قراءة لرواية المنبوذون ل رياض معطاس

 


هناك من الروايات من تحفر في الأعماق...تحتل أماكن يصعب ازاحتها منها ...
اتذكر قبل مدة قرأت رواية بعنوان: "لا تخبري ماما"، شعرت بالفزع... بالصدمة من قسوة ما اقرأ ...وبقت تلك الرواية لفترة من الزمن تؤرقني...احتجت بعض الوقت لأتخلص من تأثيرها ...
 
الواقع البشع المرعب يصعب تصوره ...
ورواية المنبوذون من هذا النوع ...واقع قاس...شديد القسوة والصعوبة ...
الرواية تقع في 175 صفحة يمكن قراءتها دون انقطاع ...هكذا حدث معي لم اتركها حتى انتهيت من آخر صفحة...وأنا أتجرع المرارة مع كل صفحة من صفحاتها...
سواء كانت الاحداث والشخصيات حقيقية أو تخيلية فهي تحكي عن واقع يصعب تصوره ...
نتحاشى التفكير به ..ونرفض تصديق وجوده بهذه التفاصيل ...
شدتني أحداث الرواية وشخصياتها ... التي رأيتها أمامي تمتلئ حياة ...لكنها حياة لا تشبه حياتنا ...
 
بطلة الرواية زهرة وزوجها سالم من فئة الأخدام...الفئة التي تعيش على حافة المجتمع بلا حقوق ...
ولأن عبارة الأخدام لا تليق قيل لنسميهم فئة المهمشين...التسمية الجديدة لم تغير شيء في واقعهم البائس وأصبح لهم اسم جديد ...أحفاد بلال لكن فكرة المساواة في المجتمع المسلم يبدو لا تزال مجرد فكرة كما يبدو لنا بوضوح ...
الكاتب برع في رسم الشخصيات وتحريك الأحداث ووصف الأماكن ووجدتني هناك اتابع بدهشة...
 
لربما تساءلت هل يعقل هذا؟
ألا يبالغ الكاتب ؟
واذهب بخيالي حتى أجد ما ينفي حدث ما ...لكنني أعود بلا خفين بالمره...
احيي الكاتب على شجاعته ...أن تكون شخصيات الرواية من الأخدام هي شجاعة كبيرة في رأيي ...
 
الرواية مفزعة ...
 تفضح الكثير من ادعاءاتنا...
اتمنى أن تجد الرواية طريقها للنشر والتوزيع خارج اليمن فهي تستحق ذلك.

قراءة لرواية الطاعون لالبير كامو

 


الرواية عن مرض الطاعون الذي أصاب مدينة وهران في اربعينيات القرن الماضي..
تبدأ الرواية بملاحظة موت الفئران وهي العلامة الأولى لانتشار المرض...
في البداية لا أحد يهتم بذلك رغم تزايد عدد الفئران المصابة...
يصف الكاتب ماتعانيه الفئران من اختناقات ومعاناة قبل أن تموت...
يعرف الأطباء انه الطاعون لكن السلطات تتردد في الاعلان عن ذلك ...
عندما تزداد الاصابات بين الناس تتخذ خطوات الحجر الصحي أخيرا بعزل المدينة ومنع الدخول إليها أو الخروج منها ...
 
يصف الكاتب الاصابات عبر الطبيب ريو الذي يتابع الحالات ...
يصف اعراض المرض وهي الاعراض نفسها التي أصابت الفئران..
 
في الرواية كل الشخصيات أوروبية لا وجود للعنصر العربي هي مدينة يسكنها الاوربيون ...يصفها بالقبح والبشاعة والقذارة...
هناك نقاش فلسفي وديني حول الله والمرض والموت ...
ودور الدين في تقبل الكارثة ...
العجيب أن تنتشر بين الناس كما يذكر المؤلف حكايات عن تنبؤات بالمرض من كتب قديمة تنبأت بالكارثة وتنتشر هذه الكتب ويعاد طباعتها جميعها تتحدث عن نبؤات قائمة على حسابات رقمية عجيبة ...
تشبه إلى حد كبير الكتب والافلام التي ظهرت في أيامنا هذه تتحدث عن فيروس كورونا...
تنتهي الرواية بانتهاء المرض وأثر المرض على حياة الناس ...
 

 

قرآءة لرواية: مسرى الغرانيق في مدن العقيق لأميمة الخميس

 

عنوان الرواية غريب ...نعم
هو لا يشبه عناوين الروايات ففيه سجع ومفردات غريبة ...
لكن عندما تشرع بقراءة الرواية ستعرف السبب.. 
 
الرواية تحكي رحلة لمزيد الحنفي تاجر الكتب من بلدة عين التمر إلى بغداد ومنها إلى القدس ليغادرها إلى القاهرة ومنها إلى قرطبة ...
تلك الرحلة في القرن الرابع الهجري ...في ذلك الزمن كانت عناوين الكتب تكتب بهذه الطريقة ...
 
فالرواية تدعو القارئ لدخول ذلك الزمن ابتداء من غلاف الرواية...
في تلك المرحلة الزمنية من التاريخ نضج المشروع الفلسفي لدار الحكمة في بغداد...
كما بدأت فيه محاولات الفقهاء لهدم ذلك المشروع...
بطل الرواية "مزيد الحنفي" يترك دياره في الصحراء قاصدًا بغداد باحثا عن أجوبة لأسئلته الوجودية. 
 
 
وفي بغداد يصبح عضوا في جماعة سرية تسمى الغرانيق...
كل فرد فيها هو من السراة...
الرواية تأخذنا لنعرف أهم ملامح تلك الفترة الزمنية ...فترة الاضطرابات والفتن ...
قتال وشجار يومي في بغداد بين الحنابلة والمعتزلة...الخليفة العباسي ضعيف لا حول له ولا قوة ...
فينجو بطل الرواية بحياته ويذهب إلى القدس ليجد الفتنة هناك ...كنيسة القيامة امر الخليفة الفاطمي أن يصبح سماها أرضها وطولها عرضها فدمرت وأحرقت...والفتنة تطل على أبواب المدينة ...
 
القاهرة في زمن الخليفة الذي يمنع الملوخية ومن تخرج من النساء للشارع تتعرض للعقاب والكثير من الأمور المخالفة للعقل ...
 
قرطبة مدينة ودعت العقل والعلم في زمن خليفة يلاحق أهل الكتب والعلم ...
لغة الرواية جميلة دون تكلف ...لغة استمتعت بها وبروعة تعبيراتها ...
عدد صفحات الرواية 559 لكنني فوجئت بنهايتها...
 


 

قراءة لرواية : الديوان الاسبرطي للكاتب الجزائري: عبد الوهاب عيساوي

 


رواية تاريخية جميلة ...جمالها وسحرها يكمن في الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث...تثير تساؤل حول الفرق بين الاحتلال باسم الحماية والدين او باسم الحرية والتنوير ؟
حمل كل من العثمانيين والفرنسيين شعارات زائفة وكاذبة ...كل منهما اذاق الناس الذل والعبودية والاضطهاد وتسخير كل ما في البلد لمصلحة المحتل...
 
" ميالون إلى الاسترخاء، لا يعملون إلا والسوط فوق ظهورهم، اعتقدت دائما ان الشعوب الإفريقية والعربية لا يمكنها تحقيق مصالحها الا بالفرد الأوروبي، لا يستطيعون تنظيم حياتهم ، يجب دائما أن يكون هناك سيد ينوب عنهم ، يسير لهم حياتهم ، وهم ليس عليهم فعل شيء سوى الجد في العمل، ولكنهم بالرغم من كل هذا يجدهم أميل إلى الكسل، قانعين بحياة لا تختلف كثيرا عن حياة حيواناتهم"
 
لغة الكاتب تشد القارئ من الصفحة الأولى للرواية...الفترة الزمنية التي اختارها لاحداث الرواية ..رأيت نفسي هناك ..نجح الكاتب أن يضعني هناك ...
شعرت بالقهر والمرارة والحزن على ابن ميار ودوجة ...فهمت دوافع الموقف الصادم للغازي كافيار المتعصب..
 
تظل الرواية التاريخية هي الأروع...فهي تنقل لنا الألم المخزن عبر السنين...تنفض الغبار وتفتح أبواب الزمن المغلقة لتصفعنا الآهات والغصات لشخصيات طواها الزمن وواراها الثرى... شخصيات عاشت القهر والحرمان...فنحس بطعم الألم المعتق... نعقد المقارنة بين وضع الإنسان في تلك البلاد التي حكمها الوالي العثماني المسلم والذي احتقر صاحب الأرض وتعالى عليه...وزاده الصبر طغيانا واستبدادا ، وبين المحتل الفرنسي الذي قال أنه يحمل مشاعل الحرية والتنوير لكنه جاء مغرورا متعاليا ينهب الأرض ويقتل الإنسان ويسرق حتى عظام الموتى...
 
برع الكاتب كثيرا في نقل كل هذا ...
وددت لو ان صفحات الرواية لا تنتهي...اردت ان اعرف ماذا بعد!!
 
ارتبطت عاطفيا بشخصيات الرواية...دوجة المنتهكة كأنها تمثل البلد المغتصب الذي لا حقوق لأهله...
 
يصدمنا وقوف الناس ضد مصالحهم...
ضد من يدافع عن حقوقهم...
ونتعجب من ثقة العربي بعدالة الهيئات والحكومات الأوروبية التي تكمن مصلحتها في اذلاله واستغلاله...
يواجهنا الإيمان بالقدر والاستسلام دون عمل شيء لتغيير الواقع وتطوير الحياة وعدم الاعتراف بتغيرات الزمن والحياة...
نتوقف عند فكرة استخدام الغازي الأوروبي للعلم للتعرف على البلد وعادات اهله قبل غزوه لها ...
 
المدهش ان كثير من أحوال العرب لا تزال كما كانت لم تتغير ...فالفجوة الكبيرة بين العرب والغرب في العلم والمعرفة وأساليب التفكير لاتزال حتى يومنا ...
وصلت الرواية القائمة القصيرة لجائزة البوكر وهي تستحق ذلك ...
 
بعد قراءة روايات القائمة القصيرة جميعها شعرت بأن رواية " الديوان الاسبرطي"هي التي ستفوز بالبوكر وصدق توقعي...
 

 

قراءة لرواية: موت صغير لمحمد حسن علوان

 


العنوان بدا لي للوهلة الأولى عن موت شخص يدعى صغير ...لكن داخل الرواية وجدت عبارة مشهورة لأبن عربي: الحب موت صغير ..
فالعنوان إذا مستوحى من هذه العبارة ...
 
الرواية طويلة لكن الكاتب نجح إلى حد كبير بجذب اهتمامي حتى آخر صفحة ...
الرواية تسرد قصة حياة محي الدين ابن عربي ، فازت الرواية بجائزة البوكر لأفضل رواية عربية للعام 2017.
السرد جميل، ولغة الرواية سهلة، لغة تراثية ممتعة تناسب الفترة التاريخية التي عاش بها ابن عربي 1164 حتى 1240.
 
الكاتب لم يرهق القارئ بالمصطلحات والمفاهيم الصوفية، واختار أن تكون الرواية عن ابن عربي الإنسان...تفاصيل طفولته، علاقاته الأسرية، صداقاته، وحياته العاطفية...
افراحه، احزانه، آماله...ابن عربي الإنسان الذي يخاف ويحلم ويتألم ويخطئ، بعيدا عن التقديس أو التبخيس ...
 
فالرواية لاتسرد الكثير عن التصوف والسيرة الروحية لابن عربي...
نجد الصراعات في ذلك التاريخ بين الموحدين والمرابطين..صراع الأيوبيين والعباسيين، والسلاجقة، كثيرة هي الحروب والفتن والصراعات التي يعيش القارئ آثارها على حياة الناس ...
فاطمة التي ربته طلبت منه أن يطهر قلبه...فنعيش تلك المراحل المتعددة لتطهير القلب ...
يتنقل كثيرا بين البلاد وهو يبحث عن الأوتاد...والوتد هو أحد مراتب الصوفية للدلالة على رتبة في الارتقاء الروحي الايماني، لا يشرح المؤلف ما دور الوتد في حياة الصوفي...هل هو وتد يثبت به الله قلب من يطهر قلبه ويبدأ برحلة البحث عن الله ويترك ذلك للقارئ ليفهم ما يشاء...
ونفهم أن هناك أربعة من الاوتاد وعلى ابن عربي أن يقابلهم في أماكن مختلفة...وعندما يراهم سيعرفهم، قلبه سيدله عليهم...
ربما من يعرف عن التصوف تكون هذه الاشارات مفهومة له، لكنني لا أعرف الكثير عن التصوف ...
 
الكتاب يعطينا الفرصة للتعرف على كتب ابن عربي :
كتاب الفتح المكي ، وديوان ترجمان الأشواق، وكتاب ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق، وكتاب روح القدس في محاسبة النفس ، وكتاب باب في معرفة الفتوة والفتيان ومنازلهم وطبقاتهم وأسرار أقطابهم.
تبدأ الرواية بطفولة ابن عربي وشوقه للسفر ونتعرف على تفاصيل حياته اليوميه وهذا دليل على سعة خيال الكاتب...
ونعرف شيوخه، وطبيعة البلاد والسياسة وانعكاسها على حياة الناس...
نسير معه في رحلاته وتنقلاته من مرسيه التي عاش فيها أيام الحصار والخوف ، وانتقاله إلى اشبيلية، والرحيل هربا إلى قرطبة، ومنها إلى بلاد المغرب ومصر ومكة وبغداد وحلب وملطية ودمشق ...مع تفاصيل ما حدث له في كل مدينة من مجالسة للعلماء والشيوخ وأهل الحكم والبحث عن الاوتاد...
زواجه وموت ابنته زينب الذي سبب له صدمة قوية ...
 
من الأشياء الجميلة أن الرواية بها خطين زمنيين:
الخط الأول الذي يسرد تفاصيل حياة ابن عربي في مراحل حياته المختلفة بالتسلسل الزمني ..
والخط الثاني يحكي تاريخ انتقال مخطوطة تقص سيرة ابن عربي من أذربيجان عام 1212 وتنتهي في بيروت عام 2012 ...
نجح الكاتب ببراعة بنقل القارئ لذلك الزمن بثقافته ولغته واحداثه وهمومه، ونجح إلى حد كبير في رأيي برسم العلامات الثقافية والمعرفية والتاريخية لعصر ابن عربي ..بتعدد المدن واختلافات السياسة مما يدفع القارئ للمقارنة بين تلك الأحداث وربطها بما يحدث اليوم من خلافات سياسية واحداث كبيرة تمر بها المنطقة.
 
رغم عدد صفحات الرواية الكبير إلا انني لم اشعر بالملل، بل تابعت القراءة بشغف حتى الصفحة الاخيرة يدفعني الفضول لمعرفة ماسيحدث، الرواية بها أقوال كثيرة لابن عربي اظن ان الكاتب أجاد اختيارها ببراعة شديدة، فجاءت في أماكنها الصحيحة...شعرت ان الكاتب نجح في إخراج ابن عربي من صفحات التراث إلى الواقع الإنساني...أي خيال يملكه الكاتب ليكتب عن ابن عربي بهذه البراعة!!
 
شد انتباهي صوت السارد...الراوي الذي يتحدث عن موته أو بعد موته ، فهل هذا لجعل الرواية أكثر واقعية لتناسب لغتها شخصية ابن عربي؟
أم اراد الكاتب أن يجعل القارئ يشعر أن سرد حياة الشيخ ابن عربي يختلف عن غيره من الناس!
 
" منذ أن اوجدني الله في مرسية حتى توفاني في دمشق وأنا في سفر لا ينقطع..." 
 
وما يلفت الانتباة أيضا حضور المرأة في الرواية ، وفي حياة ابن عربي ...
الرواية تستحق القراءة...
وفي بعض الصفحات كنت اجد اراء غريبة على لسان ابن عربي، لكن لا ننسى أنه جاء في عصر مختلف ...ونحن في عصر يقبل ويتفهم الاراء المخالفة...
(نشرت بمجلة مدارات الحروف - العدد الثاني)
 


 

الرواية التاريخية والطريق إلى التصالح مع الذات

 


الرواية التي تستند لأحداث تاريخية قد تدفعنا لإعادة التفكير في تاريخنا وربما تكون سببًا لحدوث نوع من التصالح مع تاريخنا وشخوصه.

نلتقي عادة مرة في الشهر لمناقشة إحدى الروايات مع مجموعة للقراءة. من الروايات التي نهتم بمناقشتها على سبيل المثال تلك التي تصل لقوائم الجوائز العربية. ومن تلك المرات كان نقاش رواية “آخر أيام الباشا”، الرواية التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر للعام 2020 للمؤلفة رشا عدلي.

الرواية تتحدث عن شخصية الباشا محمد علي بشكل إيجابي. تقول المؤلفة التي التقينا بها عبر منصة زوم الإلكترونية: “كتب التاريخ في المدرسة تذكر الباشا بشكل سلبي وتكيل له مجموعة من التهم، فتنتج جيلًا يشعر بالنفور من هذه الشخصية التاريخية فتصوره بأنه غير عربي يكره الناس ويحتقرهم وأنه تعامل مع الناس بقسوة وفرض قوانين قاسية وتتناسى كل إيجابياته ومحاولته للنهوض بالبلاد”. تلك وجهة نظر المؤلفة قد تكون محقة وقد تكون مخطئة، ولكنها وجهة نظر تستحق الوقوف عندها…

التصالح مع التاريخ

كلام الروائية رشا عدلي عن روايتها التي تتحدث عن شخصية تاريخية مثل الباشا دفعتني للتفكير في علاقتنا بالشخصيات التاريخية وخاصة ذلك الجزء من التاريخ الذي نتعلمه في حصة التاريخ في المدرسة، وخطر على بالي ما حدث من فترة عندما دخلت في أحد الأيام مطعمًا في القاهرة لا أتذكر اسمه، لفت انتباهي ديكوراته واللوحات الفنية المعلقة على الجدران، والتي تمثل فترة زمنية من تاريخ مصر، وتحديدًا فترة حكم الملك فاروق، قبل قيام ثورة 1952م.

ظللت أتأمل تلك الصور للملك مع زوجته في مناسبات مختلفة وصور أخرى للفنانين في تلك الفترة وشخصيات مشهورة أخرى في ذلك الزمان. ديكور المطعم كان ينتمي لتلك الفترة بكل ما فيه من تفصيلات جميلة، حتى الموسيقى والأغاني الخفيفة التي تناهت إلى أسماعنا أخذتنا لذلك الزمن.

سرحت بذهني قليلا وتخيلت لو أن شخصًا ما فكر في فتح مطعم يحمل هذه الفكرة في صنعاء لفترة ما قبل الستينات، قبل ثورة 1962، ووضع صور لليمن تعبر عن شخصيات وأحداث تنتمي لتلك الفترة، وتخيلت رد فعل من سيدخل المطعم، وهالني ما جال بخاطري، خاصة عندما أتذكر عملية طمس التاريخ التي تمت والتي لا تزال تتم، هدمًا للآثار وطمسًا للمعالم. بشكل يثير سؤالًا: ما هي مشكلتنا مع التاريخ؟

نحن نعاني من مشكلة مع تاريخنا، هناك شخصيات تاريخية نكن لها مشاعر الحب لدرجة التقديس، ولا نقبل أن يقترب منها أحد بأي نقد أو محاولة لرؤية الشخصية من أي زاوية أخرى، وهناك شخصيات وضعت في المنطقة السلبية ونكيل لها كل التهم ونرفض أي قراءة تصور أو أن ننسب أي شيء إيجابي لها مهما كانت الأدلة قوية على صحتها.

نعم لدينا مشكلة مع تاريخنا

عندما نقرأ التاريخ نقفز لمحاربة شخوصه ونريد بكل قوة محاربة تلك الشخصيات ومحوها، ننسى حقيقة أننا عندما نقرأ التاريخ نحن لا نحاكم شخصياته، هذا لا يحق لنا، وليس بمقدورنا، نحن نقرأ ما حدث ونتفاعل معه عن طريق معرفة لماذا حدث؟

نعم، محاولة لفهم ما حدث، هذه المحاولات للمعرفة تشبه إلى حد ما ماجاء في  القرآن الذي أشار للتاريخ وما حدث في الأزمان الماضية، للعبرة ولزيادة المعرفة بأحوال البشر والتعلم من تلك الأحداث. وقراءة التاريخ تهدف لمعرفة ما حدث وكيف حدث، محاولة للتفكير بطريقة تلك الشخصيات بثقافة عصرها، ومعطياتها التاريخية، وخلفياتها العلمية، وهذا حق للأجيال الحاضرة والقادمة. الحق في معرفة التاريخ بكل ما فيه سلبًا أو إيجابًا.

الرواية والتاريخ

ولكن هل هناك فرق بين كتاب تاريخي ورواية تاريخية؟

جرى الاتفاق على أنّ الرواية التاريخيّة عمل فنيّ يتّخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفيّ له؛ حيث تحمل الرواية تصوّر الكاتب عن المرحلة التاريخيّة وتوظيفه لهذا التصوّر في التعبير عن المجتمع أو الإنسان في ذلك العصر، أو التعبير عن المجتمع في العصر الذي يعيشه الروائي، ولكنه يتخّذ من التاريخ ذريعة وشكلًا مغايرًا للحكي. فنحن عندما نقرأ رواية تتحدث عن زمن ما ترسم لنا الأحداث وحوار الشخصيات جزء من طبيعة ذلك الزمن وثقافته وملامحه.

في الرواية التاريخية يمتزج التاريخ بشيء من الخيال، فأحداث الرواية تتم في عصر محدد، ولكن يتم سرد تلك الأحداث بأسلوب روائي مشوق، يشد القارئ. فهي سرد قصصي يدور حول أحداث تاريخية حدثت بالفعل كما تذكرها المصادر التاريخية، يعيد الكاتب إحياء تلك الأحداث لهدف معين.

المؤلف يمتلك الحرية في اختراع شخصيات تعيش في ذلك العصر لكن الروائي يتقيد في سرده بنقل الأحداث كما هي، هو يهتم كثيرًا بنقل البعد الإنساني للشخصيات سواء الحقيقية أو تلك الخيالية التي وضعها المؤلف ليرينا كيف أثرت تلك الأحداث على حياة الناس ومشاعرهم.

المؤرخ يتقيد بنقل الأحداث التاريخية التي حدثت بالفعل كما تقول المصادر المروية أو المكتوبة، والوثائق، والحفريات، وغيرها، لكن الروائي يعيد إحياء تلك الأحداث. وتختلف وجهات النظر حول التاريخ فهناك من يعتقد أن التاريخ ينقل وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر المنتصر، فماذا عن وجهة نظر الطرف الآخر، والذي يجد الروائي هنا مساحة كبيرة لينقل لنا ذلك.

ولأن الإنسان يحب الحكي وسرد القصص، فكتب التاريخ تعيد بناء الماضي بالبحث والتوثيق وذكر المصادر. والروائي يهتم ببناء العالم الإنساني، عالم العلاقات والمشاعر والحياة اليومية للناس باستلهام الوقائع التاريخية وكيف أثر كل حدث على حياة الناس سلبًا أو إيجابًا.

يخلع الروائي شيئًا من ذاته وخبرته وخياله فيحرك الشخصيات ويصف عذاباتها وأفراحها، تلك الحكايات لا نجدها في كتب التاريخ التي تهتم بالأحداث وشخصيات القادة والملوك والحكام، وتهمل عامة الناس وتتحدث عنهم لِمامًا. لكن مهما بلغت درجة الخيال عند الروائي فهذا لا يعطيه الحق أن يزيف وقائع تاريخية إلا إذا أقنع القارئ مثلًا بذلك ليسبح معه القارئ ويستمتع بخيال ممتع وهو شيء يختلف كلية عن تزييف التاريخ.

وهناك من لا يعجبه تصنيف الرواية التاريخية لأن كل رواية تحمل جزءًا من التاريخ في بنائها كما يقول الكاتب المصري ناصر عراق. وهناك من يهرب من رقابة السلطات فينتقدها عبر فضح ممارسات مشابهه حدثت في الماضي. الروائي يقرأ كثيرًا عن الفترة التاريخية التي ستدور أحداث روايته فيها، فيعرف الكثير من مفردات ومصطلحات الحياة اليومية ونوع الملابس السائدة والثقافة والعملة النقدية والعادات الاجتماعية والأمثال الشعبية السائدة إن أمكن، وكلما عرف أكثر كانت روايته أكثر اقناعًا وجذبًا للقارئ.

فهل نستطيع القول إن الرواية التي تستند لأحداث تاريخية قد تدفعنا لإعادة التفكير في تاريخنا وربما تكون سببًا لحدوث نوع من التصالح مع تاريخنا وشخوصه.

 

https://ziid.net/art-intertainment/the-historical-novel-and-the-path-to-self-reconciliation/ 

قراءة لكتاب:اليمن السعيد وصراعات الدين والقبيلة للدكتور سعود المولى

 


الكاتب يحمل شهادة دكتوراة في الحضارة الإسلامية والدراسات الإسلامية من جامعة السوربون فرنسا.
باحث وسياسي لبناني ...
تميز الكتاب بالدقة والأمانة العلمية ...
وهذا ما تفتقده كثير من الكتب التي جمعتها لفهم تاريخ اليمن...
 
الكتاب يعرض تاريخ اليمن قبل الإسلام، ودخول الديانات اليهودية والمسيحية لليمن ...
يعرض الصراعات الدائمة والمستمرة في اليمن ...
ويعرض تاريخ اليمن بعد الإسلام، خاصة تحت الحكم العباسي الذي تحولت فيه اليمن لبؤرة صراعات وتكون دويلات مستقلة عن دولة الخلافة ...دويلات متصارعة...
ثم فترة الايوبيين والمماليك والزمن العثماني وحكم الزيدية ...
 
يركز الكتاب اكثر على تتبع المذهب الزيدي في اليمن ...
فيستعرض الفرق الزيدية والأسس العقائدية والفقهية للزيدية اليوم...
كما يستعرض المجتمع القبلي في اليمن والتقسيمات القبلية والتعدد المناطقي والفئوي للقبيلة ودورها السياسي تاريخيا...
ويعرض مراحل الظاهرة الحوثية والتكوين العلمي والفكري والايديولوجي للحركة ...
الكتاب غني بالمعلومات عن اليمن ...
 
ما يميزه أن الكاتب يحترم عقل القارئ ولا يمارس دور الوصاية ومحاولة توجيه القارئ والتأثير عليه عاطفيا ...
 
يختلف الكتاب كليا عن كتب قرأتها تناقش الموضوع لكتاب مختنقين بالمذهبية والعنصرية ومعادين للاختلاف والمغايرة...يحاولون إخفاء شغفهم بالاستحواذ على عقول الناس وتوجيهها حسب قناعاتهم هم ...
 
فهذا كتاب لباحث تدرب على التحرر من التعصب والانحياز ويفهم معنى الدقة والأمانة العلمية واحترام الحقيقة...
هو كتاب انصح به لمن يحب الحقيقة ...