قراءة لرواية صراع حول نافذة السماء - الرحلة الأولى، لعبد الوهاب بغدادي:

 

الرواية تأخذ القارئ في رحلة عبر الزمن، فيسافر مع شخصياتها إلى أعماق التاريخ، إلى فترة بناء الهرم الأكبر حيث يمتزج الخيال بالتاريخ بالأساطير...

هي رواية خيال علمي، النوع الأدبي الذي لا يلق اهتمام كبير في الأوساط الثقافية العربية، رغم أن له الكثير من العشاق والمتابعين.

في البداية يوصي المؤلف القارئ بقراءة النبذة العلمية والتاريخية عن الحضارة المفقودة وهرم خوفو الأكبر في نهاية الرواية، لكن تلك المعلومات يستطيع القارئ استيعابها من خلال الرواية بطريقة ذكية عبر حوارات الشخصيات.
استطاع المؤلف ببراعة أن يرسم ملامح تلك الشخصيات مما يسهل تخيلها ومتابعة أحداث الرواية كشريط فيلم سينمائي.

تبدأ الرواية بالفصل الذي أطلق عليه الفصل ما قبل الأول عام 2110م بمدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة، بحادث انفجار غريب وظهور كرة عملاقة معلقة في الفضاء. لتنتقل الأحداث في الصفحات التالية إلى العام 2135م بمنتجع الكرة المعلقة السياحي. ويبدأ الفصل الأول ليعيد القارئ إلى العام 2064 بنفس المكان حيث تبدأ فصول الحكاية.
الخيال والانتقال بين الأزمنة من المستقبل للحاضر إلى الماضي رائع ويشد القارئ ليتابع الأحداث المرسومة بدقة وببراعة...

377 صفحة هي أحداث مغامرة يخوضها أبطال الرواية بعد عودتهم للماضي الموغل في القدم، حيث يعيش القارئ معهم أحداث مثيرة وصاخبة تتخللها المؤامرات في القصر الملكي وفشل المؤامرة وهروب من خطط للمؤامرة إلى اليمن:
" كان الجميع يعرفون هذا المكان الذي لا يستطيع خوفو مطاردتهم فيه، فقد سبق أن هرب إليه الكثير من أمراء مصر العليا بعد التوحيد الأول لمصر، ثم هرب إليه الكثير من أمراء الدلتا خوفا من بطش الملك مينا إبان التوحيد الثاني والأخير في مصر. لم يكن هذا المكان سوى جبال اليمن الصعبة التضاريس، والتي عرفها المصريون القدماء جيدا أثناء رحلاتهم التجارية والعلمية إلى بلاد بونت"

عبر صفحات المغامرة يعيش القارئ مع المغامرين ويشعر بمعاناتهم وخوفهم وقلقهم وهم يحاولون العودة للزمن الذي سافروا منه بعد انتهاء مهمتهم: " فوق رمال الصحراء، سبق الحماس والشوق للعودة إلى المركبة خطوات الرواد، وسيطر على مشاعرهم حنين جارف لسرعة العودة إلى أرض الوطن رغم كونهم فوق الأرض نفسها مع اختلاف الزمن. فإذا كان حب الوطن هو أنقى حب في الوجود، فيبدو أن هذا الحب ليس وليد المكان فقط، بل وليد المكان والزمان معا، فالزمان والمكان مجتمعان هما من شهداء الولادة والطفولة والشباب وصنعا الذكريات، إنهما متفاعلان في كل شيء حتى في العلاقة بالأوطان، وما الإنسان إلا ابن زمانه ومكانه" ...

أتفق مع الكاتب فالإنسان ابن زمانه ومكانه، ولن يسعد لو تحقق حلمه وعاد به الزمن للعيش في ماض انتهى، فسيشعر بالغربة والوحشة لأنه ابن زمنه حتى على المكان ذاته.
تنتهي صفحات الرواية قبل أن ينجح أبطال المغامرة بالعودة إلى زمن المستقبل الذي يفصلهم عنه سبعة آلاف سنة، مع عبارة إلى اللقاء التي تشير للرحلة التالية للرواية.

من يحب قراءة كتب المغامرات والخيال العلمي والسفر عبر الزمن سيستمتع بالرواية، فهي لا تقل روعة وجمالا عن هاري بوتر وسيد الخواتم. الفرق أنها مغامرة في تاريخ العرب وثقافة لا تجد الاهتمام الذي تستحقه.

تخيل أن تجد نفسك في مصر في زمن بناء هرم خوفو أو نافذة السماء.

حاول الكاتب أن يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن التاريخ والواقع اليوم ...

في بداية الرواية ظهرت آراء الكاتب بوضوح وكان الأفضل أن تأتي تلك الأفكار على لسان الشخصيات أثناء الحوارات...
ففي الفصل تحت عنوان "مأساة الفتاتين" تكررت عبارة: “فلم تجد بدا من العودة إلى أحضان مصر الدافئة، حيث قلب العالم النابض بالحب ...”، في البداية ومرة أخرى في نهاية الفصل:" ولكنني أعتقد أن حياتنا الدافئة في مصر ستساعدنا على التخلص من بقايا آلام وجروح الماضي..."والفصل تقريبا يدور حول أسباب سقوط الحضارة الغربية ومشكلاتها ومعاناة الفرد فيها، ظهور تلك الأفكار في حوار الشخصيات يكون مقبول أو يظهر على شكل أحداث درامية توضح فكرة الكاتب يكون مقبول ...لكن أن يأتي على لسان السارد فهو إلى حد ما غير مناسب وخاصة عندما يتكرر ويدور حول الفكرة ذاتها فالقارئ سيعد ذلك أحد آراء الكاتب التي يفرضها ويمليها على القارئ..

الرواية مليئة بالاحداث المشوقة وجديرة بالقراءة يختلط فيها الخيال بالأسطورة بالتاريخ المصري القديم ...
كما أن بها حوارات مثيرة للاهتمام، من نوع:
" سأل عمر سؤالا هاما:
- هل يمكن للإنسان أن يقابل نفسه في الماضي؟ بمعنى إذا عدت إلى ماض قريب، خمس سنوات مثلا، فكيف استطيع أن أقابل نفسي؟"

 


 

وداعا جوليا

 

وداعا جوليا فيلم سوداني من إخراج محمد كوردفاني فيلم رائع بامتياز...
لماذا؟
يقدم قصة درامية باحترافية، تنساب أمام المشاهد الأحداث وتشده لمتابعتها ...
لا بطل رئيسي للفيلم ، بل كل الشخصيات تلعب دور البطولة، حكايات كل الأشخاص تسير جنب بعضها، ونفهم دوافع كل شخصية وخلفياتها....هكذا نفهم كيف كل شخصية يمكن أن تكون الجاني والضحية في آن معا..
 
المجتمعات التي تسير باتجاه التفكك نعرف أن ذلك يعود لمجموعة من قناعات غرست عبر أجيال طويلة فجعلت من البعض عدوا للآخر ...
وهكذا يعيش في بلد من يكن الكراهية للآخر لأن تلك القناعات والمواقف توارثها جيل بعد جيل...
الفيلم لايدين جهة ويبرئ أخرى بل يقدم الحقيقة كما هي دون تجميل أو تبرير ...
ربما إيمانا من المخرج كاتب قصة الفيلم أن الحقيقة هي من يعالج ويشفي الجروح لأن تراكم الأكاذيب والتشويهات يزيد من عمق مشاكل المجتمعات ويذهب بها بعيد عن أبواب الحل والخروج من جحيم الواقع الذي تعيشه...نعم لاشيء يعالج مثل الحقيقة ...
أداء الممثلين يبدو تلقائي ومقنع وتم اختيارهم بعناية...
 
أظهر الفيلم العلاقات بين الناس من شمال السودان أو العرب والجنوب أو ما يطلق عليهم العبيد في العاصمة الخرطوم قبل انفصال الجنوب فنفهم تعقيدات الوضع...
الجميل في الفيلم أن السياسي لم يطغ على الشخصي....
بل سلط الضوء على مشاعر أبطال الفيلم ...
 
صور ببراعة المشاعر الانسانية المعقدة في أجواء الكراهية والخوف من الآخر ...وسيطرة الشعور بالذنب ومحاولة التكفير والغفران...
يظهر الفيلم أيضا الوضع الاجتماعي للمرأة بلقطة مبدعة ...عندما يحضر الزوج زوج من الطيور في قفص وعندما تطلق الزوجه تلك الطيور يتهمها زوجها بالغباء لأن الطيور التي تربت في قفص لا تستطيع العيش خارجه...
وضع يشبه حال النساء في المجتمعات ذات النظام الأبوي التي تعيش المرأة فيها كطائر في قفص... 
 
يسلط الضوء على ما تتعرض له المرأة في وسائل المواصلات أو في التعامل مع البعض من تحرش جنسي يتنافى مع قيم المجتمع ...
قصة معقدة من العلاقات تعطي المشاهد نظرة ثاقبة للانقسامات بين شعب شمال وجنوب السودان التي أدت إلى تقسيم البلاد في عام 2011...فيفهم لماذا سار البلد نحو الانقسام... 
دون انحياز من كاتب القصة لأي طرف ...