بقرة الليل

يستخدم الأهل بعض الأساليب الخاطئة عند التعامل مع أطفالهم بقصد السيطرة عليهم والتحكم فيهم بشكل أسهل ، ولكن دون تقدير للعواقب الوخيمة لما يقومون به.

ومن هذه الأساليب التهديد والتخويف . الخوف والرعب يشل تفكير الطفل ويعيقه بشكل كلي ، ويستمر هذا الخوف في العقل اللاواعي للطفل لسنوات طويلة وقد لا يفارقه أبدا. وتصيب الطفل مشكلات نفسية مثل الخوف الشديد غير المبرر ، والاكتئاب ، وظهور بعض السلوكيات مثل مص الأصابع وقضم الأظافر والتبول اللاإرادي…

هناك العديد من القصص الواقعية لضحايا التربية الخاطئة ، فهل فكرت الأم أو من يلجأ لتهديد طفلا بريئا بـ معوض الصابرين ورازق المقلين أو أم الصبيان أو غير ذلك من أنواع الجن والعفاريت ، بالأثر المدمر الذي تتركه تلك الكلمات على نفسية الطفل ؟؟

في إحدى المرات ونحن نناقش أثر التخويف على نفسية الأطفال – أنا وصديقة لي - حدثتني صديقتي عن حادثه تعرضت لها في طفولتها، تركت آثار نفسية سيئة عليها لفترة طويلة من الزمن.

فبدأت حديثها قائلة:

ـــ لا أتذكر تماما عمري في ذلك الوقت ، أعتدت مع ابنة عمتي كريمة التي كانت تكبرني قليلا أن نلعب بشكل دائم ، فمنزلهم ملاصق لمنزلنا وكنا نلتقي بشكل دائم…كنت أسكن مع والدي ووالدتي وجدي وجدتي وعمي وزوجته وإحدى عماتي التي لم تتزوج بعد في البيت نفسه…. واعتادت نساء العائلة مع بعض الجارات أن تلتقي في منزلنا في فترة العصر بشكل يومي تقريبا. كان أطفال العائلة يلعبون خارج المنزل، ولكنني مع ابنة عمي كنا نلعب داخل البيت لصغر سننا.

في أحد الأيام ونحن نلعب ونلهو في الركن الأسفل للحجرة التي تجتمع فيها نساء العائلة نهرتنا زوجة عمي لأننا نسبب الإزعاج…واصلنا اللعب بصوت منخفض ولكن بعد فترة بدأنا نتقافز ونضحك …فيتعالى صوت آخر ناهرا مهددا بأن نلعب دون صوت وإلا سيتم إخراجنا للشارع لتأكلنا بقرة الليل ، تلك البقرة التي تأكل الأطفال الذين لا يسمعون كلام الأهل….وهكذا نعود للعب بصوت منخفض لفترة محددة ، ولكننا تشاجرنا فارتفع صوتينا عاليا ، فقامت عمتي الصغرى - التي كانت تعبر دائما عن ضيقها من الأطفال وضجيجهم - بسحبنا خارج المنزل وهي تتوعد وتهدد بأننا نستحق أن ينزل بنا أقسى أنواع العقاب وهو أن تأكلنا بقرة الليل التي كانت دائما تروي لنا حكايات مفزعة عن الطريقة التي تأكل بها الأطفال الأشقياء وغير المهذبين ….لم تفلح توسلاتنا أن تثنيها عن إخراجنا من البيت ، حتى وساطة جدتي وطلبها أن نمنح فرصة أخرى أيضا باءت بالفشل أمام إصرار العمة الحازمة التي أخرجتنا وأغلقت الباب في وجهينا.

في الخارج كان يسود الهدوء والوقت قبل غروب الشمس ، بدأت أنا وابنة عمتي نتلفت يمنة ويسرة بتوجس فسألتها بصوت هامس:

- هل ستأكلنا بقرة الليل؟ ، واقتربت منها بشكل أكبر وأمسكت كلا منا بيدي الأخرى لتشعر بالأمان، أجابتني بصوت خافت :

- أي بقرة ليل . هل صدقتي ؟ إنها تحاول إخافتنا فقط ..لا توجد بقرة تأكل الأطفال.

لم أشعر بالاطمئنان ولكنني حاولت أن أطرد فكرة تلك البقرة المخيفة من ذهني بمحاولة الحديث مع ابنة عمتي التي كانت علامات الخوف تطل من عينيها…

من طرف الشارع ظهرت بقرة …لم تكن بقرة الليل …إنها بقرة احد الجيران اعتادت أن تعود لحظيرتها في ذلك الوقت من كل يوم….. 





تجمدت الدماء في عروقي وبدأت كلا منا بالصراخ بشكل هستيري ولم تقوى أرجلنا على حملنا للوقوف لدق الباب… بل إن أكفنا المرتعشة لم تسعفنا للدق على باب المنزل، لن أنسى ذلك الرعب والهلع الشديد الذي أصابني لدرجة أنه أغمي علي من هول الصدمة التي أصابتني….فالوقت الذي مر قبل أن يُفتح الباب لإدخالنا بدأ كأن لا نهاية له…..

لم تفلح المحاولات بعد تلك الحادثة لإقناعي بعدم وجود بقرة لليل…وأن تلك البقرة التي رأيتها هي بقرة جارنا المسالمة والتي لا تأكل الأطفال…..لازمني رعب وخوف دائمين لفترة طويلة ، وباءت محاولاتي للتغلب عليهما بالفشل…

وبالرغم من الابتسامة التي بدت على وجه صديقتي وهي تنتهي من سرد قصتها مع بقرة الليل إلا أنه خطر على بالي تساؤل: هل استطاعت أن تتغلب على ذلك الخوف؟؟؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل