قراءة ناقدة للمجموعة القصصية: لست سوى امرأة:
أحلم بعالم يسوده السلام والحب والقبول بالتنوع الجميل الذي يمثله البشر من كل الجنسيات والأعراق.
قراءة لرواية بحثا عن الزمن المفقود – الجزء السابع – الزمن المستعاد لمارسيل بروست:
هنا يصل القارئ للمحطة الأخيرة لرحلة قراءة رواية بحثا عن الزمن المفقود، بشخصياتها المتعددة، وأحداثها التي تعبر الزمن وتستعيد الماضي وجزء من حياة أشخاصه. حقا إنه انجاز حقيقي أن ينتهي القارئ من قراءة الأجزاء السبعة. وسيكتشف أنه سيعيش مع أحداثها وشخصياتها وكاتبها لزمن غير محدد، يكتشف فيه جمال ماقرأ.
عن الحرب:
تدور أحداث الرواية خلال الحرب العالمية الأولى. "إن الحرب لا تفلت من قوانين هيغل العجوز إنها ضرورة مستمرة"
اعتبر هيغل الحرب ضرورة منطقية في حسم العلاقات بين الدول لكي يتم تجاوز الإرادة الجزئية في فرض سيادة الدولة على الدول الأخرى باعتبارها هي أيضا غايات، وبالتالي فإن الدخول في صراع بينها هو ضرورة ولازمة لكي يتم السلب والرجوع إلى العقل الكلي مما ينتج منه قانون يحكم العالم باسره. وهو هنا متفق مع غروسيوس في إدارة الدول بقانون دولي عام. إلا أن هذا القانون عند هيغل لا ينشأ إلا بالحرب كحالة سلبية تؤدي في النهاية إلى التعين والتحقق الذاتي.
ويعرض الكاتب جزء مما غيرته الحرب في حياة الناس اليومية. وكيف يتأقلم الناس مع ما يحدث، وكيف يتفاعلون معه. " بحيث أن موت ملايين البشر المجهولين يكاد لا يلامسنا ولا يزعجنا أكثر من مجرى هواء"
تصوير بليغ لطريقة تأثر الناس الذين يعيشون بأمان بما يحدث للناس الآخرين من كوارث." البلهاء في كل البلدان هم الأكثر عددا"
ويصور مظهر من مظاهر بشاعة الحرب:" أعجب بإنكلترا المثالية والتي لا تستطيع أن تكذب عندما قطعت القمح والحليب عن ألمانيا"، يصف جانب من فظائع الحروب: " والثقافة الشائعة الذكر هي أن تقتل نساء وأطفال لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم"
ورغم الحرب فإن حياة البعض لا تتغير، ويسجل دهشته لما يراه عند دخوله مبنى لا يعرف حقيقة ما يحدث فيه، فيسجل لقطات من ممارسات الشخصيات المثلية في الرواية: " إنه حجم حقيقي ظننت أني كالخليفة في ألف ليلة وليلة، وصلت في الوقت المناسب لأجد رجلا يضرب، وإذا بي أمام حكاية أخرى من حكايات ألف ليلة وليلة حكاية المرأة التي مسخت كلبة تضرب بطوعها كي تستعيد شكلها الأول"
" عندما ندرس بعض حقبات التاريخ القديم، نذهل من وجود أشخاص طيبين، إذا أخذوا بمفردهم يساهمون دون أي وازع في مجازر جماعية ومذابح بشرية يرونها على الأرجح كأشياء طبيعية".
عن الأدب والكتابة:
خيال جميل وتعبير ساحر عن المشاعر والراوي يصف لنا ذكريات طفولته. ويعرج للمعاناة الصحية التي تحرمه من الكتابة، ويتساءل: " أتساءل: هل يستطيع الكاتب أن يأمل بنقل متعة إلى القارئ لم يشعر بها؟"
بروست حقا يحير النقاد، فهل روايته سيرة ذاتية، أم عمل أدبي خيالي. ويعلن لنا عن رأيه بكتابه: " في هذا الكتاب الذي لا يوجد فيه إلا شطح خيال، ولا توجد فيه شخصية حقيقية واحدة مهمة، وخلقت فيه أنا كل شيء حسب مقتضيات عرضي ...."
في حيز غير قليل يسهب الكاتب في آراؤه حول الكتابة والفن والنقد الأدبي. فيكتب بإسهاب عن الكاتب والكتابة وخبرة الكاتب. حديث يكشف للقارئ عن معاناة الكاتب واحباطاته والآمه. ويقارن بين الرسام والكاتب: " يحتاج الرسام إلى مشاهدة كنائس عديدة ليرسم واحدة منها، أما الكاتب فيحتاج إلى أكثر من ذلك ليحصل على الحجم والقوام والعمومية والواقع الأدبي، يحتاج إلى أشخاص كثيرين ليحصل على عاطفة واحدة"
يتحدث عن خبرات الكاتب الحياتية التي تشكل مادة كتابته وأعماله الأدبية. عن معاناته الصحية والآم جسده وعزلته. ويعرج إلى دور الألم في إبداع الكاتب واثراء تجاربه. " السنوات الرغيدة هي سنوات ضائعة، إننا ننتظر ألما لنتمكن من العمل".
"وحتى من غير الصحيح أنني أفكر بالذين سيقرأونه، أفكر بقرائي. لانهم لن يكونوا، بحسب رأيي، قرائي، وإنما قراء أنفسهم، فكتابي ما هو إلا نوع من العدسات المكبرة مثل تلك التي يقدمها بائع نظارات كومبريه إلى أحد المشترين، بفضل كتابي سأعطيهم وسيلة لكي يقرأوا أنفسهم".
تشبيهات كثيرة مميزة وعبارات رائعة لوصف دخول الليل أو ظهور الصباح، الطائرات في السماء. وتشبيه حركة الماء بالموسيقى.
حديث طويل عن الأدب ومقارنة بين الأعمال الأدبية ونقدها.
ماذا يفعل الزمن؟:
يتوقف كثيرا عند ماهية الزمن، وأثره على الناس. شاب الأمس هو شيخ اليوم لكنه لا يحس بذلك. " الناس لا يرون ملامحهم وأعمارهم، ولكن كل واحد ينظر إلى ملامح وأعمار الآخرين، كما في المرايا المتعاكسة" ، يتناول موضوع السن والشيخوخة والزمن من زاوية فلسفية.
عبر صفحات طويلة يرصد بروست أو الراوي فعل الزمن بالوجوه للشخصيات التي عرفها في شبابه. ويسهب كعادته في توضيح فكرته عن فعل الزمن بالبشر، فالزمن كي يصبح مرئيا يبحث عن الأجسام فيعبث بملامحها، يرخيها، ويمطها، ويضع لطخات داكنة، فيغير ملامحها لنفهم أن ذلك من صنع الزمن الذي لا نشعر بمروره. " وهكذا نرى أن الزمن يمتلك قطارات سريعة وخاصة تنقل بسرعة إلى الشيخوخة المبكرة"، " وكذلك يبدد الزمن الخصومات العائلية".
يصف الراوي كيف تغيرت الأزياء في فرنسا، ويرصد تغير آراء الناس حول عدد من القضايا بتغير الزمن، فما كان منكرا يصبح عاديا، مثل قضية دريفوس الشهيرة. ونرى كيف تغيرت طبقات المجتمع الفرنسي بمرور الزمن، وظهرت أجيال تجهل كل شيء عن عظماء الماضي ومشاهيره. " يكفي جيل واحد ليتم فيه التغيير الذي حصل منذ قرون".
" وبسبب التقدم الحتمي لعلم الجمال الذي انتهى به الأمر إلى التكرار الممل، فإن عائلة الفيردوران كانت تقول إنها لا تطيق الأسلوب الجديد في الفن لأنه يأتي من ميونخ، ولا الشقق المدهونة بالأبيض، ولم تعد تحب إلا الأثاث الفرنسي القديم ذا الديكور القاتم".
ويفهم القارئ سر تسمية العمل ببحثا عن الزمن المفقود (سر عنوان الرواية)، فيعيش القارئ لصفحات مع كلام عميق عن الزمن والاحساس بجمال الأشياء عندما نستعيد ذكراها ونستمتع بتلك اللحظات التي لم نستمتع بها في وقتها: "ذلك أن الجنان الحقيقية هي الجنان التي أضعناها"
وعبر صفحات طويلة يعيش القارئ مع تحليلات الراوي، وتقييم تصرفاته ومشاعره في الماضي وهو ينظر إليه بمنظار جديد: " ولأن الأجساد البشرية تختزن في داخلها ساعات من الماضي، فإنه بإمكانها أن تسبب الكثير من الألم للأشخاص الذين يحبونها، ذلك لأنها تختزن الكثير من الذكريات، ومن الفرح، ومن الرغبات التي أُزيلت من أجله، والتي تبقى قاسية جدا على الشخص الذي يتأمل ويطيل، في نظام الزمن، الجسد الحبيب الذي يغار منه لدرجة أنه يتمنى تدميره".
سحر ألف ليلة وليلة:
ويكشف لنا عن عمق حبه وتأثره بكتاب ألف ليلة وليلة: " سيكون كتابا بطول ألف ليلة وليلة ربما، ولكنه مختلف تماما. لا شك أننا عندما نحب عملا ما فإننا نرغب في فعل شيء مشابه له". ويتمنى أن يمهله الموت لينتهي من كتابة كتابه الطويل كما فعل شهريار مع شهرزاد وهي تحكي حكاياتها التي لا تنتهي. " لكن كنت بحاجة إلى ليال كثيرة، مئة ليلة، أو ربما ألف. وسوف أعيش في قلق لأنني لا أعرف إذا ما كان سيد قدري أقل رأفة من السلطان شهريار، وعندما أقطع حكايتي في النهار، أتراه يقبل تأجيل موتي ويسمح لي باستئناف البقية في الأمسية القادمة".
الترجمة:
تغير مترجم الكتاب من الجزء السادس، وعلى غلاف هذا الجزء فقط يظهر اسم المترجم له دون اقترانه باسم المترجم للأجزاء السابقة. ويلاحظ القارئ أن المترجم لم يلتزم بترجمة المترجم السابق، فهو يغير تسميات وضعها المترجم السابق فيتسبب بالإرباك للقارئ. فهو مثلا مصر على تسمية المادلين بالمجدلية دون مراعاة أن القارئ عرفها كذلك في بداية الرواية، وأن مصطلح أو تسمية المجدلية غريب ومزعج ويحتاج القارئ وقت ليستوعب أنها تعني المادلين.
يصف المترجم الجندي ذو الشعر بالجندي الشعراني وهي ترجمة غريبة للفظ الفرنسي Poilu التي تعني مشعر أو أزغب أو كثير الشعر.
ملاحظات المترجم في الهوامش غير ذات قيمة بالنسبة لي. ما يهمني عند قراءة الرواية هو أفكار الكاتب ولا أحتاج توضيحات المترجم وتفسيراته وتأويلاته. بل أنه يلعب دور ناقد في بعض ملاحظاته وهذا غير مقبول ولا محمود. وفي صفحة 377 وضع ملاحظة غريبة: "كان على بروست أن يدرج هنا قصة أوديت التي أصبحت عشيقة كوتار، وليس في آخر هذا الجزء من الكتاب". المترجم الذي يكون له آراء تخالف مؤلف الكتاب الذي يقوم بترجمته يمكنه اصدار كتاب خاص به يضع كل آرائه ونقده فيه.
الجزء الثاني - في ظلال ربيع الفتيات
أحلم بعالم يسوده السلام والحب والقبول بالتنوع الجميل الذي يمثله البشر من كل الجنسيات والأعراق.
قراءة لكتاب المذكرات السياسية في اليمن لمحمد ناجي أحمد:
قراءة لكتاب المذكرات السياسية في اليمن لمحمد ناجي أحمد:
الكتاب هو قراءة ناقدة لعدد من كتب المذكرات السياسية.
يوضح الكاتب رأيه الذي قد يخالف مؤلفي هذه الكتب، في نقاط يحددها ويذكر ما قاله آخرون في النقطة محل الخلاف.
وهو جهد يشكر عليه الكاتب، لأنه كتاب تحليلي وتوثيقي للحياة السياسية في اليمن، ويسلط الضوء على عدد من النقاط الغامضة في التاريخ السياسي اليمني، مع محاولة تصحيح ما يقع فيه الكتاب من تشويهات للتاريخ وأخطاء. قد نختلف مع المؤلف في بعض النقاط لكننا نتفق معه في الأغلب.
يتناول الكتاب الكتب التالية:
1- حركة الأحرار اليمنيين والبحث عن الحقيقة لمحمد علي الأسودي. يصحح الكاتب ما جاء في كتاب الأسودي من اتهام للمملكة المتوكلية بالتقاعس عن تحرير الجنوب المحتل، ويذكر أن الحقيقة التاريخية هي أن الإمام يحيى لم يتوقف عن المطالبة بالجنوب حتى تعرضت قواته للقصف الذي قامت به طائرات المحتل البريطاني. كما أنه لا يوافق الأسودي في قوله إن ظهور العدنانية والقحطانية والزيدية والشافعية من ابتداع المتوكليين، ويقول أن هذه التهم هي تبرئة للدور العثماني الذي عزز الصراع الطائفي بين الشافعية والزيدية واليمن العالي واليمن الأسفل. " ويرى الأسودي أن خلق العداوة والحقد بين أبناء الشمال أنفسهم هو من صنيعة الحكم المتوكلي الذي قسم الناس إلى رعية من الدرجة الثانية وشيعة من الدرجة الأولى، والحقيقة هي أن القبائل نضير نصرتها وتأسيسها لحكم الأئمة هي التي فرضت نفسها كأنصار فوق الرعية، وحين كانت الإمامة تحاول فرض سيطرة الدولة سرعان ما تصطدم بالحقوق المكتسبة للقبائل المحاربة.
2- مذكرات أحمد محمد نعمان، سيرة حياته الثقافية والسياسية، ويكشف الكاتب أن مؤلف هذا الكتاب ينسب لنفسه أعمال قام بها أخوه.
3- تحت عنوان جمهورية 5 نوفمبر يقدم مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ويوضح أن المشايخ استولوا على الحكم بعد أن خدعوا الناس بأن الثورة كانت من أجل تحرير الشعب رغم أن الإمام بدأ بالانفتاح ونشر التعليم، لكن المشايخ ثاروا عندما حاول الإمام مساواتهم ببقية الرعية.
4- قراءة نقدية لكتاب قصة ثورة وثوار - حقائق عن ثورة 26 سبتمبر، عبد الله الراعي يحكي.
ويذكر أن الراعي ينفي خبر هروب البدر بملابس امرأة، ويبرر الراعي بأن الإعدامات بعد الثورة كانت ضرورية.
5- قراءة نقدية في أوراق من ذكرياتي للواء حسين المسوري، ينتقد الكاتب المسوري لأنه لم يوضح ما نوع عمل والده.
6- قراءة نقدية في كتاب خمسون عاما في الرمال المتحركة لمحسن العيني، ينفي الكاتب ما تردد وشاع حول المقولة الشهيرة للثلايا (لعن الله شعبا أردت له الحياة فاراد لي الموت) وينسبها للمصريين ويروي حكاية سمعها من معمري قرى العدنة الذي يحكون قصة مختلفة.
7- مقاربة لأيام وذكريات لحسن مكي، ويرى الكاتب أن حسن مكي كان محايدا وموضوعيا في تفسيره لما حدث من خلافات بين الثوار.
8- عن كتاب الثورة والنفق المظلم لعبد الملك بن محمد الطيب، الكاتب يرى أن الطيب متحيز ضد المصريين والعمري في حكاية مقتل الزبيري.
9- شذرات عن مذكرات اللواء علي صلاح، ويشير الكاتب إلى ما قاله مؤلف الكتاب عن نظام الرهائن باليمن والذي هو في الأصل نظام شرقي يمتد إلى عهود سابقة، لكنه كان في عهد الاستعمار التركي لليمن من أسوأ أنظمة الرهائن مهانة، فلقد كانوا يأخذون رهائن مثلثة، اي إحدى الزوجات والبنت والأخت، ولأن في هذا النوع من الرهائن إذلالا اجتماعيا فقد قلصه الإمام يحيى إلى رهينة واحدة، وهو عبارة عن أصغر أبناء مشائخ الضمان حتى لا يفسدوا على الدولة، وكان الإمام يقوم بتعليمهم، ويأمر لهم بريال كل يوم. ويشير علي صلاح أنهم بعد الثورة وفي عهد الجمهورية كانوا يأخذوا رهائن ممن يعلن انضمامه للصف الجمهوري للتأكد من صدقه.
10- إطلالة على مذكرات اللواء محمد عبد الله الإرياني، أحداث من الذاكرة، يسرد الإرياني لماذا تم نفي الفريق العمري وقصة المصور محمد الحرازي الذي قتله العمري. ويرى الإرياني أن المشائخ كان من مصلحتهم التخلص من العمري، وكذلك من مصلحة السعودية. ويشير لسبب اغتيال الحجري.
11- قراءة نقدية في كتاب: شخصية الإمام أحمد حميد الدين ورجالات عصره للواء محمد علي الأكوع، الكاتب يرى أن الأكوع غير منصف، ويكره الإمام، ويقول أن الأكوع كان أحد الضباط الذي انقلبوا على الإمام وأمروا بإطلاق النار على القصر في تعز ورفضوا تسليم الجنود للمحاسبة وهرب إلى عدن. ويكشف الكاتب كيف يصور الأكوع الإمام أحمد بصورة مشوهة فيتعسف الحقائق التاريخية حين يتحدث عن مواجهة الإمام للثلايا بعد اعتقاله من قبل المواطنين، وتلك الحكاية المشوهة يحكيها الأكوع رغم أنه لم يحضر الحادثة وكان يومها في مصر.
كما يشير الكاتب لما قام به الأكوع عندما وضع هوامش لكتاب رحلة الإمام أحمد إلى روما والذي كتبه الدكتور جوزيبي جاسبريني، فعمد لوضع أفكاره هو ونسبها للمؤلف الإيطالي.
12- قراءة في ثورة 14 أكتوبر اليمنية من الانطلاقة حتى الاستقلال لراشد محمد ثابت أحد قيادي الجبهة القومية، ويذكر:" على غير ما هو شائع من دور الاستعمار البريطاني في تطوير الجنوب، نجد الاحتلال أبقى عدن مجرد ميناء ترانزيت لاستقبال البضائع وتمويل السفن بالبترول والفحم، فباستثناء المصفاة، لم توجد في عدن حركة صناعية وانتاجية، والأرياف كانت بائسة بدون شبكة مواصلات وبدون تعليم وبدون خدمات صحية ، لقد انحصر دور الاحتلال في إيجاد قدر من التطور العمراني وشبكة المواصلات داخل مدينة عدن وذلك لاستيعاب الحجم المتزايد للقوات البريطانية واحتياجاتها من النشاط الإداري على صعيد الخدمات وبناء الطرق وتوسيع الخدمة في الميناء".
13- المطيع دماج والانتماء لقيم الثورة، يرى الكاتب أن دماج كان ضد استخدام الدين في السياسة، وكان مستوعبا لخطر توظيف الرجعية والاستعمار للدين من أجل ضرب العروبة.
14- شذرات من كتاب دفاعا عن الحرية والإنسان لهايل منصور (كتبها الدكتور أبو بكر السقاف)
"المشكلة أننا نتشبه بالمصريين منذ عهد الفراعنة في السياسة والفساد ولا نتشبه بهم في الانتاج والثقافة"
يسرد الكاتب كثير من الاقتباسات من الكتاب لآراء الدكتور السقاف التحليلية للوضع في اليمن. " القضية اليمنية لن تحل بانتعاش الهويات الوهمية، ولكن بالسير قدما نحو هوية جامعة تحترم التنوعات لكنها لا تغرق في أوهامها"
ويختم الكتاب بعدد من المقالات التي نشرها عن الأوضاع في فترة 2011 وما بعدها.
أحلم بعالم يسوده السلام والحب والقبول بالتنوع الجميل الذي يمثله البشر من كل الجنسيات والأعراق.
قراءة في الجزء السادس لرواية بحثا عن الزمن المفقود: الشاردة - لمارسيل بروست:
في هذا الجزء من الرواية الذي يحمل عنوان الشاردة تتركز الأحداث حول ألبرتين التي غادرت بيت الراوي كما كان يريد. دفعها بتصرفاته المزعجة لتغادر البيت، عندما صحى ذات يوم وقد غادرت البيت يبدأ هذا الجزء من الرواية.
حيرة وعذاب:
يقف بطل الرواية كثيرا أمام الأماكن التي سكنتها ألبرتين شاعرا بفراغ كبير وألم شديد لفراقها: " ويبدو هذا السرير في غاية الضيق والقسوة والبرودة، عندما يرقد المرء فيه مع ألمه".
الراوي يجسم ذلك النوع من الشخصيات التي لا تدري ما تريد حقا. تسعى بكل طاقتها لأمر ما، وعندما يتحقق، تتراجع بشكل مثير للحيرة وتتمسك بما كان سابقا. يحدث أن يفعل المرء ما يستطيع ليصل إلى نتيجة ما، وعند تحقق ما سعى إليه يشعر بالأسى والحزن وعدم الرضى!
" وبنقلة مفاجئة عبرت فورا من عذاب الغيرة إلى يأس الفراق"
فهل هذا أمر طبيعي؟
حوار ذاتي:
يكشف الكاتب تخبط بطل الرواية، واضطرابه الشديد. فنعيش عبر صفحات كثيرة من الرواية مع راوي مضطرب يعاني من الأوهام والوساوس والتناقضات الرهيبة. يبحث عن مبررات لأفعاله، يبحث عما يؤيد وساوسه وشكوكه.
أفكاره وحديثه مع نفسه يظهر نفسية معتلة وعقلية مريضة تتهم الآخرين وتبحث عن مبررات لما تقوم به. ونرى كيف يمكن للشخص المعتل نفسيا أن يبني أحكامه على الآخرين كأنها حقائق. فالأشخاص السيئين والمرضى ينظرون دوما للآخرين بشك.
أبدع الكاتب في الدخول إلى أفكار وعواطف الشخصية المضطربة التي تعكس اضطرابها على من حولها، ولا تستطيع تكوين علاقات اجتماعية سليمة حتى مع أقرب الناس. فالراوي يتفنن في إيذاء من يحبونه ويتصرف بأنانية مطلقة ويصعب ارضاءه لأنه لا يفهم ما يريد ولا شيء يرضيه.
التذبذب في شخصية الراوي، الاعتراض لمجرد الاعتراض والتفنن في إيذاء مشاعر من يحبونه، كل هذا يبدو جليا من تعامله مع والدته ورفض اقتراحها دون إبداء سبب واضح، وكل تصرفاته السابقة مع ألبرتين قبل أن تغادر بيته تندرج تحت هذا.
حب من نوع خاص:
ويعبر الكاتب عن أغرب سبب للحب حسب وجهة نظر الراوي المضطرب:
" الحال أن هذا الحب الذي نشأ من حاجة، وهي منع ألبرتين من ممارسة الرذيلة، حافظ على مساره الأصلي لم أكن أكترث بالبقاء معها، بشرط أن اقدر على منع الهاربة من أن تشرق أو تغرب"
لكن علينا ألا ننسى أن الكاتب يصف حب وعشق من نوع خاص لنساء لهن ماض ويتنقلن في علاقاتهن من رجل لآخر.
كما حدث في قصة حب سوان التي أفرد لها الجزء الأول من الرواية، ويقارن الراوي بين قصة سوان مع أوديت وبين حاله مع ألبرتين.
" رجل منتظر بين حشد كبير، رجل يحبها، لئلا يتمتع بأمسية معها، لأنه يمضي وقته في التمشيط والتشعيث فتنام المرأة التي يحبها، أو لأنه يريد فقط البقاء قربها كي يكون معها أو كي تكون معه أو فقط لئلا تكون مع آخرين"
هو جحيم العذاب الذي دخله مختارا وهو يعرف أنه يقع في حب امرأة يملكها الجميع، فيقرر أن تكون له وحده.
" رأيت فقط أنه من الأدهى – وهذا ما آمنت به – أن أتركها تعيش تحت تهديد الهجر المستمر"
الراوي يدعو القارئ للعيش مع أفكاره، تلك الأفكار التي تنتقل من فكرة لأخرى، وكأنه يستجدي القارئ أن يقدر أسباب عذابه.
عذاب الفراق الأبدي:
عندما يعرف الراوي أن ألبرتين التي كان يأمل استعادتها قد ماتت بحادث سيارة، يصور لنا عبر فقرات طويلة وقع ذلك الخبر عليه، وهذه عينة لما يفعله الراوي:
" إن الفكرة القائلة بأننا سنموت هي أعتى من الموت نفسه، ولكنها تبقى أدنى من الفكرة القائلة بأن شخصا آخر قد مات، وعندما يخف وطؤها بعد أن يبتلع الموت شخصا ما، ينتشر واقع – دون أن يتحرك ساكن في ذلك المكان، يجتث منه ذلك الشخص فتزول كل إرادة، وكل معرفة، ويصعب بعدها الرجوع إلى الفكرة القائلة بأن هذا الشخص قد عاش، كما يصعب – من التذكر الحديث جدا لحياته – الظن أننا نستطيع دمجه في الصور الواهية وفي الذكريات التي تركها شخوص رواية قرأناها"
موت من نحب يشكل صدمة كبيرة يصعب على البعض التسليم بها، فيهربون من تقبل الحقيقة بدل من مواجهتها مهما كانت مؤلمة وهذا ما يعبر عنه الراوي: " لا يمكننا أن نشفى من ألم مالم نعشه بشكل كامل"، والذي يعيش مرحلة حداد وحزن وينغمس فيها.
ولأنه يتفنن في العيش داخل المآسي التي يختلقها فهو يعيش عذاب فراق ألبرتين بالموت، بعد أن كان يعيش عذاب الغيرة والشك ومحاولة معرفة حقيقة شكوكه حول رغباتها الجنسية المثلية:
" كم هو صعب على الإنسان أن يعرف الحقيقة في هذه الحياة"
ويقع الراوي في فخ البحث عما يؤيد فكرة صورتها له خيالاته ويظنها حقيقة، فيبدا بالتفتيش عن حقيقة ألبرتين حتى بعد موتها. لا يستطيع الهروب من ذلك الفخ الذي أطبق عليه، لربما هو عذاب الضمير يدفعه حتى يثبت لنفسه أنه لم يظلمها. يريد من يؤكد له أنها كانت مثلية تمارس حياة جنسية شاذة مع الأخريات. فيجد نفسه غارق عذاب من نوع جديد. فيشبه الألم على الفقدان والغيرة بالمرض العضوي مثل السل أو سرطان الدم، لأنه يترك ألم نفسي وربما ألم عضوي كبير يحس به ولا يستطيع الإفلات من قبضته.
"لم اتألم فعليا لموتها إلا عندما جعلتها ذكرياتي اللاإرادية حية بالنسبة لي"، وكأنه يؤكد أن أفكارنا وكيف نتعامل مع ذكرياتنا هي ما يسبب الألم الحقيقي.
رغم كل ما نعرفه عن عذابات الراوي ومعاناته وشكوكه لكن الكاتب لم يعط الفرصة لألبرتين لتدافع عن نفسها أو تؤكد صحة رأي الراوي فيها، القارئ يبقى في حيرة لأنه لا يعرف شيئا عن حقيقة ألبرتين، هل كانت شكوك الراوي حقيقية أم أنه ظلم ألبرتين وهي بريئة من كل ذلك. تبقى هذه النقطة مجهولة للقارئ. لم يتطرق لها الكاتب الذي كان جل اهتمامه مركز على مشاعر وخيالات الراوي ومعاناته.
الأحداث التاريخية:
الرواية تشير إلى ما يحدث في الفترة الزمنية للأحداث التي يمر بها شخوص الرواية، وأثر تلك الأحداث وحتى تلك التاريخية على حياة الناس. فيشير إلى الحرب الفرنسية الألمانية أو الحرب الفرنسية البروسية استمرت من 19 يوليو 1870 إلى 10 مايو 1871، نتيجتها سقوط الإمبراطورية الفرنسية الثانية، وتأسيس الجمهورية الفرنسية الثالثة. وتأسيس الإمبراطورية الألمانية. ومعاهدة فرانكفورت وإلحاق الإلزاس واللورين بألمانيا. ولا ينسى الكاتب أن يرسم ملامح تغير الحياة والمعايير الاجتماعية وتساقط كل القيود والمعايير القديمة، فما كان ممنوعا في زمن يصبح مسموحا ومقبولا في زمن آخر فلا شيء يثبت للأبد.
ولا يفوت الراوي أن يعبر عن اعجابه بذلك “ الخبز العجائبي الكثير الطيات الذي هو واحد وعشرة الآف في آن ويبقى هو هو.. ”، وأظن أن هذه ترجمة حرفية وقع فيها المترجم لذلك الخبز العجائبي (Mille-feuille) أو الميل فوي، الحلوى الفرنسية المتعددة الطبقات.
يمتاز هذا الجزء من الرواية بسهولة قراءته خلاف الأجزاء السابقة. الأحداث هنا ليست متشعبة ومتداخلة بل في أغلبها مركزة على مشاعر الراوي تجاه ألبرتين التي رحلت. إلا أن هناك صعوبة في تتبع بعض الشخصيات لأن الكاتب يذكر بعض الشخصيات بطرق مختلفة، تارة بالاسم الأول وتارة باسم العائلة ناهيك عن ذكرها مرات باسم الدلع أو التدليل.
في هذا الجزء يتغير المترجم. الراحل إلياس بديوي ترجم الأجزاء الخمسة السابقة والجزئين السادس والسابع من ترجمة د. جمال شحيد.
أحلم بعالم يسوده السلام والحب والقبول بالتنوع الجميل الذي يمثله البشر من كل الجنسيات والأعراق.



