قراءة لكتاب الحوثيون في اليمن بين السياسة والواقع لعائدة العلي سري الدين:

 


يقع الكتاب في 264 صفحة، نشر عام 2010م.
تجذبنا بعض العناوين للكتب، لم لا ، وفي محاولة للفهم ممن يكتب عن علم ومعرفة نخوض مغامرة شراء الكتاب.
 
مؤلفة الكتاب لبنانية عملت مستشارة إعلامية في سفارة الجمهورية العربية اليمنية حتى 1990، وأكملت عملها في سفارة الجمهورية اليمنية حتى عام 1994م.
 
لكن بعد قراءة الكتاب يطل سؤال إلى أي مدى عرفت اليمن وحقيقة مايجري في اليمن.
لا ادري لماذا شعرت أن الكتاب عبارة عن تجميع لقصاصات من الأخبار عن اليمن من مصادر مختلفة، دون التحقق من مصداقية المصادر.
 
يتكرر الخبر الواحد بأكثر من طريقة عبر صفحات الكتاب، و يتكرر الخبر بصيغ متناقضة.
يبدو أن مراجع المؤلفة هي من ذلك النوع الذي يمارس التجني والتحريف للتاريخ.
المصادر الحكومية والرسمية عادة تفتقر للمصداقية والموضوعية، لأسباب سياسية ودعائية ولا يعتمد عليها لتأليف كتاب دون التأكد من صحتها...
وتحليلات الكاتبة للأسف تبدو ساذجة ومضحكة...
 
الغريب ان ماجاء في نهاية الكتاب يتناقض مع ماجاء في بدايته!!
الكتاب من ذلك النوع الذي لا يضيف لك شيء، كأنك تسمع نشرة أخبار رسمية تنقل وجهة نظر الحكومة التي تخفي الحقائق وتزور الواقع.

 

قراءة لكتاب: أزمة اليمن الطريق إلى الحرب لهيلين لاكنر

 


عبر 336 صفحة تأخذنا مؤلفة الكتاب ، التي عاشت في اليمن لفترة من الزمن، في رحلة عبر تاريخ اليمن لنفهم لماذا جاءت الحرب أو لماذا كانت اليمن تسير في طريق ينتهي بالحرب!
 
يستطيع القارئ بسهولة فهم ماتريده المؤلفة، فالدولة التي لا يبادر نظامها السياسي للاهتمام بمصالح الشعب، لن تجد من يفعل ذلك من دول العالم. وأيضا تفقد هذه الدولة احترام دول العالم، وتصنف دولة فاشلة لا تستحق الدعم.
 
تشرح كيف حول رئيس النظام السياسي في اليمن بلاده لدولة فاشلة، كيف أضاع الكثير من الفرص والدعم المالي لتحويل اليمن لبلد مستقر وتحسين اقتصاده برفضه لأي مشاريع حقيقية تخدم البلد وتحوله لبلد ديمقراطي مستقر اقتصاديا.
 
كان كل اهتمامه ينصب حول الحصول على المساعدات والاستيلاء عليها لصالحه وصالح من يعملون معه، في ظل سياسته التي عبر عنها بالرقص على رؤوس الثعابين.
بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962 غرق النظام في فخ تشويه صورة النظام السابق كوسيلة لتلميع ذاته بدلا من التفكير والعمل على تحقيق أهداف الثورة برفع مستوى الشعب وإزالة آثار العزلة.
عقدت مقارنات وتحليلات لوضع النظامين في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، وأوضاع الناس المعيشية، فهي عاشت مع الناس البسطاء في كل منهما قبل الوحدة.
 
تقول في بداية الكتاب عن اليمن:
"اليمن بلد جميل للغاية، به مناظر طبيعية رائعة من جبال وصحراء وساحل. كما أن لديه العديد من الميزات الثقافية، بما في ذلك تراث معماري فريد بالإضافة إلى مواقع أثرية وثقافية تعود إلى ما قبل التاريخ، والتي لها أهمية كبيرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأكملها والشرق الأوسط الأوسع. كل هذا يستطيع بسهولة أن يجعله أفضل الوجهات للسياحة الثقافية وسياحة المشي لذوي الدخول العالية، بالإضافة إلى البحث."
 
تشير في الكتاب إلى اسهام الناس في بناء المشاريع التي يحتاجونها في مناطقهم تحت مسمى التعاونيات وكيف حاول الرئيس الحمدي أن يفرض سيطرة الدولة على تلك المشاريع التي تنفذ من مساهمات الناس وجيوبهم الخاصة ، وبعدها جاء نظام الرئيس صالح فألغى تلك التعاونيات وحولها إلى مجالس محلية قضت على ما تبقى.
 
يعرض الكتاب المشكلات التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة والمتداخلة والتي أدى التفاعل بينها إلى الحرب عام 2015، حيث كان عام 2011 هو عام الوصول إلى نقطة الانهيار. 
 
استمرت مستويات معيشة الشعب في التدهور، واستنفد الحكم الاستبدادي القائم على المحسوبية ومحاباة الأقارب طاقته.
وفشل النظام الانتقالي في توفير الحكم الرشيد والسياسات الاجتماعية والاقتصادية العادلةاللازمة لتغيير البلد جذريا.
وتحولت اليمن لبلد ممزق...
 
في ختام الكتاب ترى المؤلفة أن أي نظام جديد سينشأ في اليمن يجب عليه أن يركز على القضايا طويلة الأجل التي يواجهها الشعب وفي المقام الأول أزمة المياة...والتعليم..
التعليم سيضمن ظهور سكان متعلمين تعليما عاليا قادرين على استغلال إمكانيات القرن الحادي والعشرين. وهذا يعني استثمار ضخم في التعليم يستهدف سكان الريف والحضر في جميع أنحاء البلاد، وسياسات تعزز تكافؤ الفرص الاقتصادية وإنهاء المحسوبية والمحاباة مما يشكل عنصر من عناصر اليمن الجديد الذي تحكمه إدارة جيدة...
 
الكاتبة تعرضت للكثير مما يحدث في البلد ويظهر بوضوح مدى فهمها ومعرفتها بالمجتمع اليمني وهمومه وعلاقة ما يحدث بالسياسات الدولية مما يصعب عرضه هنا ...
الكتاب يستحق القراءة لمن يهتم بفهم جزء من حقيقة مايدور في اليمن ممن يكتب بعيدا عن التحيز لأي طرف...

 

فيلم سينمائي يستحق المشاهدة

 بعض الأفلام تثير قضايا مهمة في حياتنا، تنبه لوجود خطأ ما يحتاج أن ننتبه له. تعلمنا دروس مهمة وتفتح أعيننا على أمور منسية....

فيلم الأب من بطولة أنتوني هوبكنز يحكي قصة رجل مسن من ويلز يعاني من فقدان الذاكرة المتطور أو الخرف. مدة الفيلم 97 دقيقة، يعيشها المشاهد وهو يتابع أحداث الفيلم التي تشده حتى النهاية. ما الذي يحدث بالضبط؟ يعيش المشاهد مشاعر الحيرة التي يعيشها بطل الفيلم الذي تختلط عليه الأمور من اللحظة الأولى. من هم الذين يريدون دفعه للخروج من شقته، فهو يعلن بحزم أنه لن يغادر شقته. لنراه في مشاهد أخرى في شقة مختلفة عن السابقة. يعاني من الارتباك وهو لا يتعرف على الأشخاص، من هذا الجالس على المقعد في شقته.

يشعر بالغضب عندما يلاحظ قطع أثاث لا يتعرف عليها ويستغرب كيف تغير ابنته أثاث الشقة دون أن تخبره. الفيلم ببساطة يضع المشاهد في ذهن الشخص الذي يفقد ذاكرته تدريجيًّا، يجد المشاهد نفسه يشعر بالحيرة والارتباك أيضًا كما يحدث لبطل الفيلم.

فيلم الأب The Father

يقدم الفيلم صورة تعاطفيه للمصاب بالخرف. كيف تكون الحياة بعيون وذهن ذلك المصاب الذي لا يفهم ما يدور من حوله. تقديم نظرة دقيقة ترسم زحف أعراض الخرف والأضرار التي تلحق بمن هم على مقربة من المصاب. فالمشاهد يرى ملامح الحزن الشديد والحيرة على وجه ابنته وهي لا تفهم ما يحدث لوالدها، ولا تدري كيف تتعامل مع تلك التغيرات التي تصيبه، وذلك العناد.

لا يحاول الفيلم أن يصف لنا ما يشعره المريض، بل يقوم بأكثر من ذلك، فيجعلنا نعيش داخل ذهن المصاب، فنصاب بحيرته، ونشعر بغضبه لعدم فهمه لما يحدث. فهو ينسى الوجوه، فيسأل ابنته بحيرة عمن تكون؟

يعيش المشاهد الأحداث كما يراها المريض. كيف يظن أنه مرّ بموقف معين، ثم يكتشف المشاهد عدم حدوث ذلك الموقف. ربما كانت ذكرى من الماضي. وهكذا يعيش المشاهد شعور مشابه لشعور الشخصية التي تكتشف بعد كل موقف أنها تفقد الذاكرة. فيحصل بطل الفيلم على تعاطف المشاهد عبر لقطات متتالية تتميز بأداء ممتاز بشكل مذهل ومفجع.

نرى التخبط الذي يقع به بطل الفيلم وهو يسأل عن ابنته الأخرى التي يشتاق لها ويستغرب لم لا تزوره، ونفهم من إجابات ابنته والحزن الذي يرتسم على ملامحها أن أختها أصيبت بحادث، لكنه لا يتذكر ذلك. ينسى دومًا أين وضع ساعة يده، فيبحث عنها ويشعر أن هناك من سرقها، لكن ابنته تكتشف أنه وضعها في ذات المكان الذي اعتاد أن يضعها فيه. ابنته لا تفهم تصرفات والدها الغريبة. تظل تلك الساعة التي نراه يبحث عنها وكأنها رمز للزمن الذي يضيع من يديه ومحاولته البائسة للإمساك به.

إنها فوضى وانهيار الذاكرة. والشعور بالعجز عن التفريق بين الماضي والحاضر. ويشارك المشاهد بطل الفيلم مشاعر الحيرة والارتباك حتى تلك اللحظة التي يصل فيها الممثل إلى مرحلة من الأداء المذهل والمؤلم وهو ينهار باكيًا كطفل فقد أمه وهو لا يعرف أين هو.

برع الممثل برسم الصورة الداخلية للشخصية وما تعانيه مع حضور مستمر لساعة اليد التي يحرص على لبسها لكنها تضيع ولا يدري أين هي كالزمن الذي يتبدد في ذهنه. لن تشعر بالملل وأنت تشاهد الفيلم رغم محدودية المكان فأنت في حالة ارتباك وذهول وتعاطف كبير. الممرضة تحتضن العجوز أنتوني في نهاية الفيلم وتقول له إن كل شيء سيكون على ما يرام، فيهدأ كطفل تحتضنه أمه فيشعر بالهدوء.

تدور أحداث الفيلم عن الأب أنتوني المسن والذي يرفض الاعتراف بتقدمه بالعمر وحاجته لممرضه تعتني به في حالة غياب ابنته. وصعوبة أن يعيش بشقته الفاخرة وحيدًا. هو يرفض المساعدات والاقتراحات التي تقدمها له ابنته.

ابنته تعيش مشاعر الحيرة بين مسؤوليتها تجاه أب يحتاج للعناية ويتوقع أن تستمر بتقديم العناية له، واستكمال حياتها خاصة وهي ستغادر البلاد لتعيش في فرنسا وشعورها القوي بالشفقة تجاه والدها.

الفيلم ليس قصة عادية عن مسن مصاب بالخرف، بل تجربة تدعو المشاهد ليعيش للحظات داخل ذهن رجل يعاني ولا يفهم ما يدور من حوله ويعجز عن تفسير التناقضات التي يراها، وهو لا يميز المكان ولا الوجوه، وينسى أحداث حدثت من لحظات، وكيف يمكن لرفض المساعدة أن يتسبب بتمزق عاطفي لمن هم أقرب الناس إليه. استطاع الفيلم بنجاح اختراق عواطف المشاهد وجعله يعيش تجربة المصاب بالخرف. لأنه يجد نفسه داخل رأس الشخصية. يرى كل شيء بعين الشخصية وتفسيراتها ويتبنى مواقفها.

مع من ستتعاطف؟ مع المصاب بالخرف الذي يريد العيش في شقته ويرفض أن تأتي من تساعده وتهتم به، ويرفض الانتقال لبيت ابنته وبعده الانتقال لدار للمسنين، أم تتعاطف مع ابنته التي مزقتها الحيرة.

الفوز بالجائزة

الممثل أنتوني هوبكنز فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل في حفل توزيع جوائز الأوسكار رقم 93 في لوس انجلوس. عمره 83 عام. الفيلم من إخراج الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي فلوريان زيلر. الفيلم المأخوذ عن مسرحية الأب التي صدرت عام 2012، أيضا حاز على أوسكار أفضل سيناريو مأخوذ عن عمل أدبي. الفيلم إنتاج فرنسي بريطاني مشترك، وهو من بطولة: أنتوني هوبكنز، وأوليفيا كولمان، ومارك جاتيس.

أسئلة يثيرها الفيلم

عندما انتهى الفيلم وأُضيئت الأنوار في صالة السينما لاحظت أن من حضروا الفيلم في حالة ذهول. لم يقف أحد منهم للخروج كما يحدث عادة عندما يقف البعض للخروج بمجرد فهمهم أن الفيلم وصل لنهايته. اتفهم المشاعر التي اجتاحتهم جميعًا. الفيلم صرخة غير عادية للجميع، لأولئك الذين يسكن معهم في البيت شخص مسن. فقد يكون الفيلم نبههم لفهم ما يحدث. وربما هو تنبيه لما سيحدث.

سألت نفسي: ماذا عن دور المسنين في بلادنا؟ الثقافة عندنا تعيب من يضع المسن هناك، وتصور الحياة هناك جحيمًا وتعرض المسن للإهمال والقسوة. فهل المسن بين أهله يحظى بما يحتاج من تفهم واهتمام، خاصة مع بدء انقراض العائلة الكبيرة التي يعيش فيها أجيال مختلفة. مع الإيقاع السريع للحياة التي نعيشها هل سيحظى كل مسن بمن سيتفرغ للعناية به من الأهل ولا نحتاج للاهتمام بتلك الدور التي يتلقى فيها المسنون الرعاية والاهتمام؟ وهل من يقدم الرعاية للمسنّ يشبه الممرضة الرائعة بتعاطفها وتفهمهما في الفيلم والتي يظن بطل الفيلم في بعض المشاهد أنها ابنته الثانية؟

وبالعودة لأحداث الفيلم، من القسوة إرغام المسن على ترك شقته التي اعتاد عليها، لكن رفضه لتلقي المساعدة يجعل الأمور صعبة. هل تستحق ابنته أن نلومها لأنها اختارت أن تضع والدها في دار للمسنين بدلًا من ضياع فرصتها في العيش مع من تحب في فرنسا؟

ما أصعب الإجابة!

نشر المقال على منصة زد:

https://ziid.net/art-intertainment/cinematic-movie-worth-watching/ 

 




 

 

التصنيف العرقي والمناطقي والانقسام الاجتماعي

 

نظرة سريعة على بعض التعليقات على صفحات الفيسبوك تصيب المرء بالذهول لحجم الكراهية التي تفوح من التعليقات التي تقطر حقدا وكراهية، الأدهى أن هناك أوراقا بحثية عن الوضع في اليمن لمختصين تصيب القارئ بكثير من الدهشة والذهول لكم المغالطات فيها، دراسات أبسط ما نقول عنها إنها تفيض بغضا وتحريضا، أبحاث علمية لا علاقة لها بالرصانة العلمية والموضوعية وتحري الدقة والموضوعية.
فيقفز التساؤل: 
ما الذي يحدث؟
هل نحن مجتمع مريض بالتعصب؟
 
لقد عشنا سنوات في مجتمع متسامح، لم نسمع عن التعصب والاختلاف المذهبي بهذه الحدة والقوة إلا في السنوات الأخيرة.
هل تظهر الأمراض الاجتماعية بشكل مفاجئ؟
هل تنفجر براكين الحقد والغضب والثارات بين أبناء مجتمع واحد هكذا بين يوم وليلة؟
ولكن في المقابل هل هناك بلد في العالم يعيش فيه مواطنون لا اختلافات ولا خلافات بينهم؟
 
هل هناك مجتمع نقي بمعنى أن جميع أفراده هم من نفس البلد منذ الآف السنين؟
هذا البلد غير موجود على أرض الواقع، لأن طبيعة حياة البشر التنقل وعدم الاستقرار منذ بدء التاريخ، البعض يتنقل بحثا عن الرزق في أماكن وبلدان أخرى والاستقرار فيها، والبعض يهرب طلبا للنجاة بحياتهم بسبب فظائع الحروب والاضطهاد، ولا ننسى أثر العوامل الطبيعية كالزلازل والبراكين والجفاف وغيرها.
عبر التاريخ اعتاد الناس التنقل من بلد لآخر، في هجرات جماعية أو فردية.
وبلد مثل اليمن بموقعه الجغرافي المتميز وطبيعته المتنوعه كان محطة لبعض القوافل عبر الزمن، فكما هاجر اليمنيون خارج اليمن، جاء واستقر في اليمن أناس من أماكن مختلفة، والتركيبة السكانية في اليمن متنوعة. اليمن كان ذات يوم جزءا من الإمبراطورية العثمانية وكل إمجبراطورية تجلب رجالها ومواطنيها وتوطنهم في الأراضي التي تحكمها، عدن والحديدة والمخا مدن ساحلية شهدت عبر التاريخ نشاط تجاري دفع بكثير من الجنسيات المتنوعة للاستيطان في البلاد فذابوا بمرور الزمن في المجتمع اليمني وخاصة في المدن الرئيسية.
كما أن الإمبراطورية البريطانية التي احتلت جنوب اليمن والمعروفة بولعها الشديد بتغيير التركيبة السكانية لكل بلد تحتله، جلبت معها الهنود وغيرهم ووطنتهم في اليمن، وكلما عدنا إلى مسافات أبعد في التاريخ سنرى جموع البشر التي تستوطن، ونرى تلك التي تغادر. وسنرى اليمني يخرج مقاتلا في الجيوش في شمال أفريقيا وحتى الأندلس حيث يستقر هناك بعيد عن موطنه الأصلي ويتحول لمواطن في بلد آخر.
هناك ما يقارب 5 مليون اندونيسي من أصول يمنية، وأعداد ليست قليلة في ماليزيا وسنغافورة وجنوب الفلبين رحلوا من اليمن عبر عصور مختلفة لمزاولة التجارة واستقروا هناك، هم مواطنون لتلك الدول رغم أسمائهم العربية الواضحة لكنهم مواطنون لتلك البلدان بحكم العيش هناك لفترات طويلة لا أحد ينادي بطردهم وإعادتهم لليمن بلدهم الأصلي الذي أتوا منه. بل نرى من يحملون أسماء يمنية يتبوأون مناصب قيادية في تلك المجتمعات. وعلى سبيل المثال، حليمة يعقوب التي فازت بالانتخابات الرئاسية في سنغافورة رغم أنها من أصول هندية ومتزوجة بماليزي من أصل يمني، وهذا ما يسمى بالمواطنة في المجتمع المعاصر.
 
وجود الاختلافات والتنوع داخل كل مجتمع هو أحد سنن الكون، لكن الشيء المهم هنا، كيف يتم التعامل مع هذا التنوع والاختلاف والخلاف؟ وهذا ما يميز البلدان المتحضرة المستقرة عن غيرها من البلدان التي يكثر فيها الصراعات والقلاقل. رغم وجود نوع من العنصرية في الدول المتحضرة لكن يتم تطويقه وحصره في أضيق نطاق.
المجتمعات المتحضرة لها دساتير تصون حقوق جميع المواطنين مهما كانت أصولهم وخلفياتهم العرقية والدينية، الكل سواء أمام القانون، الكل لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، لا أحد فوق القانون.
 
عندما نلقي نظرة على دولة متحضرة نلاحظ الانسجام الاجتماعي، والاهتمام بالجميع وتوطين المهاجرين، والاعتراف بتنوع المواطنين الثقافي والعرقي وحتى الديني، والمسارعة في إيجاد حلول لدعم الشباب واستيعابهم ودمجهم في التخطيط لمستقبل البلاد ليشعروا بالثقة بالمستقبل ومستقبلهم في بلادهم، فالفقر والبطالة وانعدام العدالة كلها تؤدي، بكل تأكيد، للتشرذم والحقد المجتمعي.
 
ما يعيب مجتمعاتنا العربية هو المبالغة في تقدير الانتماء الاجتماعي الذي يرثه المرء. والمؤسف في الأمر أن المثقف اليمني لا يستطيع التحرر من هذه الثقافة المنغلقة، فينطلق من عقد ورثها ورضعها في طفولته، عقد انتقلت عبر الحكايات من الماضي المليء بالصراعات.. هذا المثقف لم ينجح تعليمه وثقافته في إكسابه عقلية علمية تتساءل وتحلل وتنقد مشاكل المجتمع اليمني نقدا بنّاءً ليساهم في البحث عن حلول لها.
المثقف اليمني يساهم في استمرار ثقافة الماضي بكل ما فيها من عيوب وأخطاء، فهو يعيش الحاضر بجسده، لكن عقله وفكره أسيران هناك في دهاليز الماضي، يجتر حكايات التاريخ المؤلمة وصراعات الماضي البغيضة وتسيطر عليه أفكار الثأر والانتقام.. في مجتمعنا وهو مجتمع تقليدي تجاوزه الزمن، يوجد صراع بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، عكس المجتمعات الحديثة التي يطور فيها الإنسان المعاصر مسارات للجمع بين المصلحتين، فالكل يفوز.
 
في تلك المجتمعات يخدم الناس مصالحهم الشخصية وهم في الوقت نفسه يساهمون في تطوير مجتمعاتهم وتقديم الخدمات للآخرين بغض النظر هل ينتمون لنفس العرق أم ينتمون لعرق آخر، وهم بذلك يساهمون في تطوير اقتصاد بلدهم وتقوية النسيج الاجتماعي فيه، ويعلمون أنهم يقدمون خدمة للبلد الذي سيتربى على ترابه أبناؤهم وأحفادهم بأمان.
مجتمعنا يقوم على التعصب للقبيلة، وللنسب والعرق، والدين، حتى بين المتعلمين ونخب المجتمع، في المجتمعات الحديثة يميل الناس للتآلف مع الآخرين، يعيشون ضمن نظام مرن قابل للتعديل والتطوير، نظام تعلم من دروس التاريخ وتخلى عن الكثير من العصبيات التي لا تتناسب مع إيقاع الحياة المعاصرة، لكننا نعيش في نظام جامد ومنغلق، ولا يعترف بتغير الزمان.
وبالعودة للتساؤلات في بداية المقال عن حقيقة التعصب في مجتمعنا.. سنبدأ من مفهوم التصنيف، التصنيف هو عملية تمييز الأشياء إلى مجموعات بحيث كل مجموعة يكون بينها وحدات مشتركة من الصفات أو الخواص.
والتصنيف العرقي هو نظام يستخدم لتصنيف البشر إلى جماعات مختلفة حسب الخصائص الظاهرية، والأصول الجغرافية. الغريب أن التصنيف العرقي يقودنا للعنصرية ال Racism، حيث يكون هناك جماعة تظن أنها أفضل من غيرها وتبيح لنفسها ما تحرمه على الآخرين.
 
والسؤال هو: لماذا تنشأ الصراعات العرقية في أي مجتمع؟
جاء في كتاب لإيان لوو الذي يحمل عنوان “العنصرية والتعصب العرقي من التمييز إلى الإبادة الجماعية” أن “العامل السياسي هو السبب الأول، فالنظام السياسي الذي لا يتصف بالعدل يكون سبب لتفجر موجات الكراهية والعنصرية والتنازع للسيطرة على الموارد الاقتصادية، وكذلك التنازع حول فرص التعليم والتوظيف الحكومي، وقد ينشأ الصراع بحثا عن العدالة في تحديد الموارد ، وينتج عن عدم العدالة إحياء لتلك المزاعم القديمة وخلق مزاعم جديدة”.
 
وفي العادة “تتعايش مجموعات عديدة مختلفة ثقافيا وإثنيا بشكل سلمي بينها، ولكن عند نقطة بعينها يتفجر الصراع، إما بسبب الإهانة أو بسبب التهديدات التي تمس المصالح الحيوية للجماعة”.
باختصار، نجد أن هناك محاولات مستميتة للعب على وتر العداء الطائفي ونبش التعصب العرقي والمناطقي في اليمن في الوقت الحالي، رغم أنه لاخلاف سني شيعي حقيقي في بلادنا، نستطيع إدراك ذلك بسهولة من تواجد الناس وتعايشهم في مدينة مثل صنعاء جنبا إلى جنب. وبالتالي لا صراع طائفي في اليمن، ولا عرقي ولكن ما يحدث هو صراع سياسي. أطراف هذا الصراع يلجأون لاستخدام أوراق الاختلاف المذهبي والعرقي، رغم أن هذا يؤدي لتمزق النسيج الاجتماعي، لكن أطراف الصراع وفي سبيل تحقيق أهدافهم لا يبالون بتفتيت البلد وتمزيق نسيجه الاجتماعي.
 
يصبح الخطر أكبر عندما ينقسم الناس فيؤيد البعض طرفا ويؤيد البعض الآخر الطرف الآخر، هنا يكون الخطر الحقيقي الذي يمزق اللحمة داخل البلد الواحد، ويحدث تهتك كبير بالنسيج الاجتماعي.
 
ما يحدث هو فعلا لعب بالنار، قوى سياسية تستخدم الورقة المذهبية والمناطقية لحشد الناس وضمان تأييدهم، وهي طرق تستدعي كل الخلافات التاريخية التي عفى عليها الزمن. خلافات مرت بها كثير من الشعوب وتجاوزتها، لكن لدينا من يصر على إثارة النعرات والبحث عن مبرر ديني لحربه ضد الطرف الآخر، حتى وصل الأمر لبعث السلالية والمناطقية والتي كادت تختفي بمرور الوقت وانتشار مساحة التعليم والوعي بين الناس، وبدلا من أن تصبح جزءا من تاريخ مضى ها هي تجد أياد عابثة تنفخ فيها الحياة مما يعزز من انتشار الكراهية باستدعاء كل الحزازات والأحقاد القديمة، والمخيف أن الأثر سيبقى لسنوات طويلة في النفوس لو استمر هذا الحشد البغيض.
 
هناك من يتعامل باستخفاف ساذج بالعقول، وينشر بين الناس محدودي الاطلاع أكاذيب كأنها حقائق، وينسى أن معالجة أخطاء التاريخ والماضي لا تتم بتدمير الحاضر ونسف المستقبل، فهذا انتقام من الجميع، كيف يتم الانتقام من شخوص الماضي في الحاضر. الانتقام الصحيح من كل مخلفات الماضي تتم بنشر العلم وقيم التسامح حتى لايبقى مجتمعنا أسير لذات الممارسات، ولنفس الطغاة الذين لا يقيمون وزنا لتطلعات المواطن اليمني للعيش بكرامة وأمن على أرضه.
 
الصراع والاختلاف طبيعي لأن الله خلق الناس باختلافاتهم، يقول الله سبحانه وتعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين).
وهذه طبيعة الحياة، لكن كيف سنواجه هذا الاختلاف، وهذا الصراع؟
مستقبل البلاد يتوقف على هذا، كيف سنتعامل مع كل هذه الصراعات. هل سنعي أنه صراع سياسي يحاول جر الجميع للهاوية، فهل سنهوي باختيارنا؟ أم نستطيع أن نتخذ الخطوات التي تمنع المزيد من التدهور؟
كيف سنخفف من آثار هذا الصراع؟ هل نملك الشجاعة والقدرة على التعايش مع بعضنا رغم اختلافنا، واختلافاتنا؟
 
هل نستطيع أن نعتبر هذه الاختلافات تنوعا إيجابيا يثري حياتنا ونقبل ببعضنا ونتفق على قوانين وقواعد تنظم حياتنا وتضمن الحيلولة دون المزيد من الانحدار؟
نعم نحن بحاجة لأن نتغير، لأن نخرج من دوامة الماضي، لنقتنع أن الماضي حدث، ونحن نعترف به بكل ما فيه، لكن ما فيه بكل أحداثه هو قصص للعبرة ولتعلم الدروس وليس لشحن العواطف والإصرار على العيش في الماضي. فالهدف من دراسة التاريخ ينبغي أن يكون منع حدوث نفس أخطاء الماضي من جديد، ومنع وقوع الظلم على أي مكون من مكونات الجتمع اليمني تحت أي مبرر، فلا نصلح الأخطاء بالوقوع في أخطاء أكبر.
فهل نملك الخيار، خيار أن ننزلق للصراع الطائفي لتحقيق أطماع أهل السياسة، أو ترميم ما يمكن ترميمه لنعيش حياة كريمة؟
(مقال نشر على صفحات نسيج)
 

قراءة لرواية يوتوبيا لأحمد خالد توفيق

 


الرواية تدور أحداثها عام 2023 وبالتالي هي خيالية ...لكن ذلك النوع من الخيال المفزع...
مصر انقسمت إلى طبقتين ...
طبقة للأغنياء الذين يملكون كل شيء...
وكل الخدمات متوفره في مدينتهم يوتوبيا التي تقع في الساحل الشمالي للبلاد...
الطبقة الثانية وهم غالبية الشعب المصري يقع خارج أسوار هذه المدينة ...حيث الفقر والجوع ولا وجود لأي نوع من أنواع الخدمات الحكومية ...
كل الخدمات توقفت عن ذلك الجزء من البلاد ...حيث الأمراض والعفن وكل ما هو سلبي...
 
الرواية تدور حول شاب يوتوبي يشعر بالملل ويفكر في الخروج من يوتوبيا لاختطاف أحد الأغيار وهو اسم البشر خارج أسوار يوتوبيا ليتسلى بتعذيبه مع اصدقائه ثم يقتله ويحتفظ بقطعة من جسده كتذكار يفتخر به أمام الآخرين...
يعلق مع صديقته التي تسللت معه إلى خارج مدينتهم المرفهه فيخوضا مغامرة مرعبة ...
هناك نوع من الشبه...ليس كبير...بين الرواية ورواية لعبة الجوع او مباريات الجوع التي تحولت لفيلم سينمائي...
 
هذا النوع من روايات الديستوبيا...أو روايات المدينة الفاسدة المرعبة ...عالم الواقع المرير المرعب...
في رواية يوتوبيا وكذلك مباريات الجوع الفكرة نفسها ... الأغنياء يقتلون الملل بقتل الفقراء المطحونين بعد الاستمتاع بتعذيبهم...
الفكرة سادية ومخيفة...
وفي ملامح المدينة التعيسة التي يعيش فيها الأغيار هناك شبه بكثير من الشوارع التي تعيش الاهمال في الواقع ...فقر ومخدرات ومجاري تلوث الشارع ...
 
احزنني مصير المثقف الفقير العاشق للكتب والذي رغم كل ظروفه التعيسة التي يعيشها لكنه يكره الدماء ويكره الانتقام ويقدم المساعدة لليوتوبي وصديقته وينقذهم من الموت ...
لم يقتلهم...كان صادق معهم لكنهم بمنتهى الغدر واللؤم قتلوه...بعد أن أوصلهم لبر الأمان...
تصوير مدهش للمشاعر والعواطف ...تصوير صادم ...
خاصة ونحن نرى العالم يخطو فعلا إلى عزل الأغنياء عن الفقراء بأسوار يستحيل تسلقها ...