المرأة وصناعة السلام

هل اختفى السلام من حياتنا لأن المرأة أختفت من الحياة العامة واقتصر دورها في الغالب على ممارسة دور الزوجة والأم؟ 

يبدو أن الحياة لا تستقيم عندما يتصدر المشهد جنس الذكور فقط، الحياة تستلزم أن يلعب كل من الجنسين دوراً في هذه الحياة، لأن أدوار النساء والرجال هي في الأساس تكاملية على هذا الكوكب. 

 من منا لم يسمع بالمثل الشعبي الشهير: " لولا سعيدة لبيت ردم مازد بقي ردمي" ... قصة المثل تحكي عن امرأة حكيمة تدعي سعيدة، كانت تعيش في منطقة بيت ردم، وحدث ذات يوم أن اختلف رجال القرية وتطور الأمر للمواجهة بالاسلحة، لكن سعيدة شعرت بالقلق لعلمها أن القتال بين الطرفين سيؤدي لا محالة لمذبحة عظيمة، فقررت أن تحول دون وقوع ذلك، فصرخت محذرة لقومها بأنها رأت عسكر الترك يقتربون من القرية، فخاف الرجال على حياتهم من تعسف عساكر الترك فتفرقوا، وبهذه الحيلة أنقذت سعيدة حياة رجال قرية بيت ردم، أدرك أهل القرية ماقامت به سعيدة...فخلدوا ما فعلته تلك المرأة الحكيمة وصانعة السلام بمثل شعبي ...

شاع ذلك المثل حتى يومنا، ولم يكتف أهل القرية بذلك بل أطلقوا اسمها على بئر شهيرة في القرية لاتزال تحمل اسمها تكريما لها لأنها أنقذت رجال القرية من نشوب معركة محتملة. نعم المرأة هي صانعة السلام، لأنها بطبيعتها تنفر من القتال والحروب. وبحكمتها تستطيع أن تجعل السلام واقعا معاش.

 وتذكر لنا آيات القرآن الحكيم قصة صانعة السلام، رغم أنها تملك جيش قوي على استعداد لخوض المعارك بإشارة منها لكنها فضلت السلام، إنها ملكة سبأ التي لم تتعامل مع تلك الرسالة التي وصلتها من الملك سليمان بغرور وتعال، ولم تورط جيشها في حرب لا يعلم إلا الله عدد ضحاياها. بل تعاملت مع الأمربحكمة. هل يحق لنا أن نتساءل، ماذا لو كان مكانها ملك رجل كيف كان سيتعامل مع رسالة الملك سليمان؟ لكننا أمام ملكة تستشير قومها، ولا تستسلم لإغراء العظمة والاستبداد بالرأي، وتقنع قومها بنبذ الحرب رغم قوتهم واستعدادهم العسكري لمواجهة أي تهديد، وتفضل أن تتعامل مع الأمر بكثير من التروي والحكمة. 

ولكن ذلك المجتمع الذي حكمته امرأة هل يشبه مجتمعنا اليوم؟ 

نستطيع أن نسترسل في التساؤلات أكثر:

أي مجتمع هذا الذي يسمح للمرأة أن تحكمه، نعم، أي مجتمع هذا؟ 

وأي ثقافة تحكم هذا المجتمع؟ قد يقول قائل، نحن نعيش في مجتمعات تحكمها العقلية الذكورية التي تنظر للمرأة بدونية، وترى مكانها الطبيعي في الصفوف الخلفية، ولا تجد لها مكان في بناء المجتمع، لهذا يتم اقصاء المرأة عن معظم ميادين المشاركة مع الرجل في بناء المجتمع.

 المجتمع الذكوري الذي يجعل المرأة دوما في الصفوف الخلفية، هو مجتمع يربي الأنثى الاتكالية التي تفقد ثقتها بنفسها وتحتاج دوما لمن يمسك بيدها، ويقوم عنها بأمورها، فتعيش عالة على غيرها بحجة تكريمها وصيانتها. وهنا يحدث الخلل في المجتمع. ان تحرر الرجل من قيود التقاليد البالية المخالفة لروح الدين السليم، هو المفتاح لتحرر المرأة، وهو البداية الصحيحة لتلعب المرأة دورها الايجابي في المجتمع. ورغم ما تبذله بعض النساء من مجهودات كبيرة ليكن لهن دور إلا أن المجتمع لا يقدر تلك الأدوار، واعتدنا أن تكون مشاركات المرأة رمزية ودعائية ، ولا ينظر لها بنظرة جادة، بل تتم من باب المجاملة وجبر الخواطر. واعتباره مجهود لا قيمة له. 

مجتمعاتنا تعاني من الخلل ، وستتعافي عندما يعاد النظر في كثير من الأمور، ومنها دور المرأة في المجتمع، وعندما تصبح المرأة مؤثرة ستلعب دورها الحقيقي بإعادة التوازن للحياة التي أصابها الخلل. فهل يجرؤ مجتمعنا أن يسمح للمرأة أن تلعب دور مؤثر ورئيسي؟ وهل تستطيع المرأة الخروج بثقة واثبات أنها جزء من هذا المجتمع ومن حقها أن تشارك في عودة السلام والحياة الطبيعية، دون خوف ولا وجل. فالمجتمع الذي يحكمه الذكور هو مجتمع أكثر عرضة للحروب والقلاقل، وهذا ما نلاحظه بوضوح، فكلما كانت المرأة في الصفوف الخلفية كلما كان المجتمع أكثر ميلا للقتال والنزاع.

 بنظرة سريعة للمجتمعات اليوم نستطيع تأكيد هذا. مشاركة المرأة في شتى جوانب الحياة يجعل المجتمع أكثر استقرارا وميلا للسلام. ولكي نصنع في اليمن سلام ، نحن بحاجة لأن يفسح لها المجال للعب دورها الفعال والحقيقي في بناء المجتمع، ونشرقيم التسامح السلام. المرأة تميل للسلام لأنها المتضرر الأكبر من الحروب والنزاعات، وهي أولى ضحايا الحروب، فهي التي سيلقى على عاتقها مسؤولية تربية الأبناء بعد وفاة الأب في ميادين القتال، أو تعرضه للإعاقة. 

وهي التي قد تتعرض للتشرد والضياع. لا حل إلا برفع الوعي الحقيقي بين أفراد المجتمع، فمن حق المرأة التي هي الضحية الأولى للحروب أن يكون لها صوت مسموع في صناعة السلام وهذا يتم عبر تعديلات قانونية تمكن المرأة من لعب دور فعال في صنع السلام . ولكن هل نستطيع القول -أيضا -ان المرأة تشارك في غرس كل القيم السلبية في المجتمع لأنها هي من يربي الرجل ...وهي من تغرس قيم المجتمع الذكوري في عقليته. وهذا تناقض صارخ، وأسبابه معقدة ومتشابكة وقد يقودنا لعقدة استوكهولم مثلا. وهو نتيجة طبيعية للأمية التي تعاني منها المرأة ...

وكما قال بيت الشعر المشهور: الأم مدرسة إذا أعددتها ...

 فالسر يكمن في عبارة أعددتها!!! 

وإذا أردنا تصحيح دور المرأة في المجتمع فعلينا معالجة عقل الرجل أولا، وعقل المرأة ثانياً. تقف أمام لعب المرأة دور في صنع السلام عقبات: أهمها ثقافة المجتمع التي تميز ضد المرأة. عقلية الرجل الذي يرى أن المرأة في مرتبة أدنى منه وأنها لا تصلح للعب أي دور في خدمة المجتمع ومكانها الحقيقي هو البيت.

 وهناك التشريعات والقوانين التي لا تنصف المرأة ولا تساويها في الحقوق والواجبات بالرجل. والشيء المثير للجدل أن هناك من يظن أنها قوانين مستمدة من روح الشريعة الإسلامية لهذا لايمكن المساس بها. وفي مجتمع نسبة الأمية بين أفراده أكثر من50% ماذا نتوقع من امرأة تعاني من التهميش وفقدان الثقة بالنفس والجهل بقيمتها وتأثيرها على المجتمع...

هذه المرأة ستسهم في ترسيخ ثقافة مجتمعية غير سليمة، وستغرس قيم تتنافى مع مبادئ السلام في المجتمع. الطريق للسلام يحتاج أن نعمل الكثير من أجله، فهو طريق غير معبد. طريق شائك، لكن مشاركة المرأة في تعبيد هذا الطريق سيعجل بالوصول وتحقيق الهدف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيلم Alpha

الصمت عار

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل