قراءة لرواية: والله إن هذه الحكاية لحكايتي لعبد الفتاح كيليطو:

 

رواية ممتعة لمن قرأ حكايات ألف ليلة وليلة لأنها تربط بطل الرواية حسن ميرو ببطل أحد حكايات ألف ليلة وليلة حسن البصري الذي أحب جنية وأخفى ثوب الريش الذي تتحول به إلى طائر، لكنها تجده ذات يوم وتغادر تحمل معها طفليها...
فحكاية حسن ميرو تشبه حكاية حسن البصري إلى حد ما، وكذلك الكاتب الأمريكي يوليوس موريس...لكن الرواية لا تكتفي بهذه الشخصيات فهناك الراوي ...
لتفهم حكاية حسن ميرو عليك أن تفهم حكاية حسن البصري..
وتزدحم الرواية بعناوين الكتب وأسماء الكتاب والأساطير المتنوعة...
عنوان الرواية الذي يقف عنده القارئ، عنوان يحمل شيء من سحر التراث، سحر الحكايات والاصرار على حكيها...
 
صورة الغلاف لامرأة تطير، فما هي حكاية طيران النساء في هذه الحكايات؟
لكن الرواية لا تكتفي بحكاية الجنية التي تطير بثوب الريش بل تأخذ القارئ لحكايات أخرى مليئة بالسحر والغرائب فهناك إشارة لجازون الذي فاز بالفروة الذهبية وهي إحدى القصص الإغريقية، وإشارة أخرى لأرثر غوردون بيم ورفيقه بيتر وهما بطلا رواية لإدغار الآن بو. وهناك أسطورة الغورغون والأخوات الثلاث ذوات الشعر من الأفاعي ونظراتهن تمسخ الرائي إلى حجر ...
 
ويقتبس الراوي من آيات القرآن الكريم عن النمل والنبي سليمان وملكة سبأ والهدهد، وحكاية التعبير Fort da وما يعنيه حسب تفسيرات فرويد.
وهناك معلومات عن طائر الخطاف أو السنونو واللقالق التي تهاجر وتعود كل مرة لأعشاشها السابقة...
هل قرأت كتاب عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم؟
وما مدى معرفتك ببطل مقامات الحريري الذي يصف نفسه بالشاعر فهو يأخذ اللفظ فضة وحين يصوغه يحوله لذهب، مع هذه الرواية ستجد نفسك داخل متحف اللوفر حيث تمثال ساموثراس لآلهة النصر نايكي.
ويطل ابن حزم في إحدى الصفحات بقوله: " إنه لم ير أشد تبجحا ولا أعظم سرورا بما هو فيه من محب، أيقن أن قلب محبوبه عنده ووثق بميله إليه".
ويفتح حسن ميرو كتابا قديما يعود إلى القرن الرابع الهجري " مثالب الوزيرين" من تأليف أبي حيان التوحيدي، وهو الكتاب الذي سيقلب حياته رأسا على عقب.
ولكن ماذا يقصد الكاتب الفرنسي جورج بيرنانوس عندما يقول: " لن يرحمك المخفقون" وما علاقتها بحكايتنا هذه؟
وتطل روايات فلوبير، ومونتي أحد حكماء الغرب، وسيلين صاحب الشخصية الجدلية. ويظهر كتاب معجم البلدان وكتاب معجم الأدباء لياقوت، وكتاب المقامة الجاحظية للهمذاني، كتب تقتل صاحبها كما حدث للجاحظ الذي مات تحت ركام كتبه كما قيل.
ونتساءل مع حسن هل أصابته لعنة كتاب التوحيدي وهو يعمل على أطروحته عن التوحيدي وموقف ابن عباد منه، وكيف كانت سخرية التوحيدي من خصمه سببا في شهرة ابن عباد الذي ما كان سيتذكره إنسان لولا سخرية التوحيدي منه، ولكن هل هناك حقا لعنة مرتبطة بكتاب التوحيدي؟
 
تدافع الرواية عن أبي حيان التوحيدي الذي ألصق بكتبه عدد من الافتراءات منها استنكار ابن خلكان ضمنيا تأليف كتاب المثالب فعده من المؤلفات ذات التأثير المضر. الضر لا يلحق بمن يقرأ الكتاب بل حتى من يدخله بيته!
 
في حكاية ألف ليلة وليلة ينتهك حسن البصري المحرم ويفتح الباب الذي ما كان عليه أن يفتحه، ونتابع ما جر عليه ذلك من الهم فكانت نظرة أعقبتها ألف حسرة كما جاء الوصف على لسان شهرزاد، وما حدث للبصري يشبه إلى حد ما موضوع الفضول المحرم الذي أخرج آدم وحواء من الجنة، وهو سبب إصابة أوديبوس بالعمى، وكذلك مسخ الصياد أكتيون إلى أيل لتأكله كلابه.
 
إنها رواية تعج بعناوين الكتب وأسماء الكتاب، والإشارة للأساطير ونقاشات أدبية كأن القارئ في صالون أدبي..
 
كانت بالنسبة لي 142 صفحة من القراءة الممتعة التي تقدم التراث بطريقة ذكية ومشوقة...وتدفع القارئ لقراءة تلك الكتب.
ولكن هل حقا هناك لعنة تلحق بمن يقرأ للتوحيدي؟

 

رواية: صنعاء ..الوجه الآخر للدكتور إبراهيم إسحاق

 


استوقفني غلاف الرواية ...غلاف الرواية هو المدخل الأول للعمل الأدبي ...يحمل دلالات لها علاقة بمحتوى الرواية....
هنا الغلاف يهيئ القارئ لجو الرواية ...وزمنها...صنعاء في زمن محدد ..
هناك دور نشر لا تشرك المؤلف في عملية اختيار صورة الغلاف ويعتمد اختيار الغلاف على عامل التسويق والترويج للرواية فيضلل القارئ لأن صورة الغلاف في الغالب لا علاقة لها بمحتوى الرواية ...
لكن هنا الإبداع بدأ من صورة الغلاف الذي ينقل القارئ لزمن الرواية ...
العنوان يحدد مكان العمل الروائي هنا ...ويترك للقارئ مهمة اكتشاف الوجه الآخر للمدينة...
السرد مؤثر لأن اختيار أن يكون السرد على لسان الطفل بطل الرواية يجعل الحكاية أكثر تأثيرا ...
 
طفل لا يعرف حقيقة ما يحدث لكنه يعيش آثار تلك الأحداث التي تغير مصير عائلته ...ونعيش معه تفاصيل حياته اليومية...
أبدع المؤلف ، والذي اقرأ له اول عمل، في جذب القارئ لينغمس في الأحداث التي يسردها الطفل لحياته البسيطة والتغيرات التي طرات على المدينة بعد قيام الثورة وأثر ذلك على أفراد أسرته المحسوبه على النظام السابق ...
فيعدم جده ويلقى القبض على والده وعمه ...رغم أن عمه الصغير من ضباط الثورة...
وكيف تتغير حياة الأسرة بعد الاستيلاء ومصادرة منزل الأسرة وانتقالهم لمكان آخر ...وترصد الرواية الحياة الاجتماعية للاسرة في تلك الفترة وتأثيراتها على بطل الرواية الصغير وهو يستمع مع جدته لأغاني وردة الجزائرية التي يظنها مصرية ... 
 
تسير أحداث الرواية دون أن يتورط الكاتب بالتفسير أو الوقوع في فخ توجيه القارئ حسب وجهة نظره....ويترك القارئ أمام عمل أدبي يفهم منه ما يشاء ...
ويترك الحكاية تدور ببساطة بكل ما فيها من جرعات ألم وحزن تنساب ببساطة من ذهن طفل يحاول فهم ما يحدث فيعيش القارئ هموم الطفل وتفسيراته ومخاوفه الطفولية من الجن الذي يسكنون حر الحطب أسفل المنزل وكيف يقطع تلك المسافة جريا وقلبه يكاد يتوقف عن الحركة من شدة الرعب... 
 
تنتهي الرواية بالانقلاب على الرئيس المشير السلال وبداية عهد جديد ...
لكن النهاية كانت مفاجئة بموت والد الطفل دون تفصيلات ...
 
اقتباس من الرواية:
- الحبس يا أم إبراهيم حبس القلوب..إذا احتبس القلب احتبس كل شيء، وإذا تحرر؟
 
- يا أم نديم ، القلعة أو الرادع أفضل لإخوتي ، خصوصا محمد، لأنه لو خرج بأمر أصحابنا فسيسجنه المصريون في القيادة العربية، وهناك لا أراك الله، عذاب الكهرباء التي لم تصل إلى بيتكم حتى الآن، ونهش بكلاب البشر والحيوان.