قراءة لرواية فتاة القطار لباولا هوكينز

" جائزة قراءة الغودريدز لعام 2015" 

 " الرواية التي كسرت الرقم القياسي في المبيعات – الغارديان"

 هذا ما تقع عليه عينا القارئ على غلاف الرواية التي وصفت بأنها الأعلى مبيعا على موقع أمازون لعام 2015، والحاصلة على جائزة اختيار قراء الغودريدز لنفس العام. والأفضل مبيعاً في العام 2016 في إنجلترا وأمريكا، بيع منها 15 مليون نسخة في مختلف أنحاء العالم من الرواية. وترجمت الى 42 لغة.

 ترجمها للعربية الحارث النبهان. هذا النجاح للرواية دفع المخرج ستيفن سبيلبرغ لشراء حقوق تحويلها الى الشاشة الكبيرة، بفيلم يحمل اسم الرواية من بطولة البريطانية إيميلي بلنت. وحقق أرباح تجاوزت أربعة أضعاف ميزانيته المدفوعة. 

 ملخص الرواية: 

الرواية صيغت بطريقة الراوي غير الموثوق به، لتستمر في جذب القارئ وتتركه فريسة للتخمينات والتوقعات حتى النهاية. استخدمت الكاتبة الصوت الأول أو ضمير المتكلم، للنساء الثلاث التي تدور الرواية على ألسنتهن أو من وجهات نظرهن، لنعرف في كل مرة جزء من الحقيقة من وجهة نظر كل واحدة منهن. ولدى كل واحدة منهن ماض مضطرب، وقصة حزينة، حيث تبرع الكاتبة في تصوير هذه الانفعالات. 

 تبدأ الرواية على متن قطار حيث نتعرف على البطلة الرئيسية للرواية، راشيل، امرأة شابة مطلقة ومدمنة على الكحول، تستقل القطار مرتين يومياً في رحلتها بين لندن وضواحيها، تنطلق صباحاً في الثامنة واربع دقائق من إحدى ضواحي لندن، حيث تقيم، إلى قلب العاصمة البريطانية لندن، وتعود به الى منزلها عند الخامسة وست وخمسين دقيقة مساء. تجلس دائما في المكان عينه، جهة النافذة. 

خلال فترة توقف القطار عند الإشارة الضوئية تتأمل من مقعدها منزلاً جميلا غير بعيد عن خط القطار، يقطنه رجل وامرأة، وخلال رحلتها اليومية، ترسم في مخيلتها قصة للزوجين الرائعين الذي تراقبهما من نافذة القطار كل صباح عندما يتوقف القطار عند تلك الإشارة الضوئية، فتنظر للزوجين وهما يتناولان إفطارهما على الشرفة. صارت ترى حياتهما كاملة، حياة غير بعيدة عن حياة خسرتها منذ وقت قريب، فهما يعيشان قريباً من الشارع الذي يسكن فيه طليقها توم وزوجته الجديدة آنّا. ثم ترى ما يصدمها. 

مرَّت دقيقة واحدة قبل أن يتحرك القطار لكنها كانت كافية لتتحطم صورة الزوجين المثاليين، وفي اليوم التالي تقرأ عن اختفاء الزوجة وتعرف أنها تدعى ميغان وزوجها سكوت. تغيّر كل شيء الآن. لم تستطع راشيل كتم ما رأته فأخبرت الشرطة وصارت مرتبطة بما سيحدث بعد ذلك ارتباطاً لا فكاك منه مثلما وجدت نفسها مرتبطة بكل من لهم علاقة بالأمر، وتتخوف راشيل من إمكانية أن يكون لها يد في اختفاء ميغان، فهي كانت ثملة للغاية في ليلة الاختفاء، ما يجعلها عاجزة عن تذكر ما الذي فعلته خلالها، أو إدراك لماذا انتهى بها المطاف في الصباح مُثخنةً بجروح وكدمات بالغة. وبعدها تبدأ رحلة كشف حقائق، وأسرار قديمة، وجرائم، وشخصيات مزيفة.

 تظل راشيل تجاهد مع ذاكرتها لتعلم ما حدث يوم اختفاء ميغان وخاصة بعد عثور الشرطة على جثة ميغان، لتدرك انها اخر من رآها حية، لكن ذلك يستغرقها فترة طويله لاستعادة الوقائع، لأنها للأسف تستمر في الشرب بطريقة تفقد الآخرين الثقة بما تقول. 

 وتنتقل الكاتبة الى حياة راشيل، تلك الحياة البائسة لمن ادمنت على الكحول، لمن خانها زوجها و تركها وحيدة رغم حبها له لأنها لا تنجب، وزواجه من عشيقته آنا وجلبها لتعيش في بيت راشيل، ذلك البيت الذي اسسته مع زوجها. وينتقل صوت السرد بلسان ميغان، التي تختلف في حقيقتها عن الإطار الذي رسمته لها ريتشل كزوجة مثالية، ليتكشف لاحقاً أنها تمتلك سراً مريعا، لكن المؤلفة تتعمد تضليل القارئ بخصوص الرجل الآخر في حياة ميغان ولا يكتشف القارئ ذلك إلا قبل نهاية الرواية. 

كما يروى جزء من الرواية على لسان آنا التي تتزوج سكوت بعد طلاقه من راشيل. وهي لا ترى أي سوء في خطف زوج من زوجته، وتعتبر انها تفتن الجميع، تستطيع سرقة أي رجل من زوجته و حياته لأنها فقط جميلة، وتبرر لنفسها ما فعلته: “كنت مستمتعة بهذا، بل أحببته في حقيقة الأمر. لم أشعر بأي ذنب أبداً. كنت أتظاهر بأنني أشعر بالذنب"، وتظل تكيل الشتائم البشعة لراشيل عندما يصور لها خيالها أن راشيل تريد إفساد زواجها. 

 وهنا نأتي للفكرة الأساسية في الرواية: الواقع، ومدى سهولة التلاعب به، وكيف ترفض بطلات الرواية الثلاث راشيل وميغان وآنا تقبله. وعبر صفحات الرواية تنجح الكاتبة في تضليل القارئ لتثبت لنا أن في هذا العالم لا شيء يبدو كما هو في الواقع. 

 تتناول الرواية عدد من القضايا الحساسة مثل: الخيانة الزوجية، التوهم والتلاعب بالآخرين وبمشاعرهم، الإدمان الذي يدمر حياة الناس فهو مجرد وسيلة للهروب من مواجهة الحقيقة، وتصور ببراعة كيف يرفض المرء قبول الواقع ويتمسك بالآمال الكاذبة والزائفة، ويصل الأمر كما حدث لبطلة الرواية والتي قبلت إذلال نفسها على أمل أن تستعيد زوج لم تعترف بحقيقته البشعة، وفضلت خداع نفسها. تلاعبت الكاتبة بالزمن في الرواية، فتارة يُقدم وتارة يُؤخر، وذكرت تاريخ الجدث في أعلى كل فصل. 

وتميزت الرواية بوصف التفاصيل الدقيقة للألوان والروائح مما يسهل للقارئ رسم المشهد بخياله وكأنه يراه بوضوح. كما أعطت كل شخصية حقها ووصفت دواخل كل شخصية بدقة. لكنها ركزت كثيرا على شخصية راشيل. الشخصيات الرئيسية في الرواية كلها إناث بما في ذلك المحققة في قسم الشرطة. 

لكن تلك الشخصيات جميعها اتصفت بالسلبية المفرطة. ريتشل مطلّقة ترفض تقبُّلَ حقيقة أن زوجها كوّن عائلة جديدة، وما زالت تلاحقه. هي أيضاً عاطلة عن العمل بعد طردها من وظيفتها. ومدمنة على الكحول. 

ميغان الشخصية الشريرة تسعى لتدمير من يهجرها أو يؤذيها. تقريباً لا صفة إيجابية باستثناء الجمال، تخون زوجها وتعاني من مشاكل نفسية وماض مرعب. 

آنا لا تتورع عن خطف زوج من زوجته. المحققة شخصيتها بغيضة ومتسرعة في حكمها على الأشخاص ولا تتصف بالحكمة. 

كما أن الرواية تحتوى على الكثير من التلميحات الجنسية وغريبة الأطوار أحيانا، وكأنها كتبت لتتحول إلى أحد أفلام الإثارة والتشويق التي تزدحم بها الشاشات. 

المؤلفة بولا هوكينز: ولدت الكاتبة البريطانية باولا هوكينز، ونشأت في زيمبابوي واستقرت في بريطانيا ابتداء من عام 1989، لتشغل حالياً منصب نائب المحرر المالي في «ذا تايمز» بلندن. 

المترجم: الحارث النبهان مترجم سوري مقيم في بلغاريا، ولد في دمشق عام 1961.

 بدأ عمله في الترجمة عام 1991م، وترجم الكثير من المؤلفات عن اللغة الإنجليزية من أبرزها رواية 1984 لجورج أورويل. 

وإليه يعود الفضل في إيصال كتب ثمينة شهيرة على صعيد العالم إلى القراء العرب. ونوعية الترجمة ملفتة للنظر لم تعد الكتب المترجمة بلغة صعبة الفهم وعبارات غريبة، بل ترجمة سلسة وكأن اللغة العربية هي لغة الرواية. وهذا تطور إيجابي في لغة الترجمة يحسب للمترجم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيلم Alpha

الصمت عار

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل