انتهيت من قراءة ملحمة القرن العشرين كما جاء في غلافها الخلفي ...
جاء أيضا أن هذه الرواية امتحانا لقدرات القارئ على الصبر والجلد، فهل هذا صحيح !!!
في هذا الجزء الرابع والأخير حسب هذه الطباعة هناك الحلقات الثلاث أو الفصول الثلاثة...
الحلقة السادسة عشرة بلا عنوان.. حدث من قبل في الجزء الثاني أن غير المترجم عنوان الحلقة هنا لم اتأكد ...
الكاتب تقريبا يختار لكل فصل أسلوب سرد مختلف...هنا يستخدم أسلوب السرد القديم .
تدور الأحداث الساعة الواحدة صباحا، حول بلوم وستيفن الذي يلتقيان ويصطحب بلوم ستيفن لبيته...
وكالعادة سندخل ذهن بلوم ونعيش مع أفكاره ونعرف حتى عناوين الجرائد لذلك اليوم...وكذلك أفكار ستيفن فهو تارة يفكر بالكاتب المسرحي النرويجي إبسن وتارة يتذكر أبيات من أغنية لمسرحية تاجر البندقية واختيارات من الكتاب المقدس وأسماء عازفين وقادة موسيقيين...ومخترعين وعلماء فيزياء...
ونتعرف على أماكن بإيرلندا ...إشارات لعادات الكاثوليك بتحريم اكل اللحوم في أيام محددة .
تخليد للطب الشعبي ..تساؤلات ..إشارات لأغاني وقصائد وروايات أساطير وحكايات شعبية ...ومقاطع يشير المترجم لكتابتها بلغات أخرى: الروسية ...الإيطالية...الفرنسية، الإسبانية ...اللاتينية ...الألمانية
الإشارة لشركات تجارية ومعالم للمدينة ...ومطاعم وحانات، وحكايات عن الجوع الكبير بإيرلندا.
بعض الجمل تحوير لجمل في مسرحيات أو أغنيات شهيرة أو مقاطع من الكتاب المقدس.
هنا يفهم القارئ معنى أن يقرأ بهدوء وصبر ...لأن كل سطر يحيله لشيء آخر ...معلومات تاريخية أو أدبية.
اقتباسات:
"حيثما تكن الحياة الطيبة يكن وطني"
"كل إنسان يحصل على نصيبه من الحظ، كذا يقولون"
"الناس لا يعرفون حدودهم أبدا "
"لو أن كل بلد ، كما يقولون، وبلدنا التعيس من بينها، لديه الحكومة التي يستحقها"
"إذا نظرنا إلى الخلف الآن بطريقة تراجعية تدريجية فكل شيء يبدو حلما من نوع ما، والعودة بعد ذلك هي أسوأ شيء قمت به إطلاقا ومن نافلة القول إن السبب أنك ستشعر بأن وضعك غير صحيح لأننا نتغير مع تغير الزمن"
الحلقة السابعة عشرة تحمل عنوان إيثاكة والزمن الساعة الثانية صباحا.
يستخدم الكاتب أسلوب غريب ...أسلوب السؤال والجواب.
نعم ، فهذه الرواية عجائبها لا تنتهي ...
يشعر القارئ كأنه في المدرسة ومعلم لخص له الموضوع على هيئة أو بأسلوب سؤال وتأتي بعده الإجابة...
على سبيل المثال:
"مالذي يفكر به الرجلان؟
موسيقى، أدب، إيرلندا، دبلن، باريس، صداقة، امرأة، دعارة، تأثير الضوء، الغازي أو ضوء قوس المصابيح، في نمو النباتات المراقبة للشمس المتجاورة، صناديق الطوارئ المكشوفة لجمع النفايات، الكنيسة الكاثوليكية، التعزب الكهني، الشعب الإيرلندي، التعليم اليسوعي، الوظائف، دراسة الطب، اليوم الفائت، التأثير الآثم ليوم ما قبل العبادة ، انهيار ستيفن الصحي"
فصل من رواية بأسلوب السؤال والجواب!!
ويعرض جدول أو صف الميزانية ليوم 16يونيو 1904، فيتعرف القارئ ماذا أنفق بلوم في هذا اليوم بجدول المصروف والوارد...
وهذا يعزز من قناعتي بأن الرواية نوع من التوثيق لحياة شخص يعيش في مدينة دبلن في ذلك اليوم بكل تفصيلات اليوم ... وتوثيق لتاريخ المدينة وأهم مبدعيها وثقافة أهل البلد...في هذا الفصل الأسئلة تدور حول الحياة في المدينة والأسعار والصناعة ومشاريع المياه وغيرها من التفصيلات...التي تصل لمدينة القدس المباركة ومسجد عمر وبوابة دمشق ..."والمزمور: على أنهار بابل هناك جلسنا. بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون" والذي دفعني للبحث عن أغنية فرقة بوني إم التي غنت هذه الكلمات...
الحلقة السابعة عشرة التي تحمل عنوان بنلوب، هي مسك الختام.
هنا يشير الكاتب للوقت بلا ...فلا وقت هنا.
زوجة بلوم هي الراوي هنا، والسرد يأخذ شكل المناجاة...مناجاة أنثى كما أطلق عليها الكاتب... ثمان جمل ممتدة بلا تناسق ولا وجود للفواصل أو النقاط.
خلال 17 فصل كان الراوي رجل ، هنا أفسح المجال لصوت المرأة ، سنسمع رأي مختلف وربما مناقض للصورة التي تكونت لبلوم ...
هل خانت موللي زوجها فعلا ؟
شخصية موللي تبدو معقدة وأظن أن جويس ترك للقارئ حرية تفسير ذكريات موللي وأحاسيسها ...فالاتهامات تطال الزوج حسب رأيها ...وهي تعبر عن رغبات وأحاسيس وشعور بالغضب من تصرفات الزوج...
"كلهم يكتبون عن إحدى النساء في شعرهم"
الأسلوب هنا سلس ومختلف عن الفصول السابقة ...
في هذا الفصل يشير المترجم في الهامش بعد أن وضع كلمة ديوث التي يرى أنها وصف مناسب لزوج موللي...
لكنه في الهامش يوضح:
"ذكرت موللي خطأ الكلمة الإسبانية Coronado وهي تعني Cornudo"
توقفت عند تعبير المترجم أنها ذكرت خطأ، كيف ذكرت خطأ والكاتب جيمس جويس من النوع الذي يدقق كثيرا قبل اختيار أي كلمة...
المترجم هنا أدخل تعديل في صلب الجملة لأنه يظن أن موللي ترى زوجها ديوث لا يغار ...لكن الكلمة التي استخدمها الكاتب مما تعنيه: متوج ، مكلل أو شخص يتمتع بمرتبة عالية أو رجل دين تم ترسيمه... معنى مختلف تماما.
في الأخير: الرواية مختلفة، كل فصل له أسلوب سرد مختلف، يرصد الكاتب حركة بطل الرواية خلال يوم واحد حتى الثانية صباحا..
يجد القارئ نفسه غارقا في تفصيلات تربكه...
لكن لماذا بطل الرواية يهودي؟ هل هذا اختيار دون دلالة لكاتب يهتم بالمفردة ودلالاتها؟
هل يمثل بلوم رمز للهوية المعقدة ، والشعور بالغربة، فهو يهودي في إيرلندا الكاثوليكية... فجسد بلوم الصراع الداخلي الذي يريد الكاتب أن يعبر عنه!!!
هل أراد الكاتب أن يضيف بعد فلسفي حول الهوية والانتماء؟