أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (2)

 عرفت احدى الأمهات الحريصات جدا على الصلاة ...لدرجة أن لديها طقوس معينة للصلاة ...
فللوضوء لبس خاص تذهب به إلى الحمام بعد لبس (شبشب) معين - لا يجروء أحد على استخدامه حتى لا يتنجس حسب رايها - وبعد اتمام الضوء الذي يستغرق وقتا طويلا تخرج وبيدها منديل خاص لتمسك به مقبض الباب حتى لا يفسد الوضوء ...
فوق سجادة الصلاة تلبس ملابس الصلاة البيضاء اللون وتشرع في الصلاة ...
 هي حريصة كل الحرص على أن تكون فوق السجادة قبل الأذان حتى تصلي الصلاة في وقتها ويكون لديها الوقت الكافي للبس والوضوء والاستعداد للصلاة ...
في تلك الأثناء تتفرغ تماما للصلاة فلا يحق لأحد مقاطعتها أو مناداتها فهي في خلوة خاصة برب العالمين ...
عند الانتهاء من الصلاة المفروضة تبقى على السجادة للتسبيح وتادية الأذكار الخاصة لما بعد الصلاة وبعدها تأدية نوافل الصلاة ...

الغريب في أمر هذه الانسانة المهتمة بتفاصيل الصلاة أنها بعد الصلاة انسانة مختلفة ...فهي نزقة كثيرة الصراخ والصياح ..جافة الطباع باردة المشاعر ...تشكو منها زوجة أبنها مر الشكوى من سوء معاملتها وقسوتها الدائمة ...

هنا يبرز نفس السؤال : كيف ان هذه الصلاة وكل هذا الحرص على الصلاة وطقوسها لا يترك أثر على السلوك؟ 
لا يهذب الطباع؟

أي صلاة هي هذه؟ 

هذا النوع من الناس يرى أن  الصلاة لا علاقة لها بعلاقته مع الآخرين ...
الصلاة هي فريضة وشعيرة دينية هو بكل تأكيد مؤمن بوجوب تأديتها ...
ومؤمن بأهميتها ...
ومؤمن بأنها تقربه من الخالق وتنجيه من عذاب النار وتكون شفيعة له يوم القيامة وسينجو بها من العقاب وينال رضا الله ...
بمعنى أنها وسيلة للخلاص الفردي ...
وسيلة للتقرب من الله والنجاة من النار ...
لكن هذه العبادة تنتهي علاقته بها بمجرد التسليم والخروج من الصلاة ...
خارج الصلاة هو في حل من امره ...
يتصرف بأي طريقة لا مشكلة هناك ...
بل أن زوجة الأبن تلك تؤكد أن حماتها قد تواصل التسبيح والغمغمه بالاستغفار بعد القيام بتقريعها لسبب ما ...

هذا النوع من المصلين يفصلون بشكل كامل بين الصلاة والهدف من الصلاة ...فصلاتهم لا تنهى عن الفحشاء و المنكر ....
أو أن هناك خلل في تعريف الفحشاء والمنكر بأذهانهم ...
فسوء التعامل والقسوة والغيبة والنميمة والكيد والسخرية لايرونها منكر ...
لكن ماهو المنكر ؟
 ماهي الفحشاء؟

 قال ابن العربي رحمه الله :
" قِيلَ : الْفَحْشَاءُ الْمَعَاصِي ، وَهُوَ أَقَلُّ الدَّرَجَاتِ ، فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْمَعَاصِي وَلَمْ تَتَمَرَّنْ جَوَارِحُهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، حَتَّى يَأْنَسَ بِالصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا أُنْسًا يَبْعُدُ بِهِ عَنْ اقْتِرَافِ الْخَطَايَا ، وَإِلَّا فَهِيَ قَاصِرَةٌ .
والْمُنْكَرُ : هُوَ كُلُّ مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ وَغَيْرُهُ، وَنَهَى عَنْهُ " انتهى .
"أحكام القرآن" (3 / 439-440). 


وقال السعدي رحمه الله :
" وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أن العبد المقيم لها ، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها ، يستنير قلبه ، ويتطهر فؤاده ، ويزداد إيمانه ، وتقوى رغبته في الخير ، وتقل أو تعدم رغبته في الشر ، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 632) 


 فتعبير أن الصلاة تنهى يفيد أن الصلاة كالواعظ الذي ينهى الشخص عن فعل شيء ما ...وتوزيع الصلاة على أوقات مختلفة في اليوم يعطي الإنسان الفرصة لتتجدد في نفسه الموعظة والتذكير فتتحسن أخلاقه وتتهذب طباعه...
هذا الأصل في الصلاة ومايجب أن يكون عليه من يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها ...


 ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (1):
http://ahlamyemenia.blogspot.ae/2016/11/blog-post_35.html 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل