تردي الاوضاع الاقتصادية وغياب مشروع الدولة

أتذكر أنني شعرت  بالاستياء الشديد من كلام المفكر محمد حسنين هيكل عندما قال في تعليقه على أحداث ثورة الربيع العربي في اليمن إن ما يحدث في اليمن ليس ثورة! بل قبيلة تحاول أن تتحول إلى دولة.
إذا لا وجود لدولة في اليمن، ولكن قبيلة تحاول أن تصبح دولة.
نعم، شعرت بالإهانة واستغربت كيف يصدر مثل هذا الكلام من مفكر بحجم هيكل.
ويبدو أننا نستغرب عندما يتم مواجهتنا بما لا نعترف به. نرفض تماما القبول والتصديق بسبب هول الصدمة التي تصيبنا.
ولكن لو حاولنا أن نتأمل لماذا قال هيكل ذلك؟ هل كان كلامه اعتباطا؟ هل كان في ما قاله نوع من الافتراء على حقيقة الوضع في اليمن؟ هل فعلا تحكمنا القبيلة منذ قيام ثورة 26 من سبتمبر؟ هل فشلت القوى السياسية في وضع أسس دولة حقيقية في اليمن؟
كثيرا ما سمعنا أن ثورة 26 سبتمبر، تخلصت من أشخاص النظام الملكي لكنها لم تتخلص من عقليته في إدارة البلاد.
فلا مؤسسات ولا قوانين حقيقية تم تأسيسها في البلاد، لقد ظل الحكم يعتمد على الشخص المسؤول. فلو غاب الوزير أو المدير لتعطلت كل الأمور. الوزير الجديد يستطيع بسهولة نسف كل جهود الوزير السابق والبدء من الصفر.
بالطبع لا ننسى أنه لنتحكم في المستقبل لابد من مراقبة وفهم الماضي القريب. على سبيل المثال فهم سبب استخفاف الحكومات المتعاقبة بالمواطن واحتياجاته.
المواطن وضع كل آماله في الدولة – والتي يبدو أنها لم تكن موجودة أو لم تكن على مستوى طموح المواطن – لكن آماله خابت فلا تنمية تحققت ولا شهد المجتمع تحديثا حقيقيا. بل إن كل مشاكل المجتمع تضخمت وأصبحت مستعصية وفشلت الدولة في حلها، وظلت مشاكلنا تتفاقم… الأمية، البطالة، الفقر.
لو أمعنا النظر في الوضع الاقتصادي لوجدنا أن وسائل الإنتاج المتخلفة هي السائدة، ففي القطاع الزراعي على سبيل المثال، لم يتم ميكنة العمل الزراعي رغم خصوبة الأرض واتساع رقعة الأراضي المنتجة للمحاصيل الزراعية، بل إن زراعة القات تسطو على أغلب الرقعة الزراعية دون وجود قوانين تحد من ذلك رغم وجود دراسات تظهر حجم الكارثة، وأثر زراعة القات الكارثي على منسوب المياة القليلة، لكن الدولة لم يكن لها دور إيجابي للحد من ذلك. تخلف الإنتاج الزراعي يؤثر بشكل سلبي على مستوى معيشة المزارعين في الريف والذي يشكل 70% من سكان البلد. الدولة تترك المزارع وحيدا يواجه ظروفه دون عون حقيقي، بل إن انتشار المبيدات التي تدخل بطرق غير مشروعة والاستخدام المفرط لتلك المبيدات من قبل المزارعين ودون رقابة أدى إلى إنهاك التربة، وساهم ذلك في انتشار مرض السرطان خصوصا لدى متعاطي القات كما أثر على جودة معظم المنتجات الخضرية. واللوم لا يقع على المزارع الذي لا يعرف خطورة مايقوم به فهو يحتاج للتوعية والإرشاد من الجهات المختصة.
ولأن المزارع في الريف لا يجد العون والدعم اللازم فهو يلجا للهجرة الداخلية، من الريف للمدينة، مما يتسبب في زيادة نسبة الأيدي العاطلة عن العمل، واتساع نسبة الفقر بمرور الوقت.
أما لو انتقلنا للقطاع الصناعي فليس هناك وجود لصناعة حقيقية تستطيع تشكيل طبقة ملحوظة من السكان يعملون في القطاع الصناعي، ونتذكر مصنع الغزل والنسيج في العاصمة صنعاء، الذي أغلق أبوابه رغم أنه كان مصدر رزق لعدد كبير من العائلات. وبدل من أن تزداد أعداد المصانع في البلد تم إغلاق ما كان موجودا.
هذا يعني بوضوح أن البلد لم يشهد نموا اقتصاديا يعمل على توفير فرص عمل للأيدي العاملة التي يزيد عددها عاما وراء عام. بمعنى أكثر دقة الدولة لم تلعب دورا حقيقيا في تنمية الاقتصاد.
الطبقة الوسطى المتعلمة في البلد تضاءلت بسبب سياسات الحكومة التي عملت على تحسين ظروف ملاك رؤوس الأموال المواليين للحكومة، فلعبت السياسة دورا حاسما في مجال الاقتصاد فاستفاد عدد قليل من الأشخاص على حساب مجموع المواطنين التي تلاشت آمالهم في حياة كريمة.
قام الاقتصاد الريعي في اليمن على موارد نفطية قليلة، ومساعدات خارجية لكن الفساد المتفشي كان يشتت كل شيء.
وهذا يجعلنا نذهب لمسألة تكوين الدولة في اليمن، فالتاريخ السياسي الذي أتت منه الدولة اليمنية الموحدة هو تاريخ مليء بالصراع على السلطة والثروة، مع غياب مشروع واضح للدولة الحديثة. مشروع لدولة يمنية تضمن العدل والمساوة والحياة الكريمة لكل مواطن يعيش على ترابها. وعند ظهور هذا المشروع من نخب لا تلهث وراء السلطة سيتغير الواقع اليمني، وستظهر الدولة التي ستبني الاقتصاد الذي يضمن الحياة الكريمة للجميع.
اليمن بلد لا يعاني من قلة موارد وثروات، على عكس دول صناعية ناجحة في الإنتاج رغم فقرها في الموارد الطبيعية مثل اليابان.
في دراسة لرسالة الدكتوراه للباحث الشوكاني تتحدث عن التحديات التي تواجه مشروع الدولة اليمنية الحديثة والتي أهمها التدخلات والمصالح الخارجية. قال في دراسته إن مخرجات الحوار الوطني مثلت برنامجا تحديثيا لبناء الدولة اليمنية بطموح يفوق القدرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الراهنة وهو ما يمثل تحديا كبيرا لليمن على المنظور البعيد. والدولة التي تعجز عن تحقيق الأمن والمحافظة على الاستقرار السياسي هي دولة فاشلة وعاجزة، ومن الصعب الحديث حينها عن وجود اقتصاد.
هل سينشأ تعاون بين الحكومة رغم كل الصعوبات الحالية وبين القطاع الخاص لوضع حد أعلى للأسعار ومنع المضاربة والتربح من معاناة الناس. في الوقت الحالي الملف الإنساني هو أهم ملف على الحكومة الاعتناء به، بالمساعدة مع الجهات الدولية المانحة حتى لا تزداد الأوضاع المعيشية للناس سوءا.
ففي ظل الاهتمام الدولي بالوضع الإنساني فهناك فرصة للحصول على دعم مباشر للاقتصاد، لو تم توجيه الدعم بشكل صحيح بعيدا عن دهاليز الفساد المعتادة والاستغلال البشع لمآسي الناس.
الوضع الاقتصادي الحالي متدهور بسبب توسع رقعة الفقر، وتدهور سعر العملة، انقطاع المرتبات، غلاء الأسعار، الحصار. وهناك حاجة لبرامج فاعلة للتعافي الاقتصادي، وتحسين الإدارة الحكومية المتعلقة بتوفير الاحتياجات الأساسية للناس مثل المشتقات النفطية وغيرها وضبط عملية الاستيراد والتوزيع بعيدا عن تجار الحروب. هناك حاجة للتركيز على البرامج التي تساعد السكان على تجاوز حالة الاحتياج وتأهيلهم للاعتماد على أنفسهم بدل من البقاء في دائرة تلقي المساعدات الغذائية فقط..
فكل خطوة تتم في اتجاه ترميم الاقتصاد ومنع المزيد من الانحدار ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح لوضع حجر الأساس لاقتصاد حقيقي في دولة يتبلور مشروعها الحقيقي من معاناة وحاجة الناس لدولة حقيقية.
في وسط كل هذا الركام واللون القاتم الذي يلون المشهد الحالي، هناك ملامح لضوء مهما كانت درجة خفوته يستحق الملاحظة. أنه رأس المال الخاص، المشاريع الخاصة والمشاريع العائلية التي بدأت تطفو على السطح. مهما كان حجم هذه المشاريع فهي تستحق المباركة والدعم والتشجيع، ولنتذكر أن 60% من الشركات الأوروبية هي شركات عائلية، وهي تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدانها وتوفر فرص للعمل.
في إيطاليا هناك 200 ألف شركة عائلية صغيرة، وهناك 4,5 مليون مشروع صغير تمثل 95% من الأعمال التجارية في المملكة المتحدة.
الشركات الصغيرة، والمتوسطة تحتاج لدعم الدولة وتحديدا الدعم القائم على محاولة توفير البنية التحتية والخدمات العامة التي تسهل عمل هذه الشركات، وكذلك نقطة هامة جدا وهي مسألة القانون الضريبي في البلاد، هذه القوانين بحاجة لإعادة النظر فيها لأنها تثقل كاهل المستثمر وتتعامل معه بروح الجباية، فتتعدد مصادر وجهات من يطالبون بالضريبة على تنوع مسمياتها إضافة إلى الزكاة. هذا الأمر في الظروف العادية ينفر المستثمر وتدفعه للبحث عن بلد آخر يقدم تسهيلات للمستثمرين. فهل ستثبت الجهات الرسمية أنها تقدر حساسية الوضع الراهن، وصعوبة ما يواجهه المواطن من ويلات الحرب والحصار والأوضاع غير المستقرة، فتعمل على تحسين أوضاع الناس عبر الاهتمام بالوضع الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي للأسر التي تبحث عن استقرار وأمن والاتجاه لرفع الوعي بين الناس لتبني المشاريع الصغيرة في كل المجالات.
الدولة إلى جانب المنظمات الداعمة التي تساهم بتقديم القروض والدعم والتدريب، ونشر قصص ناجحة عن المشاريع العائلية التي تسهم في دعم الاقتصاد وتقديم فرص عمل لعدد من العاطلين، وتحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع وشركات ناشئة.
العمل الخاص يصقل مواهب ومعارف الإنسان، ويتيح للمرأة بشكل خاص إبراز دورها في المجتمع.
كما تعمل هذه المشاريع على دعم المنتجات المحلية، والتوسع للبحث عن أسواق خارجية مستقبلا، هذه الأعمال تعتمد على قروض صغيرة لتبدأ، وتساعد الناس على الحصول على فرص عمل، وتعزز حصولهم على دخل وبذلك تدعم القوة الشرائية لعدد من الناس.
أصحاب المشاريع يستحقون الدعم لما يقدمونه من خدمة لأنفسهم ولغيرهم وللمجتمع، وعلى الدولة توفير بيئة مناسبة لنمو تلك المشاريع، وسن القوانين المشجعة والداعمة، وتسهيل الإجراءات الإدارية لتشجيع هذه المشروعات وضمان استمراريتها ونموها بعيدا عن التعقيدات الإدارية وثقافة الفيد.
كما تستطيع الدولة أن تخطو خطوة بتشجيع أصحاب الأموال للمساهمة في الاستثمار في مشاريع الدولة لتحسين الخدمات وتقديمها بمعايير أفضل.
المشاريع الصغيرة هي أحد  الحلول العبقرية لنمو اقتصادي تحتاجه البلد في هذه الظروف، فالبطالة ستزيد من حدة الفوضى والأوضاع السيئة، فالشاب التائه دون أمل سيكون هدفا ممتازا للانخراط في مشاريع الحروب المشتعلة، فليكن الحل أن يجد الفرصة للانخراط في عمل يصقل خبرته وينمي قدراته ويدعم ثقته بنفسه وبمستقبل بلده.

https://nasejyemen.com/2019/07/29/%D8%A3%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%AC%D8%AD%D8%A7%D9%81-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/?fbclid=IwAR2Rl1Kne5GI6WdExaFoudFEd1-rpOoJZ8shBX-e0GFhrvBTbpOcQKnQJAU

هل لدينا مجتمع مدني حقيقي؟

نسمع عن المجتمع المدني، ومنظمات المجتمع المدني، ونسمع من ينتقد منظمات المجتمع المدني ويلصق بها العيوب والسلبيات. نسمع عن مشاريع للمنظمات لكن المواطن لا يشعر بفائدة تلك المشاريع التي تنتقي من تقدم لهم مساعدات هزيلة. نسمع أرقاماً فلكية للمبالغ التي تقدم لهذه المنظمات لكنها تتبخر في الهواء.
ولكن في البداية نحتاج أن نعرف بالضبط ما معنى مجتمع مدني وما هي منظمات المجتمع المدني، وهل يوجد في بلدنا مجتمع مدني، ومنظمات مجتمع حقيقية؟
مصطلح مجتمع مدني ظهر لأول مرة في الغرب مرتبطاً بنظرية العقد الاجتماعي التي تتحدث عن عقد بين الحاكم والمحكومين، فلم يعد هناك حق إلهي للملوك بالحكم كما يشاؤون، وظهر مفهوم التعددية السياسية بديلاً للحكم الفردي المطلق، وإقرار الحقوق والحريات والمواطنة والتي كانت من قبل مقصورة على طبقة النبلاء والأثرياء، وجاء مبدأ سيادة الأمة المشتق من حق المواطنة وهو إعلان لتجاوز الانتماء التقليدي في صيغته الدينية والمذهبية باتجاه علاقات اجتماعية طوعية وتعاقدية ينتظم فيها الأفراد لتحقيق غايات ومصالح مشتركة.
ومن التعريفات المبسطة للمجتمع المدني ما قاله محمد عابد الجابري بأن المجتمع المدني هو “مجتمع المدن”، ومؤسساته هي التي ينشئها الناس بينهم في المدينة لتنظيم حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. أي أنها مؤسسات أو منظمات إرادية ينخرط فيها الناس بمحض إرادتهم، وهي تختلف عن مؤسسات المجتمع البدوي والقبلي التي هي مؤسسات طبيعية يولد الفرد منتميا إليها ولا يستطيع الانسحاب منها.
وبالتالي فالمجتمع المدني هو مجموع التنظيمات التطوعية الحرة التي تنشأ لتحقيق مصالح أفراد المجتمع أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة وتلتزم في عملها بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف. وهذه المنظمات لا يقتصر عملها فقط على الجانب الخيري والإنساني بتقديم مساعدات للمحتاجين، بل إنها تضم مؤسسات تستطيع أن تلعب دورا إيجابيا وفاعلا في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي داخل المجتمع، وهي تشمل الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات، أي كل ما هو غير حكومي وكل ماهو غير وراثي أو عائلي.
المجتمع المدني يكون مستقلا عن الدولة وسلطتها حتى يحقق الطموحات والاحتياجات الحقيقية لافراد المجتمع. فالمجتمع المدني هو الوسيط بين المواطن والحكومة، بين الحاكم والمحكوم، والذي يضغط على الحكومة لصالح المواطن.
وهذا المجتمع المدني يستند على ثلاثة أركان:
أولها الإرادة الحرة، بمعنى أن الفرد هنا ينضم بمحض إرادته بهدف تحقيق مصلحة ما للمجتمع، أو الدفاع عن مصلحة أفراد المجتمع.
الركن الثاني وجود شروط وقواعد للعمل على الجميع الالتزام بها بعيداً عن العشوائية والمزاجية والفوضى، فالعمل هنا عمل مؤسسي منظم.
أما الركن الثالث، فهو الركن الأخلاقي والسلوكي، فالعمل يعتمد على قيم واضحة يلتزم بها الجميع: احترام العمل الجماعي، وقبول الاختلاف والتنوع، والالتزام عند إدارة الخلاف بقيم التسامح والتعاون والتنافس السلمي سواء كان الخلاف داخليا بين أعضاء المجتمع المدني أو خارجيا مع الدولة.
ومن حقنا أن نتساءل: هل المجتمع المدني له أهمية؟ أو بمعنى آخر ما هي فوائده للمجتمع؟
المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة وظيفته الأساسية أن يدافع عن حقوق الشعب واحتياجاته في مجال الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة، ويقوم بموازنة الديموقراطيات بين مختلف الأطياف الشعبية والحزبية، لأنه قادر على التأثير على القرارات الحكومية ومحاسبتها، فهو يملك سلطة شعبية من أفراد المجتمع، لهذا فهو يملك زمام السلطة والتأثير والمحاسبات القانونية للدولة.
كما أن المجتمع المدني يقدم الدعم المالي للمشاريع التنموية الفكرية للأفراد، ويتبنى هذه المشاريع في بناء العمل بشكل كامل من حيث الترويج له عالميا ومحليا.
فهل في بلادنا مانستطيع تسميته مجتمعا مدنيا؟
نستطيع القول بكل وضوح إن صورة ما يسمى بالمجتمع المدني في بلدنا، هي صورة هزيلة وسلبية في نظر الكثيرين، بسبب توجهات تلك المنظمات السياسية أو فساد القائمين عليها، ويبدو ذلك من هزالة البرامج والخدمات الحقيقية التي تقدمها للمجتمع. ولأن الدولة تمد سيطرتها تماما على كل شيء، فالكل يعمل لصالح الدولة، ينفذ ما تريد الدولة، لما يصب في مصلحة الدولة وليس العكس. فلا وجود لمن يحاسب أداء الدولة أو الاهتمام بالمصالح الحقيقية لأفراد المجتمع.
في الدول الحديثة المجتمع المدني يضغط على الدولة لتحقيق مصالح المواطن. في بلدنا نسمع الشعارات فقط والتي تظل شعارات. لهذا نجد المواطن لا يثق بكل تلك المكونات. وغالبا من يعمل في تلك المنظمات يلهث وراء مصلحته ومصلحة الحزب الذي ينتمي إليه.
وبالرغم من هذا هناك فسحة من الأمل أمام المواطن العادي، لمحاولة تحسين حياته رغم كل الصعوبات، والواقع السيء.
فبذور المجتمع المدني قد تبدأ بالظهور بسبب الحاجة إليه، وهذا ما يشعر به المواطن الذي يملك القدر الكافي من الوعي، ويعلم أنه لن يحصل على شيء وهو ينتظر الحكومة، وبدلا من لعن الظلام فعليه أن يبادر ويضيء لنفسه الدرب.
يستطيع المواطن أن يساهم في بناء مجتمع مدني مستقل لا ينتمي لأية تنظيمات سياسية ولا توجهات دينية ضيقة، ليعمل من أجل إيجاد منظمات مدنية يسعى أفرادها لتقديم الخدمات للمجتمع، دون التفكير في الربح المادي، أو إرضاء أية جهة.
أتحدث هنا عن بذور مجتمع مدني يتشكل على أرض الواقع، رجالا ونساء، شبابا من الجنسين يحملون قلوبا تمتلئ بحب الخير والإنسانية للجميع، دافعهم الأول هو تقديم شيء حقيقي للناس في هذه الظروف القاهرة والتي يعاني الكل من تبعاتها، قرروا ترك وضع المشاهد والمراقب، وضع الناقد الساخط والبدء بالتحرك العملي للمساهمة في تغيير هذا الواقع أو التخفيف منه على الأقل.
نسمع عن ذلك الذي يبحث عن مساعدات من المقتدرين ليوصلها للمحتاجين بنفسه، ونسمع عن تلك التي تدرب وتعلم فتيات مهنة أو حرفة ليكسبن لقمة العيش حتى يخرجن من دائرة الفقر والحاجة. وهناك من ينسق لتوفير المياة النظيفة في الحارات لمن لا يتحمل نفقات شراء المياة النظيفة. وهناك من يحاول جمع التبرعات لمريض عجزت أسرته عن تحمل نفقات العلاج في ظل الحصار وانقطاع المرتبات. وهناك من يفكر في توعية الناس والخروج في حملات نظافة للأحياء والحارات. نعم، هناك من يفكر بشكل إيجابي في ظل هذا الواقع المخيف.
تكاتف مثل هذه الجهود هي القاعدة الحقيقية لتكون مجتمعا مدنيا حقيقيا في اليمن. مجتمعا مدنيا يتكون من أفراد يتحملون المسؤولية تجاه الآخرين بكل حب ورضا. هذه البذرة ستخلق المجتمع المدني الذي سيغير مجتمعنا اليمني، فيتحول المواطن من حالة السلبية إلى الحالة الإيجابية، حيث يعلم ما معنى أنه مواطن له حقوق وعليه واجبات. مواطن لا ينتظر ما تقدمه له الدولة من خدمات لا ترقى لما يحلم به، بل يستطيع أن يفرض على الدولة تحسين خدماتها لترقى لمستواه الذي ارتقى إليه.
ذلك المواطن الذي قال يوما: “شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي”، عليه أن يتغير الآن، لأن الظروف تغيرت والزمان أيضا تغير. مواطن يعلم أنه جزء من المجتمع ولا يستطيع أن يعيش في عزلة بعيدا عن مشاكل ومآسي الآخرين. ويستطيع الآن أن يطبق ما يؤمن به على أرض الواقع، كل تلك القيم التي تحولت يوما لمجرد شعارات تردد دون أن يكون لها صدى في الواقع مثل: “ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط”. و”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهروالحمى”.
نعم.. الإنسان هو الثروة الحقيقية في المجتمع، الإنسان الواعي المبادر الذي يمد يد المساعدة لمن يحتاجها، الذي يتطوع بجهده وفكره لتغيير حياته وحياة غيره للأفضل. وحتى لا تضيع الجهود دون أثر حقيقي سنرى منظمات للمجتمع المدني الحقيقي تتكون بعيدا عن سيطرة أصحاب المصالح. منظمات غير ربحية وغير حكومية، هدفها الأول تقديم الخدمات لمن يستحقها ولكن بشكل منظم، فتمتلك سجلات بأسماء المحتاجين في كل حارة، وتتنوع خدماتها لأن الاكتفاء بتقديم المعونات الغذائية ستنتج أفرادا اتكاليين لا يبالون من أين يأكلون، ولا يفكرون في الكسب والعمل. هذه المنظمات تدرب وتعلم وتكسب المحتاج القدرة والكيفية لإدارة عمل مناسب يدر دخلا ويساهم في خدمة أفراد آخرين.
مجتمع مدني أفراده يتجاوزون مرحلة الصدمة ليفرغوا طاقاتهم في بناء مجتمعاتهم بعيدا عن مشاعر الكراهية والحقد وكل العفن الذي ينتج بالضرورة زمن الحروب والصراعات وتأثيرها على نفوس الناس.
هذا المجتمع المدني سيتحول يوما لقوة على أرض الواقع تجعل فرصة المواطن اليمني أكبر في أن ينعم مستقبلا بدولة حقيقية، دولة يتساوى فيها الجميع أمام القانون الذي سيحميه ويفرضه الناس بوعيهم وتخلصهم من سيطرة من يعيشون على أكتافهم. من يقفون دوما ضد تكوين مجتمع مدني حقيقي في اليمن. أولئك الذين يتبجحون بالحديث عن مصالح المواطن وهم يعملون ضد مصلحته ولا يرى منهم سوى الغش والاحتيال.
مجتمع ينفض أفراده عنهم غبار الاتكالية ومشاعر الإحباط، ويشمروا سواعد الأمل والثقة بالله وبغد أفضل يتشاركون هم في تحديد ورسم ملامحه. لن يكونوا ضحايا طوال الوقت. بل هم الآن يشكلون إطارا شعبيا مدنيا يملك أفكارا وطموحات ومشاريع ويسعون لتحقيقها على أرض الواقع.
في تاريخ كل المجتمعات هناك نقطة بداية مضيئة تشع رغم كل الظلام المحيط، نقطة تبدد ظلام الواقع الذي ألقى بظلاله طويلا، وتبشر بمستقبل مختلف. والدولة الحديثة الديمقراطية التي نشهدها في الغرب وفي العالم المتحضر قامت على أكتاف المواطن والنخب الواعية التي تملك أفكارا وقيما حقيقية لتخليص المواطن من سيطرة وجشع الدولة بمؤسساتها المختلفة. فهل ستكون فظائع هذه الحرب هي البداية لتغيير حقيقي يمس أفكار الناس وثقافتهم، فتتغير الحياة للأفضل خاصة والأحداث المؤلمة كشفت الأقنعة عن حقيقة من يتكلمون باسم المواطن؟
فنحن بلد لا يموت، نحن بلد ذلك الطائر الذي يمتاز بالقوة والجمال، طائر “العنقاء” الذي تذكر الأسطورة أنه عندما يحتاج للتغيير يحترق وبعد أن يصبح رمادا يخرج من بين الرماد طائر “عنقاء” جديد أكثر جمالا وبهاء، ويعيد دورة الحياة.

هل نتعلم الدرس

سافرت إلى دولة رواندا، هل تتذكرون رواندا؟
 نعم إنها تلك الدولة الأفريقية التي انزلقت لحرب أهلية مرعبة قتل فيها ما يقارب مليون شخص بريء خلال 100 يوم. أفراد من قبيلة الهوتو ذبحوا وسحلوا أفرادا من قبيلة التوتسي رجالا ونساء وأطفالا. دُمرت البلد نتيجة لتلك الأحداث الرهيبة. اليوم في عام 2019 تشهد رواندا انتعاشا اقتصاديا يثير إعجاب الجميع. ما الذي حدث؟ لماذا حدثت المجازر؟ وكيف تجاوز الروانديون ماضيهم المخيف؟
ذهبت لزيارة النصب التذكاري للإبادة الجماعية التي حدثت برواندا عام 1994م في العاصمة كيغالي، بحسب اقتراح موظف الفندق، أخبرني أنه من أهم المعالم السياحية في البلاد. حقيقة تعجبت، كيف يكون متحف يحمل ذكريات مذبحة مكانا يتم الترويج له سياحيا؟!

هناك عرفت السبب!

يعرض المتحف الحكاية من البداية، فيعود بنا قليلا إلى الماضي البعيد لنرى تلك الأيادي الخارجية التي تزرع الفتن بين أبناء البلد الواحد المكون من قبيلتين الهوتو والتوتسي، بينهم روابط مشركة فهم يتحدثون لغة واحدة، وينتمون لدين واحد. تعرضت رواندا للاستعمار الألماني ومن بعده الاستعمار البلجيكي، وكلا الاستعمارين لجأ لسلاح التصنيف، فتم تصنيف سكان رواند بحسب القبيلة الهوتو وهم الأكثرية، وقبيلة التوتسي وهي قبيلة الأقلية من السكان. تم تعميق الفجوة بين أبناء القبيلتين بوضع بند القبيلة في بطاقة الهوية في العلم 1931، المستعمر البلجيكي أعطى امتيازات لأبناء قبيلة التوتسي لقمع واضطهاد أبناء قبيلة الهوتو، عندما تذمر أبناء قبيلة الهوتو من سوء أوضاعهم دعمهم البلجيكيون وحرضوهم ضد التوتسي ونشروا بينهم أن التوتسي أغراب ولا ينتمون لرواندا، فقامت في الخمسينات أول ثورة ضد التوتسي وخربت ممتلكاتهم وهجروا من ديارهم، وتصاعدت مشاعر الكراهية والحقد بين أبناء البلد الواحد. حدثت عدة صدامات ومجازر متتالية كان أبشعها ما حدث في عام 1994 من حرب إبادة جماعية لم يسبق لها مثيل باستخدام المناجل قام بها متطرفون من الهوتو ضد أبناء التوتسي ودعمتهم حكومة عنصرية وإعلام رسمي محرض.

عندما وقفت أمام الصور أستمع لأسباب حدوث حرب الإبادة ذهب ذهني إلى هناك، إلى اليمن، قفزت لذهني التحريضات العنصرية وصعود التصنيف الطائفي والعرقي، وتلك اللغة التي تتنفس الكراهية والبغضاء، والأصوات التي تنعق بالخراب والقتل والإبادة ضد طوائف معينة في المجتمع، وأصوات تنادي بطرد فئات أخرى من المجتمع بدعوى أنهم ليسوا من أهل البلاد. تبا، هل هي نفس التربة التي تنبت فتنتج الخراب والدمار والهلاك؟
لنكمل الحكاية من رواندا، ففي يوم السادس من أبريل 1994 سقطت طائرة الرئيس الرواندي وهو من قبيلة الهوتو وبعد ساعة واحدة تبدأ عمليات القتل والذبح للجيران ولكل من يصادفونه من قبيلة التوتسي حدث ذلك والإذاعة الرسمية في البلاد تبث سموم الكراهية وتشجع المتطرفين للقيام بقتل كل من ينتمي لقبيلة التوتسي، والمذيع يصرخ عاليا: اسحقوا الصراصير، أبيدوهم. مائة يوم من الحزن والدموع والرعب والعالم يتناقل الصور على شاشات التلفاز ولا يفعل شيئا.

حرب الإبادة حطمت البنية التحتية للبلد من مستشفيات وكهرباء ومدارس. نجحت قوات الجبهة الوطنية الرواندية في السيطرة على البلاد، وتوقفت عمليات الإبادة، وهرب كثير ممن شارك في الجرائم لخارج البلاد. الرئيس الذي استلم حكم البلاد من 1994 وحتى 2002 حاول تطبيق القانون الجنائي على مرتكبي جرائم الإبادة فدخلت البلاد في فوضى عارمة وامتلأت السجون وفشلت المحاكم في النظر في كل القضايا المعروضة عليها.
وهذا ما يحدث عادة بعد سقوط نظام معين تتم ملاحقة أنصاره ومؤيديه وكل من ارتكب الجرائم في عصره، فتسود الفوضى وتكون الصورة قاتمة.

لكن الرئيس الحالي استلم الحكم وغير سياسة البلاد تماما، قال: “لم نأت من أجل الثار، لدينا وطن نبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد، سنبني باليد الأخرى”.
نعم الثأر، والانتقام، والنفي ومصادرة الممتلكات هي سياسات لا تبني بلدا، بل تعيق البناء وتدخل البلد في فوضى الكراهية والانتقام.

لنتذكر ماحدث في بلادنا على سبيل المثال بعد ثورة 1962 من ملاحقات ومصادرات وأحكام إعدام إلى أين أوصلتنا، وهو نفس التصرف في أغلب البلاد العربية بعد الانقلاب أو التخلص من النظام الحاكم السابق، لاتزال البلاد تعاني من الأحقاد المتوارثة، وها نحن نسمع أن هناك من يريد أن يعيد الحياة لحكم قامت عليه ثورة. لماذا؟
لنعد لتجربة رواندا ونرى كيف تعامل الرئيس الرواندي مع تلك المعضلة؟
اعتمدت الحكومة الرواندية سياسة “الوحدة والمصالحة” المستندة إلى نظام تقليدي يعرف باسم “غاكاكا”. فكرة الغاكاكا تقوم على الاعتراف بالخطأ والتكفير عنه بخدمة المجتمع، بعيدا عن فكرة إنزال العقاب على الجاني، وهذا ما تم تطبيقه على آلاف المتورطين والمتهمين بتنفيذ جرائم الإبادة الجماعية، وهم ممن تأثروا واستجابوا للشحن العرقي، وارتكبوا جرائم قتل ضد جيرانهم وأبناء قراهم، أسس رئس البلاد هيئة “الوحدة والمصالحة” التي حملت على عاتقها حل تلك المشكلة عبر تشكيل 1200 محكمة محلية في القرى والتي عرفت باسم غاكاكا، كل محكمة مكونة من تسعة قضاة يختارهم سكان القرية. وكل متورط يعترف بجريمته ويبدي ندمه ويطلب من أهالي الضحية العفو في وجود أفراد المحكمة وبقية أهالي القرية، عندما يحصل على المسامحة يحكم عليه بالعمل لخدمة الضحية لعدد من السنوات. كان ذلك العمل يهدف لتحقيق التسامح بين الناس حتى يستأنفوا العيش المشترك. لكن الشخصيات السياسية والقادة الذين أعطوا الأوامر بعمليات الإبادة تمت محاسبتهم ومحاكمتهم تحت إشراف الأمم المتحدة.

نعم مشكلتنا أننا لا نناقش مشاكلنا، نحن لا نعترف بوجودها، لهذا لازالت مشكلة الفتنة الكبرى التي حصلت في تاريخ المسلمين تؤثر على حياة الناس جيل بعد جيل، لأننا اتبعنا سياسة لعن الله من أيقظها، فظلت الفتنة نائمة ساكنة في القلوب وفي الوجدان، تطل برأسها كلما سنحت الفرصة.

تجربة رواندا غنية وثرية وبها العديد من الدروس، تحولت من دولة فقيرة مدمرة بعد أسوأ حرب إبادة في القرن العشرين إلى دولة حققت خطوات كبيرة في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية. وتحولت خلال 20 سنة إلى واحدة من أهم الاقتصادات الناهضة بالعالم بمعدل نمو 7.5% من عام 2015 إلى 2017.

آمنت رواندا بأن التعليم هو السلاح الذي ستواجه به التطرف والعنصرية فطورت منظومة التعليم. تعليم يغرس حب رواندا فقط دون التفاخر بالقبيلة، وجعلت التلفظ بأي كلمة عنصرية يعاقب عليها القانون.

مما قد نستغرب منه أن نعرف ترتيب رواندا في تقرير جودة التعليم للعالم لسنة 2014 الصادر عن اليونسكو والذي وضع رواندا من أفضل 3 دول في تجربة النهوض بالتعليم.
تخيلوا بلدا خرج من حرب مدمرة وهو الآن من أفضل الدول في التعليم رغم فقره، كيف حدث هذا، خاصة عندما نعرف ان 75% من المعلمين إما قُتلوا أو سُجنوا أو فروا خارج البلاد.

ماذا فعلت الحكومة الرواندية للتغلب على هذه الكارثة؟
أول حكومة رواندية بعد الحرب الأهلية وضعت برنامجاً لإعادة المواطنين الذين فروا من البلاد، وبدأت برنامج لإعادة تأهيلهم للعودة للحياة الطبيعية، والمعلمين كانت لهم الاولوية في التأهيل.

لتتجاوز رواندا ماحدث اهتمت بالتعليم وبالمعلم تحديدا، فأقيمت العديد من ورش العمل والدورات التدريبية التي تًنتج معلمين قادرين على تقديم تعليم، ولكن أي نوع من التعليم؟
تعليم يواكب العصر، تعليم يُلبي احتياجات سوق العمل، تعليم ينهض بالبلاد اقتصاديا.
كان منهج التاريخ سابقا مزيفا وعنصريا ليرسخ الولاء والانتماء للقبيلة ويعزز العداء والحقد، تم التخلص من مادة التاريخ ومنع تدريسها، وهناك من ينتقد الدولة لهذا السبب ويعتبر هذا خطأ، فعلى الدولة إعادة تدريس التاريخ لكن بعد تنقيته من التشويهات.
لم تكتف الدولة بتأهيل المعلمين فقط، بل فعلت أكثر من هذا!
لقد عقدت حكومة رواندا شراكة مع “Microsoft”، لمحو الأمية الرقمية في البلاد، وتبنت الحكومة لنظام “ICT 4E” وهي اختصار لـ”تكنولوجيا المعلومات والاتصال من أجل التعليم”، وهو نظام يستبدل وسائل التعليم والكتب التقليدية بمنصات إلكترونية عبر”اللابتوب” أو “آي باد” أو مشغل “Mp3” يُتابع من خلالها الدارسون دروسهم بكل سهولة ويسر.
قد يبرز سؤال منطقي، بلد فقير كيف سينفق على نفقات تعليم يعتمد على منصات الكترونية؟ والجواب بسيط، الحكومة أعفت الشركات التجارية الخاصة من الضرائب إذا ساهمت في دعم التعليم.

“نتذكر لنتعلم”، شعار مكتوب على ستة نصب تذكارية تذكّر الروانديين بالثمن الذي دفعوه لقاء القبلية والتعصب. أغلب تلك النصب، هي كنائس أو مدارس ولا تزال تحتوي على عظام وجماجم من قتلوا، معروضة للزوار. هكذا تبقى آثار المذابح لتذكرهم بقيمة التعايش المشترك. والثمن المخيف للاستجابة لمشاعر التعصب.
يوم 7 أبريل من كل عام توقد شعلة عند النصب التذكاري الرئيسي للمذبحة في العاصمة كيغالي ولمدة 100 يوم، تكريما للضحايا وجبرا لخواطر الأحياء منهم، وحتى يتذكر كل رواندي ماذا حدث وحجم الكارثة. ربما منعا لأي عملية لتشويه الماضي، أو أي محاولات لإخفاء الحقائق على الأجيال القادمة. في المتحف هناك تسجيلات فيديو لشهادات الناجين توثق ماحدث.

هل ننتظر مذابح إبادة حتى نتعلم الدرس، أم نستطيع تجاوز ذلك، ونعلم أن الوطن ملك الجميع، وأن اختلافنا هو تنوع وإثراء، وأمامنا مهمة شاقة للخروج بالبلد من مستنقع الكراهية ليتحول بأيدي أبنائه لوطن عصري يعيش الكل فيه سواء أمام قانون لا يستثني أحد.

https://nasejyemen.com/2019/03/29/%D8%A3%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%AC%D8%AD%D8%A7%D9%81-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%87%D9%84-%D9%86%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B3/ 

مراجعة كتاب قيمة التاريخ لجوزف هورس

الكتاب يعطي ايحاء بأن الفكر الأوروبي والنظرة الأوروبية وتعريفها للعلوم هي السائدة، وهذا شيء غير مستغرب في ظل سيادة الفكر الغربي وتصدره للعلوم.
ويذكرالمؤلف:

 " أن الشعوب المتوحشة هم اولئك الشعوب الذين يبقون فقراء بالذكريات"...أي لا تاريخ مكتوب لهم.

فكل حضارة تقترن بتاريخ لها.
ويذكر المؤلف كيف تطور علم التاريخ في الغرب، وسيطرة التوراة وقصصها على ذلك التاريخ ،كما يذكر تأثير المسيحية على تاريخ الغرب.
فالتاريخ في البداية كان تخليد للبطولات.
والمؤرخ اليوناني أهمل مجمل التاريخ البشري، واهتم فقط بتاريخ وأساطير الالهة المتنوعة.
لكن الرومان اعتنوا بالتاريخ واسسوا في رومه مخازن للوثائق.
وفي عهد الرومان ايضا، أصبحت كتابة التاريخ وظيفة من وظائف الدولة.
المسيحية أضافت لتاريخ اليونان والرومان قصص وتاريخ وحوادث جديدة.
أما في عصر النهضة فبدأت العقلانية تغزو التاريخ.
وبدأ التاريخ يتحول إلى علم في عصر النهضة .
وبدأت عملية مراجعة ماكتب في التاريخ، كانت الكتابات الأولى للتاريخ تميل لأن تكن اعمال ادبية بعيدة عن الواقع والحقائق.
من القرن الثامن عشر بدأ قياس كل شيء ووضع اسس للتاريخ.
الثورة الفرنسية أوقفت هذا النشاط فانتقل النشاط التاريخي لألمانيا .
وبدأ التاريخ يكتسب الصفة القومية منذ ذلك الوقت.
في عام 1821 تأسس في فرنسا مدرسة النظم التأسيسية التي ترج عدد من الباحثين كل عام، وبدأ رجل التاريخ يعمل موظف في الدولة براتب شهري .
وأصبح التاريخ سياسي.


وينتقل المؤلف لسرد تعاريف متنوعة للتاريخ لينتهي بحقيقة أن المؤرخ عادة يميل لتغليب ذهنيته على مجرى الأشياء .
ويوضح أن هناك تباعد بين التاريخ والعلوم، فالتاريخ لا يمكن أن يكون إلا سردا.
وهو أبعد مايكون عن أن يحل محل الفلسفة .
فلابد للمؤرخ من تنشئة فلسفية قوية لأن الفلسفة هي التي تنسق التاريخ وتبنيه وتعطيه اللحمة التي يحتاجها.
ويقول أحد المفكرين الألمان:

" أن التاريخ هو مجموع الممكنات التي تحققت"
ويختم المؤلف الكتاب بقوله:

" أن الضوء الذي ينير طريق المؤرخ في أقصى ما يتناول من أبعاد الماضي هو ضوء الاهتمام بالمستقبل"
الكتاب مكون من 7 فصول، جاء في 125 صفحة وهو من منشورات عويدات للعام 1974م.
وجاء في غلافه الخارجي أنه مطالعة يوم، وهو فعلا كتاب خفيف يمكن الانتهاء منه في يوم واحد.
المؤسف أن الكتاب فيه الكثير من الأخطاء الإملائية ، وكأن الكتاب لم تتم مراجعته بعد ترجمته.

كتاب مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام




الكتاب يحتوي 4 فصول:
  • المركزية الأوروبية والصراع على تاريخ العقل
  • عذابات الفاسفة في المسيحية الأولى
  • الفلسفة في المدينة الاسلامية من المواطنة إل النفي
  • الفلسفة وجدلية التقدم والتأخر
ويبدأ الكتاب باعتراف المؤلف أن الكتاب في الأصل كان فصلا من فصول مشروع نقد نقد العقل العربي الذي رد فيه المؤلف على مشروع محمد الجابري.

الكتاب يذكر تفاصيل الاضطهاد الديني المسيحي خلال القرن السادس والقرن السابع الميلادي والذي طال كل مخالف واصحاب العقائد الاخرى والوثنيين.
كما يذكر تفاصيل قمع الفلسفة والثقافة اليونانية واعتبارها هرطقات.
يستعرض المؤلف كيف أن بولس الرسول شن حملة ضد الفلسفة الوثنية ...وتم اضطهاد كل من لا يوافق صاحب السلطة في العقيدة وانزال أقصى العقوبات عليه وابادته في بعض الأحيان.
وينتقل الكتاب ليستعرض مصير الفلسفة في الاسلام مثل تحامل ابن الجوزي وابن جبير وياقوت الحموي على الفلسفة .
كما أن ابن تيمية نجح في انزال الفلاسفة منزلة اعداء الاسلام وجعل حكمهم كحكم الزنادقة والملاحدة والكفار.


ويتطرق إلى أن أهل الحديث والجماعة هم الفرقة الوحيدة التي مضت بتقنين العقيدة القويمة إلى آخر الشوط وقيدت النص بالنص وألغت حتى الهامش الضيق المتروك للعقل في الاجتهاد على النص.


الكتاب يوضح بشكل كبير سبب أزمة العقل العربي الاسلامي وكيف سيطر فكر ابن حنبل الذي اتفق مع اهل السياسة لتقييد العقل العربي الأمر الذي استمر حتى اليوم
ولن يكون هناك أي حراك فعلي ثقافي عربي إلا بإعادة الاعتبار للعقل عبر اعادة الفاسفة وعلم الكلام من جديد.
تصحيح مسار الفكر الديني هو من سيصلح الحال في بلاد العرب.

عانت الفلسفة من اضطهاد الكنيسة ، لكن العالم الغربي تجاوز تلك المرحلة ، كيف ؟
الكتاب رغم العدد القليل لصفحاته لكنه يفصل بشكل كاف كيف تجاوز العالم المسيحي ذلك، ولماذا فشل العالم الاسلامي في تجاوز تلك المرحلة. كتاب ممتع يستحق القراءة.


مراجعة لكتاب شهيا كفراق

الكتاب لا يحمل موضوع محدد..
فيبدو كأن المؤلفة تدردش مع القارئ
تشرح للقارئ ان ناشرها طلب منها أن تكتب شيئا للنشر
فهي تبث همومها حول الكتابة والبحث عن موضوع لرواية قادمة
تتحدث عن بطل رواياتها السابقة خالد طوبال ...عن قراءها
وأعداد المتابعين لها على صفحات التواصل الاجتماعي
لغتها رشيقة والكلمات والمعاني تنساب طيعة من بين أناملها لكن يبدو أن ما ينقصها هو موضوع للكتابة
الجزء الأول والجزء الثاني من الكتاب فيهما مواضيع عامة
ذكريات من الماضي مع الشاعر نزار قباني وغازي القصيبي
لكن الجزء الثالث يشبه الرواية أو القصة
فلو أنها بدأت الكتاب من الجزء الثالث لكان عمل أدبي متكامل
أعجبتني بعض الأقتباست من الكتاب
" كل شخص يختار قيده نحن الذين نسمح للماضي بإمساكنا رهينة"
"تمنيت لو أن الممحاة أداة من أدوات الحياة لا من عدة الكتابة كي نمحو بها ما ندمنا على فعله في نص حياتنا المليء بالحماقات"
غلاف الكتاب أنيق وينم عن ذوق رفيع، والعنوان ملفت للنظر كعادة كتب أحلام مستغانمي...
 
 

مراجعة لرواية أورشليم

جونسالو إم تافاريس كاتب برتغالي صدرت روايته اورشليم في عام 2005 في البرتغال....
 لفت انتباهي أن الرواية لا علاقة لها بالعنوان ...
ظهرت عبارة  أورشليم في جملة توراتية في الرواية كما يلي :
 "إن نسيتك يا أورشليم تنسى يميني" ،وفي نهاية الرواية تردد بطلة الرواية عبارة مشابهه:
" إن نسيتك ياجورج روزنبرج تنسى يميني"
ولا أدري ما العلاقة بينهما!


الرواية تسلط الضوء على فضاعات العلاج النفسي وتشابه الوضع في السجن والمصحة...الصرامة ...القسوة ...الظلم ...والمعاملة السيئة التي تسحق شخصية الفرد.
 

المؤلف في هذه الرواية يبرز أسوأ مافي شخصيات الرواية دون استثناء ...
يوضح ماذا تفعل الحرب بالناجين منها...كيف تشوههم من الداخل ومن الخارج...كيف يعيش المرء في رعب مستمر يدعوه لحمل المسدس رغم انتهاء الحرب لأنه أضاع الأمن الداخلي ...واضاع قدرته على التأقلم مع المجتمع...
أحد أبطال الرواية مهتم بتوثيق وتتبع تاريخ الرعب والفضاعات في تاريخ البشرية ...يريد أن يتوصل لمنحنى ليفهم هل الإنسان يتجه نحو السلام أم المزيد من الخراب ...وهذا الاهتمام لايمنعه من إيقاع الأذى بزوجته المريضة ...
الطبيب المسؤول عن المصحة العقلية انسان غريب ومعتل عقليا كما يبدو من تصرفاته ...

الرواية فيها وصف محزن ومؤثر لحقيقة المصحات العقلية أو حقيقة العلاج النفسي...

ماذا يفعل هذا العلاج بضحاياه ...أية قسوة يتعرض لها المريض...
هل من يقوم بعلاج المرضى في المصحات أصحاء أم هم أنفسهم بحاجة لعلاج ؟ هل يمارسون شذوذهم العقلي على المرضى المساكين...


وظيفة المحرر عند دور النشر العربية والغربية



 هل يحتاج الكاتب لمن يساعده قبل نشر نصه الأدبي، وهل كل نص يصلح للنشر كما هو؟ مقارنة بين دور النشر العربية والغربية...المقال منشور في موقع زد على الرابط التالي:

https://ziid.net/business/editor-job-in-arabic-publishing-houses

مراجعة لكتاب: الغرب والإسلام - الدين والفكر السياسي في التاريخ العالمي لأنتوني بلاك

الكتاب يبدأ بمقدمة المترجم، 40 صفحة ...انها المرة الأولى التي أجد مقدمة للمترجم بهذا الطول...
كأن المترجم ألف كتاب داخل الكتاب.
مقدمة المترجم الطويلة تبدو للقارئ وكأنها محاولة للتبرير ودفع تهمة ...لكنه لا يشرح للقارئ لماذا انتهى الحال بالمسلمين إلى الجمود والتخلف الحضاري؟

يقول المترجم أن الجسور كانت بطرق مختلفة وبنسب متفاوته ممدودة بين منظومة التراث والنهضة ...وهذا غير صحيح لأن العرب علقوا في المنظومة التراثية وألغوا تماما منظومة النهضة التي تستقي عناصرالتجديد فيها من انجازات ثقافات الأمم الأخرى وأفكارها، ولو أن منظومة النهضة استمرت لكان حال العرب مختلف عما نراه اليوم.

المؤلف أنتوني بلاك كان موضوعي من وجهة نظري بشكل مثير للاعجاب
تكلم بشكل ايجابي عن الدين الإسلامي لكنه أتهم الخلفاء أو بمعنى أصح أهل السياسة ، والفقهاء أو رجال الدين بأنهم من انحرف عن فهم حقيقة الدين الإسلامي والانحراف عن كثير من مبادئه مثل العدل والمساواة.

الكتاب كما يقول المؤلف هو جزء من مشروع لكتابة تاريخ عالمي للفكر السياسي.
يذكر في صفحة 45: 
" لم يكن موضوع تقدير دائما كم كان الفكر السياسي الإسلامي مدينا لإيران القديمة".
 
ويذكر أنه حتى العام 1050 م تقريبا كان لأوروبا المسيحية والإسلام والعالم البيزنطي قواسم مشتركة أكثر مما يظن في العادة.
كما ذكر في صفحة 48 أن المدن والتجارة والانتاج الحرفي كان أكثر تقدما في العالم الإسلامي حتى القرن الثاني عشر.

الكاتب ذكر أن الكتاب سيركز على الفترة من عام 632م وحتى العام 1450م لأنها الفترة المكونة للفكر السياسي لكل من الغرب والعالم الإسلامي.

ويذكر المؤلف في صفحة 114 عند المقارنة بين الجسم البشري والدولة الغائبة عن الأدب الإسلامي، يقصد غيابه في أرض الواقع وعدم الاستفادة من كلام النبي.

كما يشير في صفحة 128 إلى نظام الطبقات والتفريق بين الناس وهو ما يخالف القرآن حسب رأيه، وهو كلام صحيح لأن كثير من أخلاقيات وتصرفات المسلمين تخالف الدين.

كما يقول في صفحة 212 أن هناك ثمة فارق كبير بين الفكر السياسي الأوروبي والإسلامي وربما يكون الأكثر لفتا للانتباه ذلك الذي يتعلق بأساس العدالة والأخلاق...

الكتاب رائع وفيه تحليل مدهش لكيفية تشكل السياسة الأوروبية عبر الزمن وكذلك السياسة في العالم الاسلامي.
الكتاب بالنسبة لي وضح كثير من النقاط الغامضة والتساؤلات الحائرة حول اسباب تردي الأوضاع في العالم العربي تحديدا وجذور ذلك التردي.
نحتاج أن نبحث وندرس أكثر تاريخنا بشكل اكاديمي كما فعل المؤلف لنعرف جذور مشاكلنا حتى نسستطيع ايجاد الحلول لنخرج مما نحن فيه بدلا من الاستمرار بحالة الإنكار .

مراجعة لرواية شمس بيضاء باردة لكفى الزعبي

 

تقع الرواية في 318 صفحة، وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2019.

 

  تربط الكاتبة الواقع المزري لبطل الرواية باسطورة جلجامش، وبها اقتباسات لأقوال بعض شخصيات الأسطورة جاءت على لسان شخصيات الرواية،
فهل ترى الكاتبة أن هناك تطابق بين الواقع والأسطورة! وهل النهايات الماساوية لأبطال الرواية هو مايربطها بالأسطورة؟
عن الرواية:

 الرواية  تأخذ القارئ عبر صفحاتها في سرد طويل لمشاعر النبذ الاجتماعي والنقص الذي عانى منها بطل الرواية.
بطل الرواية المثقف المحب للكتب والذي انفصل عن الواقع الذي يعيشه. اصبحت ثقافته وقراءاته مصدر للبؤس والشقاء في مجتمع وأسرة لا مكان للكتب فيها.
وكأن الثقافة تخلق شرخا عميقا بين المثقف والواقع الذي يعيشه.
الكتب ملأت رأسه بالاسئلة الوجودية الكبرى والمحيرة في مجتمع تقليدي لا يؤمن بالتغيير. بطل الرواية يعاني من قسوة الظروف وقسوة الأب في المقام الأول، 
فتتعذب روحه لأنه لا يستطيع أن يكون مثل "بقية خلق الله"،  كما يردد والده دائما. فهو يرفض أن يعيش حياة البقية باستسلام دون البحث عن إجابات لتلك التساؤلات.
تعذبه التساؤلات وتنهش روحه...
كما تعذبه التناقضات في الواقع وهويرى حجم تناقض والده الذي يصلي ويصوم ويذكر الله باستمرار،  لكنه لا يتورع عن الاحتيال والسرقة..


الرواية تلخص ألم وشقاء من يخرج عن المألوف ويرفض أن يكون نسخة مكررة من الآخرين. 

تحكي حكاية شاب أردني فقير يشعر بالغربة عن بيئته الاجتماعية المحافظة. يعاني من النبذ الاجتماعي وعدم قدرته على التكيف والاندماج في واقع مشوه وعدواني ومغلق تجاه الاختلاف.

يستأجر غرفة في العاصمة حيث يعمل مدرس، لكن الغرفة دون نافذة في حي فقير، سبقه إليها رجل عجوز يموت في الغرفة. 

هذه الغرفة تشبه حياة البطل بلا نافذة، فتتفاقم مشكلاته، وصراعاته واسئلته الوجودية. 
بطل الرواية يشبه ذلك الصنف من البشر الذي يملك ضمير حي ونفس حساسة، ولا يستطيع اسكات صوت ضميره والاستمرار بالحياة والتغاضي، لهذا ينكفئ على نفسه...
ويستسلم للخيالات والاوهام والاشباح التي تلاحقه ...
وتتوالى الصدمات والخيبات عليه...


فهل الكتب فعلا هي سبب مأساة بطل الرواية؟
هل هي سبب تمرده على سلطة أبيه وعدم تكيفه مع الواقع المشوه في المجتمع؟

 

بالرغم من براعة الكاتبة في شد القارئ لآخر سطر في الرواية مستخدمة تقنية تيار الوعي، لكنني شعرت بأن هناك خلل ما في شخصية بطل الرواية، فقراءته وكتبه لم تعينه في حياته،  فتخلى عن  أحلامه في "القفز فوق التلال"، وتحول لشخصية بائسة لا قيمة لها؟

 

نبذة عن الكاتبة: 

كفى الزعبي كاتبة أردنية من مواليد 1965. تقيم في عمان.

حاصلة على بكالوريوس هندسة مدنية من جامعة بطرسبورغ من روسيا. أصدرت خمس روايات. 

شمس بيضاء باردة هي روايتها الخامسة. تكتب للصحافة الأردنية والعربية. عضوة في رابطة الكتاب الأردنيين.

 
 
رابط الموضوع على موقع مرداد:
 
 

قراءة لرواية بريد الليل لهدى بركات

الرواية عبارة عن رسائل كتبت لكنها لم تصل لمن كتبت لهم....رسائل  بدأت برسالة تحكي المعاناة والألم والضياع والحرمان ...تلك الرسالة تصل بطريق الصدفة أو الخطأ ربما،  لإمرأة تحمل الكثير من الألم فتدفعها الرسالة لكتابة رسالة  تبوح فيها بمعاناتها الخاصة وهكذا تصل رسالتها لشخص ثالث وتستمر الرسائل التي لا تصل لمن كتبت لهم
لكنها تدفع من تصل له بطريقة ما بالبوح لنجد الرواية عبارة عن حكايات لأشخاص يجمعهم الضياع والمعاناة
شخصيات وراء كل منها حكاية بائسة
شخصيات الرواية تعيش الألم والوحدة فتبث ذلك كله في رسائل تكتب بمداد الحزن ...بريد الليل بريد عجيب
بريد لا تصل الرسالة فيه لصاحبها
وكأن صاحب الرسالة عندما قرر اخيرا أن يبوح بمأساته وحزنه ومعاناته لمن يريده أن يهتم بمعاناته
كان القدر والحظ التعيس ملازم له فلم تصل رسالته
شخصيات الرواية ربطتهم الرسالة
فالرسالة الأولى كانت سبب لبقية الرسائل
تشترك الشخصيات في البؤس الشديد
فهم شخصيات تعيش حياة مأساوية لم يكن أمامهم الخيار
لقد اختارهم الشقاء منذ البداية
قد نراهم لكننا لا نلتفت لهم ولا نعرف عمق الجروح التي في قلوبهم
لا نعرف حجم الألم الذي يملأ وجدانهم....ويلون حياتهم بالسواد
فيحولهم لوحوش بشرية
البوح في تلك الرسائل يصعب أن يحدث في الواقع
هو بوح عميق لمشاعر عميقة
وتتشابه أقدار اصحاب تلك الرسائل
وكأن الرسالة عندما تصل ليد أحدهم تطلق موهبته ورغبته الدفينة في البوح والاعتراف والبحث عن الغفران
قاتل محترف، مومس، مثلي، أمراة منسية ....لا يجمعهم سوى الغربة عن الوطن والتعاسة والعذاب الذي لا نهاية له..شخصيات حرمت من الحب والأمان والأهل.
كأن الرواية صرخة عميقة لبعض العذابات والتعاسات، كثير من هذه التعاسات هي نتيجة طبيعية للحياة المشوهه في البلدان العربية حيث يعيش المواطن حياة فيها الكثير من المفارقات الاجتماعية والدينية ...

تناقضات تنتج شخصيات مشوهه، تهرب من الوطن لتبحث عن الأمن بعيدا فلا تجد إلا المزيد من العذاب..
الرواية تجعل بعض شخصياتها تلازمك لبعض الوقت. 



 الرواية وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر، نعم هي تستحق ذلك.
هل تستحق المركز الأول؟ 
من الصعب الجواب قبل قراءة بقية الروايات الأربع المتنافسة معها على المركز الأول.

رواية صورة دوريان غراي

الرواية جميلة ...
فيها بعد فلسفي عميق...
وتدور حول صورة دوريان جراي كما جاء في العنوان...
والصورة رمز للروح أو ربما ضمير الإنسان ...
عندما يرتكب الإنسان أخطاء واعمال سيئة حتى لو توفرت له الفرصة بأن لا يكتشف أحد ما فعله فإن ضميره سيعذبه...
لن يتركه يعيش مرتاحا
ستلاحقه الكوابيس
ويدمر نفسه...

وذلك ما حدث في الرواية ...
تبد الرواية برسم صورة جميلة لدوريان...لكنها صورة غير عادية 
عندما رسم الرسام تلك الصورة كان دوريان نقيا وطيبا وخاليا من الشر...
يتعرف على هنري الشخصية التي ترمز للشر...
يتأثر دوريان كثيرا بكلام هنري وافكاره...
يتغير ويعيش حياة مختلفة مليئة بالخطايا ..
وتتغير الصورة ...
كلما يرتكب خطأ ما تصبح الصورة أكثر بشاعة...
برع الكاتب في تصوير الخوف الذي يشعر به دوريان...فهو لا يريد أن يطلع أحد على الصورة فيخفيها ...
 
 
 


 

مراجعة لكتاب ورثة محمد: جذور الخلاف السني الشيعي - برنابي روجرسون



الكتاب أكثر من رائع ...
هو من تأليف برنابى روجرسون وترجمة عبد الرحمن عبد الله الشيخ، وقام بالتعليق ومراجعة الكتاب الأستاذ عبد المعطي بيومي، والذي وجه الشكر للمؤلف في كثير من صفحات الكتاب بسبب موضوعيته واحترامه لكل الشخصيات الإسلامية .
الكتاب يأخذك في رحلة إلى الماضي
لتعرف حكاية النبي محمد عليه الصلاة والسلام في بيته ومع زوجاته واصحابه وبعد موت النبي تبدأ حكاية ورثة محمد ..والذي أراد منها الكاتب أن يعرف جذور الخلاف السني الشيعي ...
الكاتب يأخذ مصادره من كتب السلف الإسلامية
هو محايد ويكتب بطريقة رائعة يربط الأحداث ويحللها ويكتب بكل احترام عن الجميع
نعرف بشكل مفصل ماحدث بعد وفاة النبي وكيف تم اختطاف الدين وتحويل دولة الإسلام لإمبراطورية لأسرة حاكمة تتوارث الحكم
تقتل وتعذب دون شفقة ولا رحمة
حتى احفاد النبي يتم قتلهم
تهدم الكعبة
يتم تدجين المسلمين ويحدث الانحراف الخطير المستمر حتى اليوم
الدولة الأموية أسست نظام حكم لا يزال يتوارثه الحكام العرب حتى اليوم
لا يجد الكاتب أي فرق عقائدي بين السنة والشيعة
جميعهم مسلمون
الفرق الكبير هو الاختلاف على من يحق له حكم المسلمين
الكتاب جعلني أستعيد تلك المقولة التي كنا نسمعها دوما
الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها
وهم يقصدون دفن كل ما حدث في تلك الفترة الزمنية
لتبقى أجيال المسلمين تعيش في نفق مظلم لا تعرف لماذا؟
المعرفة قوة
ولا توجد فتنة أخطر من فتنة الجهل والغباء والتحول لفرد من القطيع
بالمعرفة نفهم
ونصحح
ونخرج من ظلمات الجهل لنور المعرفة
ويتغير الواقع الذي لا نزال نراه يشدنا لماضي ندفع ثمنه دون وعي...
عندما نتصالح مع الماضي سنتصالح مع أنفسنا وتتغير أحوالنا للأفضل...

مراجعتي لكتاب البوصلة القرآنية: ابحار مختلف بحثا عن خريطة للنهضة- د. أحمد خيري العمري

الأهداء جميل جدا:
إلى جيل آخر ...قادم لا محالة
اهداء مبشر بالتفاؤل.

الفهرس غني جدا، ومحمس .
عنوان الكتاب يوحي ويحرك الخيال ...ابحار مختلف ...وبحث عن خريطة للنهضة ...بحثا عن كنز...بحر وعواصف ومياة وبوصلة محددة من نوع خاص...
الكتاب محاولة من الكاتب لفهم لماذا نحن متخلفون بالرغم من وجود القرآن معنا؟ ما الذي سبب التخلف؟

رأيه في موقف المؤمن في قضية صاحب الجنتين ...أرى أن التحليل لم يكن موفقا ..لماذا لديه رفض للآخر؟

مقتطفات  من الكتاب أعجبتني:

اقرأ أول فرض فرض على محمد صلى الله عليه وسلم ...أول فرض قبل الصلاة والصوم والزكاة والحج.

40% من المسلمين فوق سن ال 15 عاما هم أميون. أي أن هناك اليوم أكثر من ربع مليار مسلم بالغ يعاني أمية الخط...والأمية هنا هي الأمية الأبجدية- والتي هي أمية فك الخط. ال60% من البالغين الذين يفكون الخط هم في الغالب لا يفكون أكثر من الخط...واقرأ بالنسبة إليهم ليست أكثر من أحرف أبجدية ، لا تعني أكثر من الأصوات التي تترجمها.
ونسبة الأمية هذه مصحوبة بارقام أخرى مفزعة توثق أوضاع التخلف والتردي التي يعيش فيها مسلمو اليوم...ولعلنا لا نحتاج إلى أرقام واحصائيات لنعرف أننا متخلفون، لعل نظرة واحدة حولنا تكفي لاستيعاب ذلك.

إننا متخلفون نعرف هذا ونقر به، ولكن اعترافنا هذا لا يلغي تخلفنا، ولا يوضح أسبابه، ولا يقللمن حجم المسئولية الملقاة على عواتقنا، مسئولية المفارقة المتولدة من أننا ندين بدين كان أول ما أنزل منه: اقرأ.

تذكر: هناك كتاب، ربما على الرف يعلوه الغبار، ربما في السيارة أو غرفة الضيوف للبركة، وربما على الصدر أو الجدار للزينة...ربما تقرؤه يوميا وتسمعه، إذ إن ذلك جزء من عاداتك في استحصال الثواب...لكنك لم تفهمه ابدا كما يجب...ولذلك وصلت إلى هذا الدرك...
تذكر هذا الكتاب يمكنك أن تتفاعل معه فتتغير حياتك وحياتنا...تتغير الاحصاءات والخرائط .
 

 
 

بئر الأحزان


ارتفعت حدة النقاش ...
نقاش حاد ومؤلم كالعادة...
شعرت بالمرارة في حلقي، والألم في صدري ...
وبدأت بالسقوط في بئر عميقة مليئة بالاحزان...
سأبقى هناك في قعر البئر حتى تجف...
وأعود لحياتي من جديد...

( فازت الخاطرة بالمركز العاشر في مجموعة رابطة بني هلال للثقافة والآداب - مسابقة الخاطرة للنسخة الثامنة)