن أحد أهم ما يقدمه لنا الزمن الجمهوري من شواهد على ارتداء الصراع السياسي حلة مناطقية صارخة، فقد انقسم المتصارعون في الجنوب إلى فريقين: الزمرة والطغمة. الزمرة مناطق شبوة وأبين، والطغمة ردفان والضالع وإلى حد ما حضرموت. إن أهمية هذا المثل ودلالته تأتيان من كون الصراع حدث بين مجموعة من التقدميين الذين أعلنوا إيمانهم وتبنيهم الاشتراكية والأممية."

وهذا تحليل مهم لكنه غير كاف ، لكنه لم يضع تفصيلات كافية ليفهم القارئ حقيقة ما حدث، وكأن ذلك كان مدخل لتبرير ما سيأتي في الصفحات التالية التي تتناقض مع ما جاء في الفصلين السابقين.

ابتداء من الفصل الثالث وحتى نهاية الكتاب، يخلط حقائق تاريخية وسياسية بتحليلات متحيزة وأقوال أثبت عدم صحتها سابقا. 

ويبدو أن البحث والدراسة كانت هي الفصلين الأول والثاني أما الفصلين الأخيرين الثالث والرابع ليستا إلا محاولات لإرضاء طرف سياسي معين على حساب مبادئ البحث والدراسة العلمية الحقيقية. 

ومما يؤسف له أن هذا الأمر يبدو شائعا في كثير من الدراسات والتحليلات اليمنية، فنادرا ما نجد باحث يلتزم بشروط الحياد والنزاهة العلمية. 

السؤال هل يتعرض الباحث اليمني لضغوط تجبره على ذلك؟

 


 

قراءة لرواية فتاة من ورق لغيوم ميسو

 

نصحني أحدهم بقراءة هذه الرواية للاستمتاع بالخيال الغريب، لرواية تحكي عن سقوط بطلة الرواية من الكتاب بعد أن يصاب الكاتب بما يسمى عسر الإلهام، أو حبسة الكاتب. وعندما أمسكت بالرواية بيدي، قرأت على الغلاف الخارجي للرواية:


"مبللة وعارية تماما، ظهرت على شرفتي في عز ليلة ماطرة.

- من أنتِ؟ سألتها وأنا أقترب متفحصا إياها من أعلى إلى اسفل.

- لقد سقطتُ.

- سقطتِ من اين؟

- سقطت من كتاب. سقطت من حكايتك، !كذا!"

أي خيال هذا!

فتاة من ورق، هي بطلة رواية تخرج من بين السطور لتعيش مع الكاتب ...وبدأ خيالي ينسج حكاية مذهلة عما يمكن أن تكون عليه الرواية.

بصراحة، أعجبت بالفكرة بشكل غير عادي.

اشتريت الرواية، وشرعت بالتهام صفحاتها. 

من هو غيوم ميسو؟

المؤلف غيوم ميسو من أشهر المؤلفين الفرنسيين، ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة، وتحتل كتاباته قائمة أعلى الكتب مبيعا في العالم. صدرت أولى رواياته عام 2001.بدأ الكتابة وهو على مقاعد الدراسة في التاسعة عشرة من عمره.

ورواية فتاة من ورق من أبرز رواياته، صدرت باللغة الفرنسية عام 2010. وترجمت إلى اللغة العربية عام 2012 عن المركز الثقافي العربي، ترجمة شكير نصر الدين.

الرواية تبدأ بداية مختلفة عبر عناوين لعدد من الصحف تنقل أخبار رواية هي أشهر عمل أدبي للسنة لكاتب شاب مغمور طوم بويد فصارت تلك الرواية، كما نفهم من الأخبار، في غضون بضعة شهور على رأس قائمة المبيعات للسنة. 

ونعرف أيضا أن تلك الرواية هي الجزء الأول من ملحمة مكونة من ثلاثة أجزاء.  يترك الكاتب الشاب وظيفته بعد توقيع عقد مع دار النشر يخص كتابين إضافيين أو الجزئين التاليين من الرواية ونعرف أن العقد بمليوني دولار.

ونتابع عبر عناوين الصحف والايميلات قصة الحب الفاشلة للكاتب الشاب والتي سببت بسقوطه في فخ الإدمان ويعتقل في حالة سكر.


ومن الصفحة 25 تبدأ احداث الرواية بعيدا عن الصحف، فنعرف أن الكاتب يعيش في عزلة عن العالم تحت تأثير المهدئات بسبب قصة الحب الفاشلة التي انتهت بتخلي عازفة البيانو عنه، لكن صديقه صاحب دار النشر يحاول أن يخرجه من عزلته ليتابع كتابة بقية أجزاء الرواية دون جدوى. 


وفجأة تظهر تلك الفتاة التي سقطت من الرواية غير المكتملة لتظهر في شرفة الكاتب. يطلق عليها فتاة من ورق وتتوسل إليه أن يستمر بكتابة الرواية لتعود إلى عالمها في صفحات الكتاب قبل أن تموت، ولكن الكاتب يعاني من حالة اكتئاب شديدة، وتحاول مساعدته.

الرواية مليئة بالتشويق والإثارة والأحداث المتسارعة ويجد القارئ نفسه يلاحق الأحداث كأنه أمام أحد أفلام الحركة والتشويق الأمريكية، فهناك شرطة، واتهامات بالقتل....

وتنقلات من بلد لآخر، ومطاردات بالسيارات تحبس الأنفاس. قدرة هائلة على التشويق، خاصة لمن يهوى أفلام المطارادات والحركة والإثارة السينمائية التي لا تحدث في الواقع لكنها تسعد المشاهد. كل تلك المطاردات والتنقلات رافقت النسخة الوحيدة للرواية. نسخة وحيدة للرواية تنجو من الاتلاف بعد أن تقوم دار النشر بسحب كل النسخ للرواية من السوق بسبب عيب فيها وهذا ربما ما سبب سقوط بطلة الرواية.

لكنني توقفت عند سؤال: كيف عرف ميلو أن تلك النسخة لم تتلف؟الحبكة للرواية معتمدة على تلك النسخة.

  في رايي أن الروايات التي تقوم على عدد كبير من الصدف تصبح غير مقنعة، عندما يجد القارئ نفسه يقف للتساؤل. كل تلك الصدف أصابتني بالحيرة.


يجد القارئ نفسه يتابع مشاعر الكاتب الذي يقع في المعاناة بسبب ما يسمى حبسة الكاتب، ويتابع مقدار مايعانيه الكاتب عند الكتابة. وكيف يأتي الإلهام، ويستمر الكاتب في الكتابة لينقذ بطلة روايته من الموت. 

الرواية تحوي الكثير عن مشاعر الصداقة والحب والحوارات الرائعة.

فكرة أن بطلة الرواية فتاة تسقط من بين صفحات الكتاب فكرة عبقرية أدهشتني. فكرة رائعة، لكن كيف تمت معالجة الأحداث عبر صفحات الرواية ال441، لم تقنعني.

هي فتاة من ورق، يقع المؤلف في هواها.

قلت،  حسنا يمكن ذلك، ربما يزيد هذا من متعة الخيال ويجعل الأحداث أكثر إمتاعا.

لكنني أصبت بخيبة الأمل، فنهاية الرواية غير المتوقعة خيبت أملي فعلا. شعرت بالخيانة. لا ، ليس هذا ما توقعته. 

هل سبق لأحدكم أن قرأ رواية ووجدها مختلفة تماما عما تخيل، فشعر بالغضب؟


للأسف الترجمة ليست جيدة.

 اقتباسات من الرواية:

  - لكن الهوى يشبه المخدر، إن معرفة عواقبه المدمرة لم تمنع أحدا من الاستمرار في تدمير ذاته بعد أن دخل تلك الدوامة.

- لكن نادرا ما تجعل الشهرة شخصية من يصلوا إليها أفضل ما يكون. إنها تعمق الجراح النرجسية أكثر من تلطيفها.

- إن الصلة التي كانت تربطنا هي أبعد من التعاطف والمودة. ولم تكن أيضا مجرد صداقة عادية، بل كانت من تلك الوشائج الثابتة التي لا يمكن  بناؤها إلا في الطفولة والتي تلزم المرء طوال حياته، في اغلب الأحيان على المر أكثر منه على الحلو.

- ربما لأننا كنا نأمل بسذاجة أن عدم استحضار الماضي كان يسمح بمحوه. 

-الحظ هو وصل الإرادة بالظروف المناسبة، هذا ما زعمه سينيك.

- نحن نجهل في الغالب المحن التي يجتازها الناس الذين نحبهم أكثر.

- الكائن البشري هو بالتاكيد حيوان يتكيف مع كل المهانات.

- إن أي كتاب لا يصير على صورته إلا بالقراءة والقارئ هو من يمنحه الحياة، من خلال تأليف صور ستخلق ذلك العالم الخيالي الذي تعيش داخله الشخصيات.




 


 


قراءة لرواية حفلة التيس لماريو بارغاس يوسا

 


رغم العدد الكبير لصفحات الرواية إلا أنها ممتعة حتى آخر صفحة...
تغلق الكتاب وفكرك لايزال هناك ...بين صفحات الرواية...
مع شخصياتها والاحداث الرهيبة التي تجعل نبضات القلب تتسارع...
الرواية ليست من بنات خيال الكاتب ...
هي قصة حقيقية ...أبطالها شخصيات حقيقية ...
لكنها تربكك...تؤلمك...
كيف يعيش شعب كامل تحت رحمة تيس...ديكتاتور يختصر كل شيء في شخصه العظيم ...
فهو يملك البلاد والعباد ...يمنح ويحرم ويقتل ويتفنن في تدمير النفوس ...
الغريب أن شخصية هذا التيس تنطبق كثيرا على شخصيات تيوس كثيرة نعرفها ...
الكاتب يملك قدرة عالية على تعذيب القارئ وتجريعه المرارة التي عاشتها شخصيات الرواية ...
تنتمي الرواية للواقعية السحرية....ببساطة هي تحفة أدبية مليئة بالسوداوية التي تلون الواقع ...وصف الواقع كما هو ولكن بطريقة احترافية ...
شعرت كأني أنا من يتلقى التعذيب في ذلك السجن الرهيب ...أي عالم مريع نعيش فيه ...
اميل كثيرا لقراءة الروايات التي ترصد وتسجل عذاب الناس ومعاناتهم بعيدا عن ترف الخيال والمبالغات الأدبية...
هنا الكاتب المبدع قرر أن يوثق التاريخ ...حماية للحقيقة وبكامل الأمانة التاريخية ...يرصد محاولة اغتيال المعلم والزعيم والقائد تروخييو الديكتاتور تبدأ الرواية بلحظات الاغتيال وتأتي الحكاية في الصفحات التالية لتحكي مايصدم القارئ...
الكاتب ماريو بارغاس يوسا المولود في بيرو في مارس من العام 1936 هو روائي وصحفي، وسياسي وناقد وأستاذ جامعي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 2010....ويعده النقاد واحد من أهم الكتاب اللاتينيين...