رواية جميلة وعميقة ...تزداد جمالا كلما توغلت فيها حيث تتضح ملامح الشخصيات والأحداث.
السرد ممتع ينطلق من الحاضر للماضي ذهابا وعودة...
يتناوب السرد على لسان أربع شخصيات فيتعرف القارئ على حقيقة الأحداث من وجهة نظر كل شخصية...
لا يتدخل الكاتب في السرد للشرح أو للتوضيح...
أسلوب السرد يدفع القارئ للتعاطف مع الشخصيات دون أن يقع الكاتب في فخ توجيه نصائح أو تبرير ما يحدث أو توجيه أصابع الاتهام لأي طرف...
فالأمر متروك للقارئ...
توجه الرواية نقدا لاذعا للنظام الشيوعي، وتكشف آثاره المدمرة على حياة الأفراد دون التورط في خطاب مباشر ...
يتميز أسلوب كونديرا في الرواية بالعمق الفلسفي والسخرية اللاذعة، مما يجعل الرواية تجربة قراءة غنية ومثيرة للتفكير في نقاط كثيرة منها على سبيل المثال:
- كيف تتحول السلطة إلى أداة قمع وانتقام بأيدي الأفراد.
- أثر الماضي في حياة الاشخاص على حاضرهم ومستقبلهم.. فنرى من خلال لوسي أو لودفيك كيف تأثرت حياتهم بسبب الماضي...
- محاولة التغلب على الذاكرة المؤلمة والتعافي من الرغبة بالانتقام..
ترينا الرواية كيف يمكن لنكتة أو مزحة عابرة أن تغير حياة شخص وتعرقل حياته في وجود سلطة ديكتاتورية...
الشخصية الرئيسية لودفيك يعود لمسقط رأسه، ويستعيد ماحدث له في حياته بسبب مزحة غيرت حياته في بداية الخمسينات رغم أنه كان يدعم النظام الشيوعي، لكنه عاني من خيانة الاصدقاء وطرده من اللجنة والحزب بسبب مزحة...
فكانت لحظة ارتفاع أيادي مئة من زملائه للتصويت ضده، لحظة مرجعية لنظرة متشائمه وشاكة في الأشخاص والعالم... لحظة تحول أساسية في نظرته للدولة والنظام الذي كان يؤمن به...
يتعرف على لوسي التي يتعلق بها لكنها ترفض أي علاقة جسدية ، ولا يفهم ما هي دوافعها فيغضب ويطلب منها الابتعاد عنه...
يقابل الصحفية هيلين وعندما يعرف أنها زوجة عدوه أو صديقه الذي تسبب بطرده من الحزب يقرر الانتقام منه بمعاشرة زوجته...
يشعر بالخيبة عند معرفته أن علاقة زيمانيك انتهت مع زوجته وهو الآن على علاقة بامرأة أخرى...
تتعقد الأمور لأن هيلينا تقع في غرام لودفيك..
وهكذا تتقاطع مصائر الشخصيات بطريقة عجيبة ...
أحداث الرواية تدعو القارئ للتفكير في حقيقة الحياة ، وفلسفة الحياة والموت والانتقام والتسامح...
من اللمسات الجميلة في الرواية أن يتعرف القارئ على المهرجان الشعبي المورافي الذي يتم في الربيع ... ويتعرف على جزء من تاريخ الموسيقى في البلاد وكيف تشوه الدولة ذوق الناس....
بطل الرواية يرى أن الأخطاء في التاريخ ليست استثنائية بل هي القاعدة...ويصل لقناعة بعدم جدوى التصحيح بالانتقام لأن كل شيء معرض للنسيان ولا قيمة له بالنسبة للأجيال الجديدة...
الرواية تعرضت للحظر عندما غزا الاتحاد السوفيتي تشيكوسلوفاكيا لسحق ربيع براغ، وكانت الرقابة من قبل قد منعت نشرها ...
وضع الكاتب في الرواية مراجعاته الفكرية والايديولوجية لعقيدته الماركسية اليسارية، وقرر بعدها أن الحياة مجرد مزحة ...
صدرت الرواية قبل أن يفصل كونديرا من الحزب الشيوعي بخمس سنوات...
فر الكاتب إلى باريس بعد يأسه من إحداث أي إصلاحات للنظام ...وسحبت منه جنسيته التشيكيه.