رواية رافيلا لعبد الكريم الشهاري

 

في رواية رافيلا للكاتب عبد الكريم الشهاري يختلط الخيال بالواقع ...
لا نستطيع أن نطلق عليها وصف رواية تاريخية لأن سرد الأحداث فيها يتم بطريقة مختلفة يتداخل فيها الحقيقي بالخيالي...
 
شخصيات من الواقع وأخرى لست بشرية تلعب دور في التأثير على أحداث التغيير.
تلك الشخصيات لها أهداف وتملك القدرة على تغيير واقع الناس...
 
ولأن كثير من أحداث تاريخنا يبدو كأنه اغرب من الخيال ويصعب تصديق أحداثه ففكرة أن يكون من تدبير الجن أو مخلوقات أسطورية تعيش في عالم مواز لعالمنا لكنها تملك القدرة على التنكر بهيئة البشر والاختلاط معهم لتحدث التغيير الذي تريده يكون مقنعا ...
خطر ببالي رواية المعلم ومارغريتا للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف.
هذه الرواية قبل أن تنشر حذف منها الكثير تقريبا 12% منها، بسبب تحفظات السلطة على ما جاء فيها كما حذف منها اللغة البذيئة والفظة.
والرواية الروسية تتحدث عن زيارة الشيطان لموسكو متنكرا بهيئة بشرية.
اعتبر النقاد أن الرواية تمثل هجاء لفترة حكم ستالين، ونقدا قاسيا للماركسية رغم التخفي الذي صنعه الكاتب واللجوء لشخصيات غريبة وعالم السحر الأسود لكن ما يخفيه الكاتب رأوه واضحا أمامهم أو هكذا خيل إليهم. 
 
وفي رواية رافيلا تظهر شخصيات ليست بشرية تتآمر ونسمع خططها التي تتعارض مع حياة البشر تحديدا في اليمن...فيختلط الواقع بالخيال ويكون الجزء الخاص بالشخصيات الخيالية هو الأكثر جذبا...
وتسلسل الأحداث يبدو فعلا كأنه من صنع الجن ومخلوقات أسطورية تعصف بكل شيء بالبلاد لينتج ما نراه ونعيشه.
 

 

كتاب: اليمن حقائق ووثائق عشتها 1962- 1974 الجزء الثاني - لسنان أبو لحوم

 

ما يميز كتاب: اليمن حقائق ووثائق عشتها 1962- 1974 الجزء الثاني، أنه معتمد فعلا على وثائق، رسائل بخط يد من راسلوا كاتب المذكرات...
المعلومات كثيرة في كتاب أفرد فصلا كاملا لكل عام من الأعوام الثلاثة عشرة التي يحتويها الكتاب بصفحاته ال 489...
إضافة إلى 311 صفحة للوثائق من برقيات ورسائل وهناك ملحق للصور ...
يقول في المقدمة إنه تحرى نقل الحقائق كما جاءت في الواقع بدون ميل أو تدخل وأيد كل واقعة بوثيقة يشير إليها...
كل من يكتب يساهم في توضيح جزء من الصورة خاصة من يحاول التزام شيء من الموضوعية، لأن القارئ سبجد أمامه أحداث تروى بحسب رأي الكاتب ومن زاويته....
يستطيع القارئ أن يحصي عدد الحكومات التي تشكلت في كل فترة ...
 
تجربة حكم بنظام جديد ...
هل نسميها ديمقراطية! رغم السجون والاعتقالات !!
على كل حال هي تجربة وليدة ... أخطاء وتعثر وهذا طبيعي...ولكن للأسف لم يتعلم أحد من أخطاء تلك المرحلة ...يبدو واضحا ألا أحد يهتم بالقراءة والتحليل ...
كل من يأتي يظن أنه فريد من نوعه ولا تجري عليه السنن...
الانقلابات في هذا الجزء سلمية ...
تغير السلال وجاء الإرياني وبعدهما جاء الحمدي كلها انقلابات سلمية ...
شخصيات تزعل وتحنق وتحتج وتعود للسلطة ...
 
هناك نقاط إيجابية لتلك الفترة كما جاء في الكتاب، فمثلا في عام 1971 :"هذه الفترة اتفقت مع بعض التجار على بناء عدد من المدارس على حسابهم"
يرصد سنان أبو لحوم المشاريع التي نفذت في محافظة أو لواء الحديدة لأنه كان في منصب المحافظ:
"
ومن أكبر المشاريع وأهمها، مستشفى الشهيد العلفي وبناء دار العجزة وإصلاحية الأحداث ومدينة العمال التي سلمنا الدفعة الأولى منها للمستفيدين من عمال الميناء في احتفال عيد العمال العالمي الأول من مايو عام 1974 بحضور الأخ رئيس المجلس الجمهوري وأعضاء المجلس الجمهوري ....."
في تلك السنوات كان الأهالي في كل منطقة مع التجار والمواطنين القادرين يساهموا في تمويل وإنجاز مشاريع مثل بناء المدارس، والجوامع ومستوصفات، وشق طرق ومشاريع مياه....
وفي العاصمة تشكلت لجنة لتحسين العاصمة لإن إمكانيات الحكومة محدودة فجاء المجهود الشعبي التعاوني لوضع خطط تعاونية لإصلاح الشوارع وعدد من المشاريع ...
الصراع على السلطة كان واضحا ...
فالاجواء متوترة وهناك اجتماعات لمحاولة حل النزاعات...
لكن دوما لا تنجح جهود المصالحة وتقريب وجهات النظر ...
ويظهر من يعمل بكل قوة لتغيير شخص من يحكم كأن ذلك التغيير سيحسم كل الخلافات ...
الخوف من أن الرئيس الإرياني يقرب الحركيين والبعثيين وغيرهم جعل المجموعة التي ترأسها الشيخ عبد الله تخشى على دستور البلد وكان الحل تغيير الرئيس...
 
ينتهي هذا الجزء عند بداية حكم الحمدي وهو حكم لا يختلف عما سبق كما يفهم القارئ...لأن كل شيء بقي بيد الحاكم ...كل كبيرة وصغيرة حتى الحصول على ترخيص لإصدار صحيفة تحتاج أن يوافق على الطلب رئيس مجلس القيادة مع توجيه لوزير الإعلام:
" لا مانع، على أساس الالتزام بسياسة الدولة الاعلامية"
قراءة هذا الجزء يثير عدد من الاسئلة:
كانت تجربة الحكم في النظام الجمهوري جديدة وتحاول السير في الطريق الصحيح رغم أنها تخرج عن ذلك الطريق وتتعثر لكن ما الذي حدث فتوقف المسير للأمام؟
يبدو واضحا أن هناك من لم يستوعب أن البلد تتسع لكل الآراء دون خوف طالما هناك قانون يلتزم به الجميع ...
ولكن أين هذا القانون؟
لا يزال كل شخص يظن أنه القانون وأنه الوحيد من يعرف مصلحة الشعب وعلى الجميع الخضوع له دون نقاش....
نتائج كل المؤتمرات بصراحة رائعة ...لكنها بنود لم تنفذ حتى اليوم.
الكتاب يستحق القراءة لمن يهتم بتوسيع زاوية الرؤيه لما حدث ...
 

 

رواية اختفاء - هشام مطر

 

تدور رواية اختفاء لهشام مطر حول اختفاء الأب...
بطل الرواية نوري يعيش في المنفى مع والده، الذي يختفي ذات يوم في ظروف غامضة ...
كان المخطط أن يلتقوا لكن الأب لا يعود ويظهر خبر في الصحف عن اختطافه من قبل النظام السياسي في بلاده ليبيا ...
الرواية أعادتني لما حدث لوالدي مع نظام سياسي ديكتاتوري يختطف الناس ويغتالهم دون حسيب ولا رقيب ...
 
السرد في الرواية على لسان الأبن الذي لا يستوعب حقيقة وابعاد ما حدث ...
الجميل في الرواية أنها تأخذ القارئ في رحلة مؤثرة في عالم غامض، مملوء بالألم، والخوف، وتطرح أسئلة عميقة عن معنى الوطن والانتماء والهوية ...
تتطرق لأثر الغياب المفاجئ للأب على حياة الأبن ...
 
لا وجود لتحليل سياسي لأن الراوي هو الأبن الذي لم يفهم سبب موت الأم ...
ولم يستوعب سبب اختفاء الأب بتلك الطريقة ...
حصلت الرواية على جائزة دبلن الأدبية ، فهي رواية تثير التفكير وتترك أثرا عميقا في النفس...
 
الرواية كما صرح مؤلفها ليست سيرة ذاتية بل عمل أدبي خالص يقدم رؤية فنية عميقة...
بكل تأكيد هشام مطر استمد الكثير من تجربته الشخصية لأنه لاجئ ليبي عاش في المنفى بعد تغير النظام في بلاده...
وكان والده معروف بانتقاداته للنظام الليبي ...
وقام النظام الليبي باختطاف والده ولم يعد ...
فالرواية إذا عمل أدبي ولم يعتمد الكاتب فيها على سرد قصته الشخصية بل يبدو واضحا أنه قدم عمل فني تجاوز فيه تجربته الفردية...
 

 

يوليسيس الجزء الرابع - جيمس جويس

 

انتهيت من قراءة ملحمة القرن العشرين كما جاء في غلافها الخلفي ...
جاء أيضا أن هذه الرواية امتحانا لقدرات القارئ على الصبر والجلد، فهل هذا صحيح !!!
في هذا الجزء الرابع والأخير حسب هذه الطباعة هناك الحلقات الثلاث أو الفصول الثلاثة...
الحلقة السادسة عشرة بلا عنوان.. حدث من قبل في الجزء الثاني أن غير المترجم عنوان الحلقة هنا لم اتأكد ...
الكاتب تقريبا يختار لكل فصل أسلوب سرد مختلف...هنا يستخدم أسلوب السرد القديم .
تدور الأحداث الساعة الواحدة صباحا، حول بلوم وستيفن الذي يلتقيان ويصطحب بلوم ستيفن لبيته...
وكالعادة سندخل ذهن بلوم ونعيش مع أفكاره ونعرف حتى عناوين الجرائد لذلك اليوم...وكذلك أفكار ستيفن فهو تارة يفكر بالكاتب المسرحي النرويجي إبسن وتارة يتذكر أبيات من أغنية لمسرحية تاجر البندقية واختيارات من الكتاب المقدس وأسماء عازفين وقادة موسيقيين...ومخترعين وعلماء فيزياء...
ونتعرف على أماكن بإيرلندا ...إشارات لعادات الكاثوليك بتحريم اكل اللحوم في أيام محددة .
تخليد للطب الشعبي ..تساؤلات ..إشارات لأغاني وقصائد وروايات أساطير وحكايات شعبية ...ومقاطع يشير المترجم لكتابتها بلغات أخرى: الروسية ...الإيطالية...الفرنسية، الإسبانية ...اللاتينية ...الألمانية
الإشارة لشركات تجارية ومعالم للمدينة ...ومطاعم وحانات، وحكايات عن الجوع الكبير بإيرلندا.
بعض الجمل تحوير لجمل في مسرحيات أو أغنيات شهيرة أو مقاطع من الكتاب المقدس.
هنا يفهم القارئ معنى أن يقرأ بهدوء وصبر ...لأن كل سطر يحيله لشيء آخر ...معلومات تاريخية أو أدبية.
 
اقتباسات:
"حيثما تكن الحياة الطيبة يكن وطني"
"كل إنسان يحصل على نصيبه من الحظ، كذا يقولون"
"الناس لا يعرفون حدودهم أبدا "
"لو أن كل بلد ، كما يقولون، وبلدنا التعيس من بينها، لديه الحكومة التي يستحقها"
"إذا نظرنا إلى الخلف الآن بطريقة تراجعية تدريجية فكل شيء يبدو حلما من نوع ما، والعودة بعد ذلك هي أسوأ شيء قمت به إطلاقا ومن نافلة القول إن السبب أنك ستشعر بأن وضعك غير صحيح لأننا نتغير مع تغير الزمن"
 
الحلقة السابعة عشرة تحمل عنوان إيثاكة والزمن الساعة الثانية صباحا.
يستخدم الكاتب أسلوب غريب ...أسلوب السؤال والجواب.
نعم ، فهذه الرواية عجائبها لا تنتهي ...
يشعر القارئ كأنه في المدرسة ومعلم لخص له الموضوع على هيئة أو بأسلوب سؤال وتأتي بعده الإجابة...
 
على سبيل المثال:
"مالذي يفكر به الرجلان؟
موسيقى، أدب، إيرلندا، دبلن، باريس، صداقة، امرأة، دعارة، تأثير الضوء، الغازي أو ضوء قوس المصابيح، في نمو النباتات المراقبة للشمس المتجاورة، صناديق الطوارئ المكشوفة لجمع النفايات، الكنيسة الكاثوليكية، التعزب الكهني، الشعب الإيرلندي، التعليم اليسوعي، الوظائف، دراسة الطب، اليوم الفائت، التأثير الآثم ليوم ما قبل العبادة ، انهيار ستيفن الصحي"
فصل من رواية بأسلوب السؤال والجواب!!
ويعرض جدول أو صف الميزانية ليوم 16يونيو 1904، فيتعرف القارئ ماذا أنفق بلوم في هذا اليوم بجدول المصروف والوارد...
وهذا يعزز من قناعتي بأن الرواية نوع من التوثيق لحياة شخص يعيش في مدينة دبلن في ذلك اليوم بكل تفصيلات اليوم ... وتوثيق لتاريخ المدينة وأهم مبدعيها وثقافة أهل البلد...في هذا الفصل الأسئلة تدور حول الحياة في المدينة والأسعار والصناعة ومشاريع المياه وغيرها من التفصيلات...التي تصل لمدينة القدس المباركة ومسجد عمر وبوابة دمشق ..."والمزمور: على أنهار بابل هناك جلسنا. بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون" والذي دفعني للبحث عن أغنية فرقة بوني إم التي غنت هذه الكلمات...
 
الحلقة السابعة عشرة التي تحمل عنوان بنلوب، هي مسك الختام.
هنا يشير الكاتب للوقت بلا ...فلا وقت هنا.
زوجة بلوم هي الراوي هنا، والسرد يأخذ شكل المناجاة...مناجاة أنثى كما أطلق عليها الكاتب... ثمان جمل ممتدة بلا تناسق ولا وجود للفواصل أو النقاط.
خلال 17 فصل كان الراوي رجل ، هنا أفسح المجال لصوت المرأة ، سنسمع رأي مختلف وربما مناقض للصورة التي تكونت لبلوم ...
هل خانت موللي زوجها فعلا ؟
شخصية موللي تبدو معقدة وأظن أن جويس ترك للقارئ حرية تفسير ذكريات موللي وأحاسيسها ...فالاتهامات تطال الزوج حسب رأيها ...وهي تعبر عن رغبات وأحاسيس وشعور بالغضب من تصرفات الزوج...
"كلهم يكتبون عن إحدى النساء في شعرهم"
الأسلوب هنا سلس ومختلف عن الفصول السابقة ...
 
في هذا الفصل يشير المترجم في الهامش بعد أن وضع كلمة ديوث التي يرى أنها وصف مناسب لزوج موللي...
لكنه في الهامش يوضح:
"ذكرت موللي خطأ الكلمة الإسبانية Coronado وهي تعني Cornudo"
توقفت عند تعبير المترجم أنها ذكرت خطأ، كيف ذكرت خطأ والكاتب جيمس جويس من النوع الذي يدقق كثيرا قبل اختيار أي كلمة...
المترجم هنا أدخل تعديل في صلب الجملة لأنه يظن أن موللي ترى زوجها ديوث لا يغار ...لكن الكلمة التي استخدمها الكاتب مما تعنيه: متوج ، مكلل أو شخص يتمتع بمرتبة عالية أو رجل دين تم ترسيمه... معنى مختلف تماما.
 
في الأخير: الرواية مختلفة، كل فصل له أسلوب سرد مختلف، يرصد الكاتب حركة بطل الرواية خلال يوم واحد حتى الثانية صباحا..
يجد القارئ نفسه غارقا في تفصيلات تربكه...
 
لكن لماذا بطل الرواية يهودي؟ هل هذا اختيار دون دلالة لكاتب يهتم بالمفردة ودلالاتها؟
هل يمثل بلوم رمز للهوية المعقدة ، والشعور بالغربة، فهو يهودي في إيرلندا الكاثوليكية... فجسد بلوم الصراع الداخلي الذي يريد الكاتب أن يعبر عنه!!!
هل أراد الكاتب أن يضيف بعد فلسفي حول الهوية والانتماء؟
 
الترجمة تساهم في صعوبة فهم النص ، أتفهم المجهود الذي بذله المترجم لكنه ساهم في تشتيت القارئ عندما يشير لأي أسم يمر فيقطع على القارئ محاولة الانسجام، ليجد المترجم يخبره أن هذه شخصية غير حقيقية فلا هويتها ولا أهميتها معروفة!!