رواية: في بلاد الرجال لهشام مطر

 

الرواية جميلة بقدر ما هي مؤلمة ومؤثرة...
السرد على لسان الطفل سليمان ابن التسع سنوات ...
تحكي الرواية فظائع النظام الليبي في عهد الرئيس القذافي ....تصف التعذيب والاعتقالات والإهانات التي يتعرض لها المواطن الذي تشك فيه المخابرات والأسلوب المرعب لتنفيذ الاعدامات...
كأنها حكاية تتكرر تحت عدد من الانظمة العربية ...
 
هناك تفاصيل كثيرة عن العادات الليبية يعرفها القارئ عبر الحكايات التي تحكيها الأم لابنها سليمان عن طفولتها وعذاباتها وتزويجها في سن صغيرة ...
ويتعرف القارئ على وضع المواطن الليبي الذي حالفه الحظ وغادر بلده...
فأصبح كلب ضال في نظر النظام ...
 
قرأت الرواية منذ فترة وسجلت ملاحظاتي التي لم أنشرها ...
لكن احداث سوريا أعادتها لذاكرتي ..
فكل بلد عربي له أوجاعه والآمه...
اقتباسات:
-نحن في هذه البلاد لا نفهــــــــــم أوجاع القلوب.
- لعل الشك أسوأ من الحزن، واليقين أثمن من الحب.
- كان يملأنى هذا الشعور بالحاجة إلى أن أغدو رجلا بسرعة كبيرة، ولكن ليس لأقوم بالأشياء المرتبطة بالرجولة وامتيازاتها، بل لأغير الماضى، لأنقذ تلك الصبية من يومها الأسود..
-في تلك الليلة حلمت أن أبي يعوم على سطح البحر. كان الماء هائجاً يمور كأنه في الصميم ، يرغي ويزبد على التلال ، وأبي مستلقْ على ظهره ، مثل زورق صيد صغير يحاول الاستسلام لمشيئة البحر.
كنت هناك أيضاً ، أبذل جهدي لأبقي كتفي فوق الماء ، ولئلا يختفي عن ناظري ، لكن البحر ارتفع ، واختفى أبي من المشهد. واصلت السباحة. كنت أعرف أنني قريب منه. ثم رأيته فجأة متخشباً متصلباً. حينما مددت يدي لألمسه تحول إلى سمكة ، خفيفة الحركة ومجفلة. غاص بسرعة وابتعد. تمكنت من القاء نظرة على عموده الفقري الفضي يترجرج تحت الماء.
استدرت ولم ألمح أي شاطىء أعود إليه...
 

 

حكاية صورة

 

في عام 1976 التقطت صورة لطلاب الصف الأول الثانوي بمدرسة صنعاء النوذجية الاهلية التي كان مديرها الاستاذ سعيد المقطري...
أحد الزملاء وربما إنها إحدى الزميلات نشر تلك الصورة لتصبح أشهر صورة على صفحات الفيس بوك...
 
الزملاء وقوفا من يمين الصورة:
أحمد عبدالله 
 هاني فتحي السيد (مصري الجنسية) 
عبد الناصر احمد 
 طارق حسين حبيشي 
عبدالحكيم سعيد قايد ابن مدير المدرسة 
محمد علي سلامه (سعودي ابن دبلوماسي) 
محمد أحمد الدعيس 
أحمد الدغيش 
 
الصف الثاني وقوفا من اليمين:
 الاستاذ سعيد قائد المقطري مدير المدرسة 
حسان ثابت 
خالد عبد الحفيظ بهران 
خالد الشامي 
 عبدالله نعمان محمد غالب ..
 
الصف الثالث وقوفا من يسار الصورة :
الابلة أمينه مدرسة العلوم مصرية الجنسية وابنتها وكانت تدرس العلوم امتازت بشخصية قوية 
الهام مولوي ( ايرانيه ) 
خالده صالح محسن 
أحلام جحاف 
 سمر فؤاد عبد الحي (بنت السفير المصري) 
 عايده (مصرية) 
 أروى عبد القادر هاشم 
 ريم يونس حجازي (أردنيه) .
 
الصف الاخير جلوسا من يسار الصورة:
ريم إبراهيم الارياني 
 فوزيه عبدالله الوهابي 
إيناس محمد زكي( بنت دبلوماسي مصري) 
بلقيس عبدالله حمران...
 
في العام التالي ألغي الصف الأول الثانوي وتوزع الزملاء على المدارس ونحن ذهبنا لمدرسة أروى في شارع الزبيري ..
 
هناك صور أخرى التقطت لطلاب وطالبات المدرسة لكن لم تحصل أيا منها على شهرة هذه الصورة ...
 
المدرسة كان لها هيئة من الأهالي مذكورة في النظام الأساسي للمدرسة ...
 
ولكن عندما تدخلت الحكومة في الأعمال الأهلية والتعاونيات للأسف توقف ذلك الزخم من الحياة المدنية في البلاد ...
 
سنبقى نحلم أن يكون المستقبل أكثر جمالا في بلد يستحق أهله أن تتحقق أحلامهم...
الغريب أن هذه الصورة يعاد نشرها كل فترة من قبل أشخاص ليس لهم علاقة بها، فتارة تنشر على أساس أنها لطلاب من عدن أو تعز ...
على أساس مستحيل وجود هذه المدرسة في صنعاء!!!
أو أنها لعدد من الإعلاميين ... 

 

قراءة لرواية المزحة -لميلان كونديرا:

 


رواية جميلة وعميقة ...تزداد جمالا كلما توغلت فيها حيث تتضح ملامح الشخصيات والأحداث.
السرد ممتع ينطلق من الحاضر للماضي ذهابا وعودة...
يتناوب السرد على لسان أربع شخصيات فيتعرف القارئ على حقيقة الأحداث من وجهة نظر كل شخصية...
لا يتدخل الكاتب في السرد للشرح أو للتوضيح...
أسلوب السرد يدفع القارئ للتعاطف مع الشخصيات دون أن يقع الكاتب في فخ توجيه نصائح أو تبرير ما يحدث أو توجيه أصابع الاتهام لأي طرف...
فالأمر متروك للقارئ...
 
توجه الرواية نقدا لاذعا للنظام الشيوعي، وتكشف آثاره المدمرة على حياة الأفراد دون التورط في خطاب مباشر ...
يتميز أسلوب كونديرا في الرواية بالعمق الفلسفي والسخرية اللاذعة، مما يجعل الرواية تجربة قراءة غنية ومثيرة للتفكير في نقاط كثيرة منها على سبيل المثال:
- كيف تتحول السلطة إلى أداة قمع وانتقام بأيدي الأفراد.
- أثر الماضي في حياة الاشخاص على حاضرهم ومستقبلهم.. فنرى من خلال لوسي أو لودفيك كيف تأثرت حياتهم بسبب الماضي...
- محاولة التغلب على الذاكرة المؤلمة والتعافي من الرغبة بالانتقام..
ترينا الرواية كيف يمكن لنكتة أو مزحة عابرة أن تغير حياة شخص وتعرقل حياته في وجود سلطة ديكتاتورية...
 
الشخصية الرئيسية لودفيك يعود لمسقط رأسه، ويستعيد ماحدث له في حياته بسبب مزحة غيرت حياته في بداية الخمسينات رغم أنه كان يدعم النظام الشيوعي، لكنه عاني من خيانة الاصدقاء وطرده من اللجنة والحزب بسبب مزحة...
فكانت لحظة ارتفاع أيادي مئة من زملائه للتصويت ضده، لحظة مرجعية لنظرة متشائمه وشاكة في الأشخاص والعالم... لحظة تحول أساسية في نظرته للدولة والنظام الذي كان يؤمن به...
يتعرف على لوسي التي يتعلق بها لكنها ترفض أي علاقة جسدية ، ولا يفهم ما هي دوافعها فيغضب ويطلب منها الابتعاد عنه...
يقابل الصحفية هيلين وعندما يعرف أنها زوجة عدوه أو صديقه الذي تسبب بطرده من الحزب يقرر الانتقام منه بمعاشرة زوجته...
يشعر بالخيبة عند معرفته أن علاقة زيمانيك انتهت مع زوجته وهو الآن على علاقة بامرأة أخرى...
تتعقد الأمور لأن هيلينا تقع في غرام لودفيك..
وهكذا تتقاطع مصائر الشخصيات بطريقة عجيبة ...
 
أحداث الرواية تدعو القارئ للتفكير في حقيقة الحياة ، وفلسفة الحياة والموت والانتقام والتسامح...
من اللمسات الجميلة في الرواية أن يتعرف القارئ على المهرجان الشعبي المورافي الذي يتم في الربيع ... ويتعرف على جزء من تاريخ الموسيقى في البلاد وكيف تشوه الدولة ذوق الناس....
 
بطل الرواية يرى أن الأخطاء في التاريخ ليست استثنائية بل هي القاعدة...ويصل لقناعة بعدم جدوى التصحيح بالانتقام لأن كل شيء معرض للنسيان ولا قيمة له بالنسبة للأجيال الجديدة...
الرواية تعرضت للحظر عندما غزا الاتحاد السوفيتي تشيكوسلوفاكيا لسحق ربيع براغ، وكانت الرقابة من قبل قد منعت نشرها ...
وضع الكاتب في الرواية مراجعاته الفكرية والايديولوجية لعقيدته الماركسية اليسارية، وقرر بعدها أن الحياة مجرد مزحة ...
صدرت الرواية قبل أن يفصل كونديرا من الحزب الشيوعي بخمس سنوات...
فر الكاتب إلى باريس بعد يأسه من إحداث أي إصلاحات للنظام ...وسحبت منه جنسيته التشيكيه.
 

 

رواية: لوليتا لفلاديمير نابوكوف

 

لماذا نقرأ الروايات؟ وربما يكون السؤال ما هي وظيفة الأدب في حياتنا؟

خطر مثل ذلك السؤال على بالي وأنا أقرأ الرواية!!!
الرواية تعد مثال للجدل حول عمل أدبي..
رفضتها دور النشر الأمريكية فلجأ الكاتب لدار نشر فرنسية تنشر كتب إباحية...
العجيب أن التايم أدرجتها في قائمة أفضل مئة رواية باللغة الإنجليزية.
واحتلت المرتبة الرابعة في قائمة أفضل مئة رواية في القرن العشرين حسب تصنيف دار مودرن لايبرري...
كما ظهرت في قائمة أفضل مئة كتاب لمكتبة بوكلوبن....
ظهرت على شكل فيلم سينمائي في عام 1962...ومرة أخرى عام 1997...
كما عرضت أكثر من مرة على خشبات المسرح...

هناك من يعبر عن اشمئزازه من الرواية ...ولكن هل تستحق الرواية كل هذه الشهرة؟
قرأتها لأني بصدد قراءة رواية "أن تقرأ لوليتا في طهران"...وقبل قراءة هذه الرواية من المؤكد أن تقرأ أولا رواية لوليتا...
رغم أن موضوعها صادم لكنها رواية مهمة من وجهة نظري ...
موضوعها مهم ...
ومن الشجاعة الكتابة عن شخص مثل بطل الرواية المهووس بحب الفتيات صغيرات السن اللواتي تتراوح أعمارهن بين 9 سنوات و 14 سنة ...
يطلق عليهن اسم حوريات أو جنيات ...
هذا النوع من الأشخاص المرضى يعيشون بيننا بكل تأكيد ...
ومثل هذه الرواية توضح مدى خطورتهم على الفتيات الصغيرات خاصة إذا كان أحدهم من المحارم وقريب من الضحية...
الرواية مكتوبة على هيئة وثيقة كتبها بطل الرواية المدعو همبرت همبرت وهو يقدم اعتراف للمحكمة عن جريمة القتل التي ارتكبها لكنه يبدأ بسرد قصة ولعه بالفتيات وكيف تزوج من الأم ليتسنى له الاقتراب من ابنتها....


الرواية ليست إباحية ولا تحتوي مشاهد جنسية لكن فكرة استحواذ بطل الرواية على فتاة صغيرة لعامين هي الجزء المخيف في الحكاية ...
وأعتقد أن هذا ما أراد الكاتب أن يوصله للقراء....
إنها نوع من التحذير لخطورة أمثال همبرت لأنه شخص مثقف ووسيم وفي الثلاثينيات من عمره ويعمل استاذ في الجامعة ...
لكنه شخص مريض وأناني ونرجسي حرم طفلة من طفولتها لاشباع رغبته المريضه .

 


 

رواية: موت في العائلة لجيمس آجي



سرد جميل ومؤثر
عبر 478 صفحة يعيش القارئ مع مشاعر عميقة وحوارات داخلية للشخصيات ...
يموت الأب فنعيش لحظات تلقي الخبر الصادم
وقع الخبر على كل شخصية ...
ولحظات الصدمة والذكريات ويوم الدفن ...
ببساطة كاتب أبدع في تصوير تلك اللحظات الدقيقة ...
الرواية هي سيرة ذاتية للكاتب جيمس آجي.
في عام 1915 ذهب والده خارج المدينة لزيارة والده الذي أصيب بنوبة قلبية .
لكن خلال رحلة العودة يقتل والد آجي في حادث سيارة...

فاز أجي بجائزة بوليتسر للرواية عام 1958 عن روايته.
كما أدرجت الرواية في قائمة مجلة تايم لأفضل 100 رواية صدرت بين عامي 1923 و2005...
تحولت الرواية إلى مسرحية ومسلسل تلفزيوني وأيضا فيلم سينمائي...

اقتباس:

فليس بيدك أن تحب شخصا أكثر من استطاعتك؛ ببساطة ليس بيدك وليس بيدك أن تحبهم أكثر من القدر المتاح لك على يدهم .
 

 

كتاب: سداسيات بابل لخورخي لويس بورخيس

 

جمع المترجم حسن ناصر عدد من نصوص بورخيس...قصص ومقالات وأشعار... وترجمها في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان سداسيات بابل...
يصف الكاتب بورخيس بأنه كاتب عملاق مدهش، مرح، معقد، بسيط... ويتابع:
" إنه ساحر يرقص كلماته ويحوك براهينه العجيبة ويتكبر أحلامه ومراياه... سنقرأ وصفه لموسوعات وهمية وكتب وجرود من بنات خياله....لقد كتب الآلاف من الصفحات وتحدث عن أشياء كثيرة جداً تنم عن معرفة مدهشة..."
وفي نهاية الكتاب ملحق بعنوان: مكتبة بورخيس، وملحق آخر بعنوان: شطرنج الخيام...
في القصة الأولى التي تحمل عنوان مكتبة بابل يرى بورخيس أن المكتبة عالم الإجابات والمعاني ...
وهي احتمال لا نهائي...
فالمكتبة نهاية فعل دوري مثل الذهاب في جميع أنحاء العالم.
وفي قصة: حديقة المسالك المتشعبة، يتحدث عن مسارات تتباعد في الزمن وكتاب لا نهائي يؤدي إلى مستقبلات متعددة محتملة...
القصص القصيرة التي جاءت تحت تصنيف السرد في الكتاب، تحمل أفكار بورخيس وأحلامه...
وهو يرى أن الغموض هو نوع من الثراء ...
ويبدو من أسلوب كتابته أنه ينتمي إلى نفس فئة كتابات جيمس جويس...
 
قصص بورخيس تأتي على شكل وصف لكتب خيالية مملة ...
فهو يتخيل عالما أو كتابا غير موجود ثم ينتقده ويشرحه ..بل أنه يصف موسوعات وهمية وكتب وعمليات جرد كلها من بنات خياله...
 
القراءة لبورخيس تشبه الدخول في عالم لولبي لا ينتهي...
تعني الدخول في ممرات دائرية لقاعات تتزين جدرانها بعدد لا يحصى من المرايا ويشعر المرء بالارتباك بسبب الأسماء غير المألوفة...
القصص مرتبطة ببعضها ...تتحدث عن الكتب فقط...
وكأن بورخيس يعلم القارئ حب قراءة الكتب ...
 
القصص ليس لها خط سرد واضح وصعود وهبوط يسهل متابعته. لكن قراءتها للتعرف على هذا الأسلوب وفهم عبقرية الكاتب عاشق الكتب...
ومع بورخيس يشعر القارئ أنه لا حدود للأدب، وأنه يمكن الكتابة عن أي شيء وكتابة قصص غريبة لتحفيز خيال القراء وتوسيع حدود الأدب إلى الشاطئ البعيد جدا...بل وسع هذه الحدود بطريقة دائرية...
 
للكاتب خورخي لويس بورخيس هاجس فلسفي عن المتاهة والنهاية واللانهاية...
وله اهتمام بالموسوعات والثقافات الشرقية والرموز الصوفية الإيرانية والعربية والصينية...
نجد في قصة بعنوان المعجزة السرية اقتباس قرآني عن أصحاب الكهف...
يمكن القول ببساطة أن المتاهة وصف مناسب للكتاب ...وهو مناسب لمن يستمتع بقراءة القصص الغامضة والمعقدة. 
 
يوصف بالكاتب العظيم في الأدب اللاتيني...وله أثر على الأدب العالمي...وقد عرف بكتاباته الغامضة والساحرة التي تحمل رسائل عميقة حول الوجود والزمان...
هو صديق لبن غوريون...وزار دولة الاحتلال عام 1969 وكتب شعرا عنها ...
وفي عام 1971 ذهب مرة أخرى لاستلام جائزة ...
حبه لدولة الاحتلال لم يؤثر على شغفه بالأدب العربي وحاول تعلم اللغة العربية ...
لم أفهم كيف استطاع تأييد دولة تطرد شعب من أرضه...
 
اقتباس:
قبل ما يقارب أربعة وعشرين قرنا من الزمان حلم تشونغ تسه
بأنه فراشة... ولما أفاق لم يعد يعرف ما إذا كان رجلا حلم بأنه فراشه
أو فراشة حلمت بأنها رجل...


 

كيف تعلمت الكتابة؟ - مكسيم غوركي

 

من نصائح مكسيم غوركي في كتيب يحمل عنوان:
"كيف تعلمت الكتابة؟"
- لابد للمبتدئين في الكتابة اكتساب معرفة بتاريخ الأدب...
في كل عمل نقوم به علينا معرفة تاريخ تطوره..
 
- من الضروري أيضا معرفة تاريخ الآداب الأجنبية، ذلك لأن الإبداع الأدبي في جوهره واحد في كل البلدان ولدى جميع الشعوب....
المهم هو الإيمان بأن الشباك التي تحاك لاصطياد الروح البشرية منذ الأزل وفي كل مكان مازالت تحاك حتى اليوم، وبالمقابل فإن هناك- دائما وأبدا- وفي كل مكان - أناس يضعون نصب أعينهم هدفا لتحرير الإنسان من الخرافات والأحكام السابقة واليقينيات...
 
- تاريخ الجهد البشري وإبداعه أكثر أهمية وإثارة من تاريخ الإنسان، يموت الشخص ولم يبلغ مئة سنة بينما يعمر عمله لقرون.
 
- هناك قواسم مشتركة كثيرة بين العلم والأعمال الأدبية، هنا وهناك تلعب الملاحظة والمقارنة والمعاينة دورا أساسيا، والفنان مثل العالم يحتاج لامتلاك الخيال والتخمين - الحدس. 
 
- يتطلب الإبداع اللفظي - فن تكوين الشخصيات والنماذج - خيالا وحدسا وصناعة. يصف الأديب صاحب متجر أو موظفا أو عاملا يعرفه، محققا نجاحا متفاوتا في رسم صورة شخص بعينه، مع ذلك فهذه مجرد صورة وحسب ، خالية من الأهمية الاجتماعية والتربوية، ولن تعطي شيئا تقريبا لتوسيع وتعميق إدراكنا بالإنسان والحياة، ولكن إن استطاع الكاتب أن يستخلص من كل عشرين وخمسين ومئة صاحب متجر أو موظف أو عامل السمات الطبقية الأكثر تميزا والعادات والأذواق والإيماءات والمعتقدات وأنماط الكلام ...إلخ...يستخلصها ويجمعها في صاحب متجر واحد، وموظف واحد ، وعامل واحد، بواسطة هذا النهج، فإن...
الكاتب يصنع النموذج وهذا الفن.
 
- قرأت عددا لا يحصى من الكتب السيئة لكنها كانت مفيدة لي.
يجب معرفة الأشياء السيئة في الحياة بشكل جيد ودقيق، تماما كمعرفة الأشياء الجيدة.
علينا توسيع معرفتنا بأكبر قدر ممكن ، وكلما ازدادت التجارب ساهمت في ارتقاء الإنسان وبعد نظره.
 
- أكثر الناس حبا للشكوى هم من فقد القدرة على المقاومة، الذين لا يجيدون العمل أو لايرغبون فيه، وبشكل عام هم الناس الذين يستلذون الحياة السهلة على حساب جيرانهم.

- الأدب، الصديق النصوح للإنسان ومعينه في تخطي صعاب الحياة منذ غابر الأزمنة.
 
- الناس ليسوا أشرارا بقدر ما هم جهلة.
 
- الإنسان أعظم معجزة وإبداع بين جميع معجزات الأرض.
 
- كان للأدب الفرنسي الكبير متمثلا في ستندال وبلزاك وفلوبير تأثيرا حقيقيا وعميقا بالنسبة لي بوصفي كاتبا، وإني لأنصح الكتاب الجدد بشدة بقراءة هؤلاء الأدباء، إنهم فعلا فنانون عباقرة.

 


فيلم Buckley's Chance

 يناقش الفيلم العلاقات بين الآباء والأبناء وكيف تؤثر تلك العلاقات على حياة الأبناء...
بعد مرور عام على فقدان الأب يسافر الأبن مع أمه إلى غرب استراليا للعيش مع جده لإبيه...حيث يفهم لماذا فضل والده أن يغادر المكان ...
يعرض الفيلم بهدوء كيف تسوء العلاقات بين الأهل والأبناء...
سوء الفهم...
لا عواطف قوية...كيف تكون الحياة دون أن نحس بحب الأهل!!!!
يظن الأهل أن الأبناء يقدرون ويفهمون ما يفعله الأهل لأجلهم
ولحمايتهم، لكن ما يحدث أن ذلك الحرص يخلق جدارا سميكا وعاليا من سوء الفهم والمشاعر السلبية...

الفيلم أنتج عام 2021 كان انتاجا مشتركا بين استراليا وكندا، من إخراج: تيم براون وبطولة بيل نيغي وميلان بورش وفيكتوريا هيل. 

تدور أحداث الفيلم في مزرعة الجد الواقعة غرب استراليا...

الأفلام تجعلنا نقف لنتساءل ...نحاول الفهم...
نحاول تحليل أسباب المشاعر السلبية...
تكسبنا نوع من الذكاء العاطفي...وفهم أعمق للعلاقات الإنسانية!!!


في الفيلم يسافر الأبن مع أمه للعيش مع جد لا يعرفه...
لكنه يفهم لماذا ترك والده العيش هنا وفضل المغادرة وانقطعت علاقته بأبيه....
يعيش الأبن مغامرة صحبة حيوان يكون سبب نجاته...
علاقة الحيوانات بالبشر رائعة لمن يفهمها...
بعض العبارات والمواقف في الفيلم تأخذنا للحظات مرت بنا وعشناها وتمكننا من الفهم...
أو البدء بمحاولة الفهم...


 

أسباب الحروب

دائما هناك حروب لأسباب مختلفة ....
وعند الحروب حاول الإنسان المعاصر أن تكون هناك اتفاقيات وقوانين تحكم التعاملات لضمان حماية المستضعفين لأن هناك من لاناقة له ولا جمل ...
في عالم الصورة تظهر بشاعة الأنظمة والجماعات المتقاتلة التي تتخلى عن الاخلاقيات ولاتؤمن إلا بشريعة الغاب.

نبالغ في تقدير الحب - بريجيت جيرو

 المجموعة القصصية: نبالغ في تقدير الحب لبريجيت جيرو ...
حاصلة على جائزة غونكور الفرنسية للقصة القصيرة.
قصص قصيرة عبارة عن نوع من المناجاة أو حديث مع النفس ...
تعبير عن المشاعر لا نعرف الراوي ولا الشخصيات الأخرى ...
لا حوارات بل سطور تفيض مشاعر في حوار مع النفس ...
مراجعة للمواقف والمشاعر ...
"
"لم يحصل شيء ، وأنت لا تحبينه بعد اليوم. تحاولين التثبت. يجب أن تكوني متأكدة . ولكنك لست كذلك . أنا تحبينه، في الحقيقة ، ولا تحبينه في الوقت نفسه. عليك أن تقرري ، لأن الأمر أصبح مزعجا بالفعل"

القصص الإحدى عشر ، متشابهه بطريقة السرد واللغة ...
تدور حول تعقيدات المشاعر...
تلك اللحظات التي تشعر بها بطلة القصص التي لا نعرفها ...
اللحظات التي تقرر فيها مواجهة نفسها والتوقف عن تجاهل مشاعرها...
بعد سنوات من الزواج أو علاقة الحب تفتر المشاعر ...
وتتحول العلاقة لشيء مزعج ومرهق ولابد من امتلاك الشجاعة ومواجهة الحقيقة ...
"الأرامل ضائعات داخل أفكارهن. تدور كلمة "لو" على ألسنتهن بلا انتهاء. لو أنه لم يأخذ الطريق الوطنية، لو أنه لم يصعد إلى السطح، لو أنه سمع كلامي، لو أن أمي لم تقم بدعوتنا في ذلك اليوم، لو أنني لم أقبل الدعوة، لو أنني لم أتغير..."
إنه بوح لم يعتاد القارئ على سماعه...صوت هموم المرأة ومشاعرها ...
قصص قصيرة بأسلوب سرد مختلف عما اعتدناه في القصة القصيرة ...كسر للمألوف وتحطيم للقواعد ..


 

جزء من الصورة

 

سأحاول هنا أن ألخص أفكاري بلغة بسيطة، بعيدة عن التعقيد والتنظير الذي لا يؤدي في الغالب لشيء ملموس. نحن نراقب ما يحدث من نقاشات وحوارات ومحاولات لفهم ما يحدث في اليمن، ولكن يبدو واضحا أن لا أحد عنده الجرأة للكلام عن المشاكل الحقيقية لليمن، عادة يتم التطرق للظواهر والنتائج، ويمكن أن نشير على استحياء للمشكلة، لأننا نخشى لو أشرنا لوجود مشكلات في النظام الجمهوري منذ لحظة تشكله، بأن يفسر ذلك على أننا ضد النظام الجمهوري وبالتالي نؤيد العودة للنظام الملكي. وهذا طبعا نوع من الإرهاب الفكري الذي يرفض إي نقاش حول جذور أي مشكلة ويقفز لإطلاق التهم الجاهزة، ويكمم الأفواه ويعرقل أي حلول أو محاولات جادة لتصحيح الأوضاع في اليمن.

لكن علينا بعد مرور 62 عام من قيام النظام الجمهوري، أن نبحث عن أسباب الاختلالات التي حدثت من أول يوم فعرقلت تحقيق أهداف من قاموا بالثورة! فما نحن فيه اليوم يؤكد بما لا يدع مجالا للشك غياب رؤية واضحة وموحدة للجميع منذ قيام الثورة.

 ما بأيدينا الآن، بالنسبة لي كقارئة عندما اقرأ ما كتب عن الثورة من مذكرات وكتب متنوعة عن الفترة من بعد استقلال اليمن عن النظام العثماني وخروج الأتراك من اليمن وما حدث حتى يومنا هذا، سنلاحظ بوضوح أن أهداف الثورة لم تتحقق حتى اليوم، وأننا لا نزال نعيش في شبه عزلة عن العالم.

وسيبرز سؤال واضح: لماذا؟

      الكتابات التي كتبت عن الثورة لم تكن عميقة، وتبدو كأنها خطاب موحد، تملك لغة لابد أن تسود جميع الكتابات، جميعها تكرر تلك العبارات: الحكم الكهنوتي البائد السلالي الوراثي الرجعي، في غياب كامل لتحليل ورؤية الكاتب ووجهة نظره المستقلة والحرة للأحداث وكيف سيتم إخراج اليمن من الظلام والرجعية والتخلف، وكيف سينطلق اليمن للعصر الحديث بكل ما يتطلبه ذلك، وما هي الوسائل والطرق لتحقيق ذلك. بدلا من استجرار النقد والسخرية وإلصاق كل عيب بالماضي في غياب الحديث الجاد والمسؤول عن واقع اليوم وخطط واضحة لدخول المستقبل. وتقع أغلب الكتابات في فخ تفخيم دور الكاتب وبطولاته، وتركز جميعها على من فعل، على الأشخاص، ليخرج القارئ بانطباع من هو البطل الذي فعل، ومن هو الأكثر بطولة. ويشكو بعض من كتبوا ذكرياتهم من حجم الضغوط التي مورست عليهم حتى لا يذكروا حقائق، بل يرددوا كلام وأحداث محددة سلفا. الأستاذ أحمد المروني مثلا كان بصدد تأليف كتاب يحمل عنوان "في سبيل الدستور"، لكن الكتاب خرج بعنوان" الخروج من النفق المظلم"، بعد ضغوط مورست عليه حتى لا يذكر شيء مما كان يخطط له.

وفي الجزء الأول من مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم، يذكر أن الطبعة الأولى من الكتاب تعرضت لنقد كبير، والنسخة الموجودة بالسوق هي نسخة بعد التعديل، لهذا لا يجد القارئ فيها شيء عدا بعض التلميحات والإشارات التي لا يفهم القارئ منها شيء. أحد ضباط الثورة تعرض لنوبة قلبية بعد حضوره لثلاثة أيام مع لجنة من تنظيم الضباط الأحرار لإعداد وثائق عن الثورة اليمنية في مركز الدراسات والبحوث، وقال إنه لم يستطع تحمل الوضع البعيد عن المصداقية والضغوط التي تمارس على الجميع لقول أشياء محددة سلفا بعيدا عن واقع الأحداث الحقيقية، وأضاف إنهم يزورون تاريخ الثورة وتاريخ اليمن، وقرر الاعتذار عن المشاركة.

من الواضح عند قيام الثورة أن الثوار الأصغر سنا لم يكن لهم رؤية مشتركة مع الثوار الأكبر سنا أو المخضرمين، بدليل أن هناك من كان يشير لدولة يمنية إسلامية، فهو يرفض الإمام لكنه يريدها دولة دينية، نظام إسلامي سني ربما، وهناك من يريدها جمهورية لكن بنظام محافظ للعادات والتقاليد لإرضاء دول الجوار وعدم إثارة حفيظتهم.، وهناك من تأثر بالنظام المصري والقومية العربية أو النظام الاشتراكي.

ويبدو أن ما حدث في الواقع بعد صراعات ظاهرة ومخفية، تلخص في استبدال عائلة حميد الدين بعوائل أخرى تتنافس على الحكم، دون تغيير كبير في الأدوات والثقافة وتم الاكتفاء بالنذر اليسير من التغيير.

لهذا لم ندخل عصر العلم والمعرفة والصناعة بما يتناسب مع طموحات الشعب اليمني للعيش بكرامة في بلد يستوعب ويتعلم لغة العصر ويمتلك أدواته ، عن طريق البدء بالخطوات الصحيحة نحو بناء دولة القانون والمؤسسات، واستمر الاستبداد السياسي بما يتناقض مع أول هدف للثورة الأم:

 " التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتها، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات"

فالحكم الجمهوري العادل هو الذي يضمن مستوى معيشة كريمة للشعب، لكن عندما تصدمنا التقارير والإحصاءات بأن اليمن يعتبر أفقر دولة عربية، ونسبة الفقر في اليمن تتزايد فهذا يدعونا للتساؤل حول حقيقة العدالة والامتيازات لفئات معينة، ( نسبة الفقر في اليمن 82.7% حسب مسح التنمية البشرية في اليمن الذي أجراه البنك الدولي)، ونسبة الأمية لاتزال 70% في إشارة لعدم كفاءة مشاريع التعليم كما جاء في وثيقة استراتيجية اليمن للحد من الفقر عام 2002 والتي نصت على أن: 

" التعليم الأساسي ما زال من المتعذر توفيره لكل الأطفال في سن الالتحاق بالمدرسة"، وتشير الوثيقة إلى المشكلات التعليمية الرئيسية في اليمن التي سببها ضعف النظام التعليمي وعدم كفاية التمويل العام والافتقار إلى القدرات المؤسسية اللازمة لتقديم خدمات التعليم الأساسي بكفاءة ، وبعد المسافة إلى المدرسة في المناطق الريفية والافتقار إلى وسيلة النقل للتلاميذ الصغار ومدارس النوع الواحد في المناطق الريفية، وانخفاض تدريب المدرسين ومؤهلاتهم، هذا جزء من مشاكل التعليم في الوقت الذي أصبح توفير مدرسة وسبورة لا يعد كاف في عصر السبورة الذكية ودخول الإنترنت والحاسوب للمدرسة الحديثة. 

بل أن وسائل القمع أصبحت أكثر قسوة ووحشية بعد دخول نظام التعذيب في السجون والمعتقلات. هذه النقاط، التي تمس حياة وواقع المواطن العادي، التي علينا أن نركز عليها، ونفهم أسبابها، حتى لا نظل دوما عالقين في الديباجات والتنظير لأطراف الصراع السياسي الأمر الذي لا يغير ولا يحسن واقع الناس ومستوى معيشتهم وثقافتهم وفهمهم للعصر الذي يعيشون فيه.

معالجات اليوم ينبغي أن تكون مختلفة عن تلك التي كتبت سابقا تحت سيطرة الرقيب، والتي يبدو على أنها متأثرة بسلطة النظام الحاكم ورؤيته وتفسيراته خاصة الكتابات الصادرة من مركز الدراسات والبحوث التي تمتلك جميعها الديباجة والمفردات والآراء ذاتها، لا نقرأ فيها أي تحليل حقيقي للأوضاع ومعرفة ما هي الأخطاء التي حدثت بعد الثورة وحتى اليوم، ووضع اليد على مكمن الخلل، لأنه من الصعب أن نجد كتاب واحد يتطرق لفساد النظام الحاكم، لكننا نجد الكتابات والإعلام كذلك كلها تدور حول نفسها وتكتفي بتوجيه النقد والسخرية للماضي وكأن الحاضر لا إشكالات فيه، ومحاولة إقناعنا أننا تخلصنا من واقع رهيب رغم أن واقعنا مقارنة بالعالم لا يزال رهيب.  كانت الثورة ضد نظام عزل اليمن عن العالم، ولكن إلى أي درجة نحن الآن جزء من العالم بما فيه من تقدم وعمران؟

 اليوم وفي ظل الفوضى التي نعيشها ينبغي على المفكر الحر أن يفكر بحلول للوضع اليمني وهو يرى الصورة كاملة لكل اليمن بما فيها من تناقضات، وهو مدرك أن ما وصلنا إليه هو نتائج لأخطاء الحكومات السابقة التي كانت تتهرب من مواجهة المشاكل الحقيقية وتغطي على ذلك بالخطب والشعارات حتى تفاقم الوضع وانفجر أخيرا. والحكمة تقتضي ألا نستمر في الهروب وأن الوقت حان لنقف ونتعرف على مشاكلنا الحقيقية دون زيف ولا تزوير. 

علينا أن نتجاوز موضوع زيدي شافعي، سني شيعي، شمالي جنوبي، هاشمي قحطاني، أصحاب مطلع وأصحاب منزل، وانبعاث هذه المفردات اليوم دليل واضح على فشل منظومة التعليم. لأن التعليم لم يساير التطورات السريعة في عالم المناهج المدرسية وطرق التدريس التي ظلت معتمدة على أساليب التلقين التي لا تشجع على التفكير الحر وتنمية الإبداع خاصة بعد إلغاء كل الأنشطة المدرسية والاستخفاف بأهميتها مثل: الموسيقى والمسرح والرسم وحصص المكتبة والرحلات المدرسية وغيرها والتي تلعب دور كبير باكتشاف مواهب الطلاب وتجعل البيئة التعليمية جذابة غير منفرة، كما أهملت المعاهد الفنية وتقلصت أعدادها.

كما أن الوضع الاقتصادي للمواطن يلعب دور كبير في استعداد الناس لتلقف أي اتهامات توجه لذلك الفصيل أو غيره بأنها سبب مشكلات البلاد، عكس ما يحدث في بلد يعيش فيه الناس في وضع يضمن لهم العمل والعيش بكرامة تحت ظل حكومة تشجع الاستثمار وتحمي المستثمر دعما للاقتصاد ومصلحة البلاد.

ونعرف أن كل هذه القضايا التي تنسف الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع اليمني ستزول تدريجيا عندما تسود الدولة الحقيقية، دولة العدالة للجميع بعيد عن تلك الحسابات السياسية التي دمرت ولاتزال تدمر وتمزق النسيج الوطني لصالح جماعات ترى مصلحتها فوق مصلحة المواطن العادي والبسيط. 

الآن، الحلول يجب أن تنطلق من رؤيتنا العصرية لدولة المواطنة التي لا تفرق بين أحد من المواطنين بسبب الجنس أو العرق أو المذهب، دولة المواطنة تضم الجميع ولا علاقة لها بكل ذلك فوظيفة الدولة حماية مصالح وحقوق كل الناس، وتوفر بيئة آمنة للاستثمار ولعيش الجميع، وعلى وسائل الإعلام ألا تتبنى أي صراع مذهبي أو سياسي ولا تتدخل بمعتقدات الناس واختياراتهم. وعلينا تصحيح الخطأ الذي وقعت فيه الدولة سابقا، عندما سلطت جزء من الخطاب الديني ضد خطاب ديني آخر، وبدلا من ذلك على الدولة أن تعترف بالتنوع المذهبي في البلاد ويجب احترام هذا التنوع، وبالتالي ينعكس هذا التنوع على المناهج الدراسية خاصة منهج التربية الإسلامية.

 يجب أن نكون أكثر وعيا وحكمة من الحكومات السابقة وتعديل ذلك الخلل ولا نسمح لأي مجموعة بإن تعتدي على أي مجموعة أخرى داخل المجتمع، لتفرض رؤيتها على الجميع. نعرف جيدا أن هذه أمور ليست سهلة لكنها تحفر وتعمق الشرخ في كيان المجتمع اليمني، ويسهل على من له مصلحة في دمار البلد أن يدخل من هذه الثقوب لتأجيج جماعة، تظن أن هناك نوع من الظلم يقع عليها، على جماعات أخرى. 

على المفكر الحقيقي أن يضع يده على المكان الصحيح للألم، أن يضع يده على جذور المشكلة وليس على النتائج لأننا نلاحظ أغلب المناقشات والحوارت تناقش النتائج والأعراض وتتجنب الجذور الحقيقية للمشكلة.

لسنا ضد القبيلة، ولكن على القبيلة أن تلتزم بالقانون، وشيخ القبيلة عليه أن يكون هو أول من ينفذ ويلتزم بالقانون، القانون الذي هو في صالح الجميع، ولا يكون أبناء المشايخ فوق القانون، وإلا فإن الثورة لم تفعل سوى استبدال حاكم ظالم بطبقة أخرى تمارس الظلم والفوقية على بقية الناس.

علينا أن نناقش كل الاختلالات مثل أن يتم التعامل مع شخص بحسب لقبه، من يفعل هذا هو المثقف أو المفكر المؤدلج، وهو مثقف أو مفكر غير حقيقي لأن عليه بالأساس أن يتبنى مشاكل وهموم المجتمع كافة ولا يقع فيما يدعي أنه يحاربه من عنصرية وطائفية. والمثقف الحقيقي يعمل لصالح كل مواطن وهو على مسافة واحدة من الجميع، أما اختزال مشاكلنا في التخلص من فئة أو مذهب أو عرق فهذا دليل على أننا لانزال في المربع الأول حيث يتجاوزنا الزمن والعصر ونحن نقبع هناك نحمل أفكار عفي عليها الزمن.

علينا أن نتعلم مما حدث في رواندا ونعرف كيف ساهم الاحتلال البلجيكي والألماني في غرس معلومات مضللة حول العرقيات في البلاد التي تتكون من: الهوتو والتوتسي والتوا، وفرضوا بطاقات هوية يذكر فيها العرق، وبثوا أن التوتسي عرقية دخيلة على البلاد، فرغم التحرر من الاحتلال لكن الحكومات التالية كانت حكومات تتبنى أفكار عنصرية ضد جزء من مكونات المجتمع الرواندي الذي يتكون من غالبية هي الهوتو ضد أقلية هي التوتسي. وظل الإعلام الرسمي يبث تلك الأفكار التي دسها المستعمر بأن البلد لن تستقر إلا بالتخلص من التوتسي. وعام 1994 قامت حرب الإبادة ضد التوتسي والتي استمرت 100 يوم من المجازر البشعة على مرأى ومسمع العالم. وعندما توقفت تلك المجازر وهروب مجرمي المجازر تمت ملاحقتهم، وعادت البلاد كما كانت من العرقيات الثلاث، ولكن بجروح عميقة يصعب أن تندمل، وهناك متحف في العاصمة كيغالي أنصح كل يمني أن يذهب لزيارته ليرى جماجم الضحايا التي تقترب من المليون، مع صور مجرمي الإبادة والضحايا. تعلمت رواندا إلغاء تحديد العرقية من البطاقة، وحرمت أي خطاب رسمي أو حتى بين الناس للإشارة لعرق أي مواطن لأن الجميع الآن سواء تحت مظلة القانون. فهل بيننا من يؤيد أن تذهب البلاد باتجاه حرب إبادة ومجازر تزيد من هوة المسافة بيننا وبين العالم المتحضر؟!

     في بلادنا نعلم أن الاستعمار البريطاني حاول تعميق الخلاف المذهبي - الزيدي الشافعي - من أجل تجسيد مبدأ "فرق تسد" كما جاء في كتاب تاريخ اليمن المعاصر للباحث عبد الوهاب العقاب والذي يذكر فيه كيف ألقت الطائرات البريطانية منشورا يوم 17 مارس من عام 1927، جاء فيه:

 "إلى أهل المذهب الشافعي في اليمن وفي المحميات البريطانية"

 وتحدث المنشور عن الدور الذي يقوم به الإمام الزيدي من انتهاك حرمة المحميات البريطانية، وأشار إلى أن المناطق الشافعية لن تصاب بالقصف الجوي إلا إذا قام الأهالي بدعم ومساندة الزيود إلخ. فركزت بشكل سلبي على التنوع الجميل في المجتمع اليمني، ولم يكن يذكر الإمام إلا بصفة الإمام الزيدي بدل من إمام اليمن أو حاكم اليمن، وهو دور مشابه لما فعلته بريطانيا في الهند والتي تجزأت وانقسمت بعد خروج قوات المحتل البريطاني بعد سنوات من إثارة عوامل التفكك بين أبناء البلد الواحد.

ليس من السهل على أغلب الناس تقبل التغيير، لأن التغيير يحتاج وقت. البعض يتقبل التغيير بسهولة والبعض ينتظر حتى يقتنع الجميع بالتغيير فيتغير ويحس بالأمان، وهؤلاء أكثرية.  

هل يكفي أن ترفع صورة العلم وتردد النشيد وتحتفل بمناسبة ذكرى الثورة لتثبت أنك جمهوريا؟

 أن تكون جمهوريا تعني أن تتقبل التغيير، لأن الثورة في حقيقتها هي تغيير. لكن ما حدث في واقعنا، هو تغيير فقط لرأس النظام وظل النظام والثقافة كما كانت، التغيير المنشود لم يحدث بعد، حدث تغيير طفيف، من يستنكر هذا عليه أن يقارن نظام الإدارة وأسلوب التعليم، وللفهم أكثر وتوضيح النقطة التي أريدها هنا: 

لو بحثنا ترتيب اليمن في جداول وإحصاءات الأمم المتحدة لنرى ترتيب اليمن مقارنة بالبلاد العربية سنلاحظ اليمن دوما تأتي في المرتب الأخير أو قبل الأخير. تصنيف وموقع اليمن في التعليم والصحة والفساد ومستوى معيشة الفرد أو أي مجال آخر، نعم كانت اليمن منعزلة عن العالم وتعاني من الفقر والجهل والتخلف في الماضي، لكن لاتزال هذه الصفات ملتصقة باليمن. والتغيرات التي حدثت متواضعة ولا ترتقي لما يطمح إليه المواطن الذي يحق له أن يعيش بكرامة في بلد منفتح على العالم، بلد يمتلك المزارع فيه أدوات الزراعة الحديثة التي تعينه وتحسن من عمله بعد أن تخرج من معهد زراعي وفر له كل ما يخص العلم الحديث في مجال الزراعة ولم يعد معتمدا على الطرق البدائية في الزراعة. 

بلد يشجع السياحة التي توفر للبلد مصدر دخل كبير وتوظف أعداد كبيرة من السكان، بلد يشجع الاستثمار في كل المجالات لتوفير فرص عمل للقضاء على البطالة في بلد أغلب سكانه في سن العمل. 

بلد يشجع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال التصنيع بدل من أن تقوم الحكومة بإغلاق مصنع كان يوفر حياة كريمة لعدد غير قليل من العمال والعاملات كما حدث مع مصنع الغزل والنسيج بصنعاء، مع أن المتوقع هو فتح مصانع أخرى في عدد من المحافظات.

وعندما نقارن حجم التغييرات في البلد المنطقي أن نجري المقارنة مع الآخرين، لأن المقارنة مع الأمس هي مقارنة تعطي انطباع خاطئ لأنها تهمل حركة الزمن والمقارنة الحقيقة هي مع بقية العالم. أين وضع اليمن قديما مقارنة مع الآخرين ووضع اليمن الآن مع الآخرين كم تحسن؟

كيف وضع اليمن مقارنة مع العالم العربي وضع سيء! 

 السؤال: لماذا؟ ما هي الأسباب؟

إنه الصراع السياسي وشراء مواقف المثقف أو المفكر لصالح النظام السياسي لتبييض صفحة النظام وإقناع الناس بالمنجزات العملاقة والقفزة الحضارية مقارنة مع الماضي وكأن اليمني لا يستحق أفضل مما هو كائن. وكم رأينا المثقف المعارض وبشدة للنظام كيف ينقلب لمؤيد وبشدة للنظام.

الصراع السياسي يحول الناس لمنحازين لأحد الأطراف وهذه كارثة حقيقية تجعلنا في دوامة لن نخرج منها.

علينا أن نركز على مشاكلنا الحقيقية، لا زلنا حتى اليوم نعاني من الأمية!

 لايزال اليمني يسافر خارج اليمن ويندهش ويتحسر على وضع بلاده، لايزال مئات اليمنيين يسافروا للعلاج بالخارج كأن اليمن بلد لا يستحق ممن يحكمه أن يبني فيه مستشفيات بمعايير دولية. وكل مسؤول يمني يسافر للعلاج خارج اليمن ولا يهتم بالمساهمة بتوفير مستشفى حقيقي لبقية أبناء اليمن.

علينا أن نؤسس لثقافة تحترم الآخر وتعترف أن له حق في الوجود،  أن نتعلم كيف نعترف بتعدد الألوان وتعدد الأذواق وقبول الآخر.  في الدول المتحضرة هناك قبول للآخر، تعددية، قبول للتغيير بشكل مستمر، نقد للأخطاء لكن عندنا ممنوع. فكما هناك مشكلة تقديس في الموضوع الديني وممنوع النقد أو إبداء رأي آخر، أيضا هناك تقديس لمن يحكم وممنوع الحديث عن الأخطاء التي ارتكبت، لهذا لا نتعلم من دروس التاريخ وتجارب غيرنا من الدول التي شهدنا كيف تغلبت على مشاكل الفقر والتبعية.

علينا أن نكون أكثر وعيا وأكثر فهما وأكثر جرأة، هل نملك هذه الجرأة لنعرف فالمعرفة قوة؟

تاريخ الجمهورية والنضال، تم تشويهه، وتشويه تاريخنا هو تشويه للذاكرة. لابد أن يكون لدينا اعتزاز بتاريخنا الحقيقي لا المزور. كانت هناك فترة في تاريخنا، فترة عزلة عن العالم وتخلف عن ركب العالم المعاصر، لكن هذا لا ينفي وجود أدب وفكر وفن وحياة جميلة للناس، لماذا الإصرار على صبغ كل شيء بالبشاعة والقبح، هذا التزوير المتعمد للماضي خلق تشوه يجعل من الصعب أن يكون هناك مستقبل سليم لمن تشوهت ذاكرته.

نحتاج أن نتعامل مع كل شيء بحجمه الحقيقي، نقول للخطأ خطأ، نزيل التشوهات، حتى تستقيم حياتنا ويستقيم فكرنا وحتى نتمكن من دخول أبواب العصر بثقة وعزة، وإلا سنبقى نعيش في التشويه والعرج الفكري غير السليم، وهذا ما يعاني منه أغلب أهل الفكر المشوه. لأنه فكر يعاني من عقد النقص لهذا يكذب ويزور ويشوه.  وكأننا نؤمن بإن الغاية تبرر الوسيلة.

الشعوب الحية تتجاوز العقبات بعد أن تفهم سبب تخلفها عن بقية الأمم، والتحدي الحقيقي أن نتجاوز بعد أن نستوعب كل المعوقات، ولا نظل عالقين عند فكرة النقد لمجرد النقد دون أن نعي الدرس، نحتاج أن نخرج من هذا الوضع الرهيب الذي سببناه لأنفسنا، وهذا يتطلب أن نبدأ بإعادة النظر في أهداف التعليم ومناهج التعليم وأساليب التعليم وأدواته الحديثة، وتعليم الطلاب في المدارس تاريخنا الحقيقي  بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات، نعطي فرصة للنقد في المدرسة نفسح المجال لقول هذا صح وهذا خطأ دون إملاءات وخوف، نحن نمارس في تعليمنا تسلط وإرهاب فكري وتعنت  لهذا نرى كل هذا العشق للتسلط والحكم الديكتاتوري بين الناس، لنكن صادقين مع أنفسنا ولنواجه كما قلت جذور مشاكلنا وأسبابها لأن معالجة الظواهر عمل غير سليم. 

ليس بأيدينا إيقاف الصراع بين القوى المتصارعة في اليمن، لكننا نستطيع المساهمة في تغيير أفكار الناس ورفع الوعي ومحاولة الحد من ثقافة العنف والكراهية، وهذا لن يتم إلا عبر التركيز على تطوير منظومة التعليم، التعليم العصري بمدرسة عصرية تمتلك كل وسائل العصر وأساليبه بعيدا عند طرق التدريس التقليدية التي أصبحت من الماضي في عالم اليوم.

من المؤسف أن يتورط أصحاب الفكر والثقافة في التحيز لأي طرف ضد طرف أو أطراف أخرى وهذا ما يساهم في إطالة أمد الصراع بدلا من كشف عورات أهل السياسة وسقوط أقنعتهم أمام الجميع، ومعرفة ومدى أنانيتهم وتمسكهم بمصالحهم الشخصية التي تتعارض مع مصلحة البلاد ومصلحة المواطن اليمني البسيط الذي يدعون أنهم يديرون الحرب لأجله. 

نستطيع المساهمة بإحداث تغيير حقيقي عبر رفع وعي الناس وإحياء مراكز محو الأمية وتشجيع الشباب للتطوع في ذلك العمل في الفترات المسائية والعطلات الصيفية وإنشاء مراكز ثقافية تهتم بالقراءة والتشجيع على نشر الثقافة النوعية التي لا تسخر من أحد ولا تحط من قدر ثقافتنا الشعبية، بل تعزز كل ما هو جيد فيها، لان الناس يتفاعلون مع ما يفيدهم وينفرون مما يمس عقائدهم وخصوصياتهم الثقافية. وعندما يرتفع وعي الناس سيرفضون أن يحكمهم من لا يحقق طموحاتهم ويرفع مستوى حياتهم بما يناسب العصر الذي يعيشونه.

بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 نشطت مراكز ثقافية متنوعة تابعة لعدد من السفارات العربية والأجنبية كانت تفيد المجتمع بالتدريب في مجالات تعلم الطباعة التي كانت مناسبة لتلك الفترة وتعلم اللغة الإنجليزية وأعمال السكرتارية واستعارة الكتب وعرض أفلام سينمائية، لكن للأسف الشديد أغلقت رغم أهميتها وحاجة الناس لها.  وعندما جاءت فترة ما أطلق عليها فترة الصحوة الإسلامية تعرض المجتمع لنكسة ثقافية كبيرة لأن كل شيء أصبح ممنوع، الفن والمسرح والسينما وحتى الأنشطة المدرسية.

قد يبدو هذا غريبا للبعض، لكن التغيير الثقافي للناس هو الذي يدخلهم العصر، هو الذي يقنعهم بأن القوانين جاءت لمصلحتهم ويمدهم بمهارات تناسب الزمن ويمحو الأمية الثقافية ويشجع حركات التطوع لخدمة المجتمع حتى لا يتجه الجميع للهروب إلى مجالس القات الذي للأسف شجعته الأنظمة السابقة لأن من مصلحتها أن يبقى الناس دون تغيير حتى تتنصل من مسؤولياتها الحقيقية.

المشوار طويل لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة...وطريق العلم والمعرفة وتمكين الناس هو التحدي الحقيقي رغم صعوبته.