طلاب الجامعات الأمريكية وحصار غزة

 الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية أعاد إلى ذهني حراك طلاب جامعة صنعاء في العام 2011، عام الربيع العربي.
هل هناك تشابه؟
عدد من الطلاب يتبنون قضية عادلة ويحملون شعارات وينادون بعبارات توضح موقفهم.
حراك سلمي، لا يتبنى وسائل العنف.
لكن هذا الحراك لايروق للسلطات بالجامعة، فيتم استدعاء قوات الشرطة التي تتعامل مع الطلاب بوحشية...
تلك الوحشية تفشل في إيقاف الحراك الطلابي لأن التعاطف معهم يمتد لجامعات أخرى، وعدد من أعضاء هيئة التدريس ينضمون لدعم الطلاب وحمايتهم.
من المدهش متابعة القضايا التي تثار والشعارات التي ينادون بها.
الحرية لغزة بعد مرور كل ذلك الزمن من يوم 7 أكتوبر، يعني أن الطلاب خرجوا بعد التفكير المتأني وفهم أن هناك ظلم حقيقي يقع يتابعونه بالصوت والصورة، بعد تجاوز كل مغالطات الإعلام الرسمي والخاص الذي يذيع ما يناسب مصالح القوى المسيطرة...
فهي إذا ليست حركة عاطفية متسرعة أو حركة تجد دعم من قوى سياسية مناهضة للحزب الحاكم...

 
ما يحدث هو إعادة نظر في كل سياسات أمريكا الدولة العظمى الراعية للديمقراطية في العالم من مبنى جامعة تتبنى نقاش شتى القضايا بحرية وتعود الطلاب على ذلك الجو من الحوار الحر في قاعاتها...
يكتشف الطلاب حجم الخداع، وهم طلاب جامعات مرموقة يعتمدون على المصادر الصحيحة والموثوقة للخبر...
يبدأ النبش في حقائق التاريخ، وحقيقة الصراع العربي الإسرائيلي وحجم الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني...
تتشعب المواضيع للكشف عن تغلغل الصهيونية في المؤسسات الأمريكية في بلد يؤمن أفراده بأن بلدهم ديمقراطي وحر ليكتشفوا الفاجعة...
تبدأ حقائق الدور الإستعماري الأمريكي في العالم وحجم التدخل الأمريكي في قمع الحريات ودعم الديكتاتوريات وحجم الخداع الإعلامي الأمريكي للشعب الأمريكي ...
تتساقط أكذوبة العداء للسامية عندما ينضم اليهود ويؤكدون أنهم ضد الظلم ولا يسعدهم أن تتكرر مذابح ومجازر كالتي حدثت سابقا على أيدي النازية ...
المواطن الأمريكي الذي يظن أن بلده هي الأفضل لأنها بلد الحريات والديمقراطية والتعايش مع الجميع يكتشف أن كل ذلك خداع فالطالب الأمريكي الذي يرفع صوته ضد الظلم ستأتي القوات الخاصة لتكبيله والتعامل معه بقسوة وعنف ويكتشف أن الفرق بين بلده وأي بلد ديكتاتوري من دول العالم الثالث يضيع ويتلاشى...
من متابعة ما يحدث وينشر نجد الفرق بين حراك في عالم يؤمن بالعلم والفكر والبحث العلمي ..حيث التفكير العقلاني الذي يستند لحقائق وقيم وليس مندفعا متسرعا عاطفيا يمكن تحويل مساره بخطاب عاطفي خاصة الخطاب الديني الذي يلغي أي تفكير حر ويتم السيطرة على أفكار من خرجوا بتغيير أهدافهم دون أن يدركوا ذلك ويتم توجيه كل مشاعر الغضب والإحباط تجاه شخصيات معينة، شخصنة الوضع فيصبح عفاش مثلا ومن قبل الإمام الكهنوتي، هو الهدف، فتلصق به كل العيوب ويصبح الهدف الأسمى هو الخلاص منه فحسب...
يضيع الهدف الذي يسعى لوقف الظلم والطغيان وإحلال العدل ويصبح الهدف التخلص من ذلك البعبع الطاغية المتخلف...
وتبدأ تنسج الأحلام بالعالم المثالي الذي سيتحقق بعد الإطاحة بالطاغية ويأتي النظام البديل العادل ...
أصوات سقوط النظام تحصر النظام بالحاكم وأعوانه فهم النظام وهم الظلم والتخلف، ويكتشف الناس بعد سنوات أن ما خرجوا لأجله لم يحدث لكن لا يسمح لهم بالتعبير عن ذلك لأن من يتجرأ على نقد أوضاع الظلم والتخلف الجديدة سيتهم بالخيانة والعمالة وقد يختفي من الحياة ببساطة.
لكن ما يحدث هناك في أمريكا مختلف.
مختلف بحجم الدور الذي تقوم به الجامعات ويقوم به التعليم في الأساس...
وهو الدور المفقود عندنا..

 
ما يحدث اليوم في أمريكا هو خطوة أولى لتغيير كبير قادم، تغيير سيتم على أيدي من يعلمون أن التغيير لايتم بين ليلة وضحاها، تغيير يبدأ على ايدي جيل وينتقل لجيل آخر يملك الصبر والشجاعة على قيادة التغيير الذي سيحرر النظام من كل قيود الأسر لأي جهات تملك مصالح في بلد يرفض غالبيته أن يجد المواطن نفسه ممنوع من التعبير عن رأيه ...
يرى قيم الديمقراطية تنتهكك...يعيش قيم المواطنة واقعا لا بخياله ويرفض بقوة أن يحرم منها مهما كانت الأسباب ...
فالوقوف مع غزة المحاصرة هو وقوف مع قيم الحرية والحق بالحياة العادلة... أي هي قيم لا تقبل النقاش ولا المغالطة والتمييع ولا ذلك النوع من الترهيب عبر مصلحة عليا للوطن وغيرها من الخزعبلات ...
مواطن يجد من حقه أن يسأل الحكومة أين تذهب أموال الضرائب التي يدفعها ويقال له أنها تذهب لدعم قيم الحرية والديمقراطية في العالم ...
الشعب المتعلم تعليم حقيقي يصعب مغالطته بعد أن يكتشف الزيف والخداع ولا يخضع للقوة القاهرة للحكومة التي يؤمن أن دورها حمايته وتحقيق أهدافه وليس أهداف ومصلحة طبقة الحكم ورفاقها..
الأمر ليس سهلا ..
فالحياة صراع دائم ...


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل