قراءة لرواية كوتسيكا لغادة العبسي:

 تتناول الرواية أحداث تواجه الشخصيات على امتداد فترة زمنية طويلة من حكم الخديوي توفيق تقريبا من عام 1882، حتى قيام ثورة يوليو 1952 وبداية حكم العسكر، الذي عملوا على تشويه التاريخ السابق ووصفه بالعهد البائد...

تبدأ بداية مشوقة جدا:

 "جايه تعملي إيه في الدنيا يامره!!"
العبارة الموجهه للوليدة الأنثى التي انزلقت للتو من رحم أمها لكف شوقة التي تعرف أن الأم تنتظر مولود ذكر يلخص كثير من ثقافة المجتمع ومكانة المرأة فيه ونظرة المرأة الدونية لذاتها ولبنات جنسها ...
الرواية تتناوب فيها الفصول بين عائلة مصرية وأخرى يونانية عائلة تيوخاري كوتسيكا الذي تسرد الرواية كيف تحول لأحد أغنياء الجالية اليونانية وأنشأ أول مصنع كحوليات في منطقة طره ...
عبر تلك الفصول نتعرف على الشخصيات المصرية واليونانية وظروف حياتها،أفراحها، وأحزانها،وأساطيرها، وتأثير الأحداث السياسية في تلك الفترة على حياة شخصيات الرواية. 


تتناول الرواية الوجود اليوناني في مصر ووجود جاليات أجنبية أخرى وتعايش اليهود مع المسيحيين والمسلمين في بلد واحد...وأدوار تلك الشخصيات في تأسيس الاقتصاد والصناعة ودور بريطانيا لتدمير كل ذلك ...بريطانيا، التي تبرع بزرع المؤامرات وافساد حياة الشعوب الأخرى، لاحتلال الإسكندرية وكل البلد ..

تنتهي الرواية بمشهد البلد بعد طرد وخروج الأجانب من البلد ، وشوق شخصيات الرواية اليونانية للأيام التي عاشوها في مصروذكرياتهم فيها.


الرواية بها لفتات جميلة مثل عشق عبد العليم للسيدة أم كلثوم ودورها الفني في حياة الناس .


الجانب السلبي في الرواية يظهر من تحول اللغة الأدبية في بعض الفصول للغة تقريرية صحفية تسرد بشكل مختصر مصائر الشخصيات بشكل موجز...
حكاية مأساة وتفاصيل قصة الطفولة المحزنة للفنانة الأمريكية كانت محشورة في الرواية.
وكذلك الفصل قبل الأخير عن أحمد عبود باشا كان فصل يشبه تقرير صحفي عن فساد شخصيات مؤثرة في سياسة البلد.

الفصول الأخيرة كان التركيز على الأحداث السياسية وحجم الدمار الذي حدث في البلد على حساب الحبكة الروائية ومصير الشخصيات واختفاء الحوارات لأن هناك استعجال للوصول للنهاية ...عدد الشخصيات والفترة الزمنية الطويلة التي تغطيها الرواية كانت تحتاج أن تكون الرواية أكبر ...٣٧٥ صفحة لم تكن كفاية للرواية ...
وبمقارنتها مثلا بما كتب نجيب محفوظ الذي احتاج لأن تكون الرواية ثلاثية لتغطية فترة زمنية أقل دون اللجوء للاختصار والاسراع في رواية ما حدث للشخصيات ...
لكن الرواية تظل عمل جميل حاولت رصد الوجود اليوناني والتسامح الذي كان بين الناس من خلال شخصية سمعان اليهودي المصري وانطوان المسيحي المصري وشخصيات مسلمة مصرية إلى جانب شخصيات يونانية ...صورت الرواية العلاقات الطبيعية بين الجميع والدور البشع للسياسة في تدمير الاقتصاد وحياة الناس...

تستثمر الرواية الأساطير اليونانية والفرعونية في حياة الشخصيات......والنصوص الدينية المختلفة ...فهناك التبرك بالصالحين والسحر والتعاويذ لجلب الحظ وفك اللعنات....الرواية فيها تساؤلات دينية وايديولوجية وعرقية.

ترصد الرواية كيف تدمرت حياة الناس عند مهاجمة محلات اليهود في مصر واختفاء سمعان والتحايل لنهب ممتلكات الاجانب...وخروج الأجانب في فترة المد القومي العربي...
رصد رائع لكن الفصول الأخيرة ركزت على الأحداث أي ما حدث...وابتعدت عن سرد أو رصد أثر ذلك على مشاعر الشخصيات ...

كوتسيكا هو اسم العائلة اليونانية، والذي تحمله اليوم إحدى محطات المترو في منطقة طره ...محطة كوتسيكا.

غادة العبسي: 

هي كاتبة وطبيبة مصرية وعملت كصولسيت في دار الأوبراء المصرية. نُشر لها عدد من الروايات والمجموعات القصصية. 

 


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيلم Alpha

الصمت عار

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل