قراءة لكتاب: من قتل والدي لإدوار لوي


العنوان: من قتل والدي، دون علامة استفهام!

ملفت للانتباه، تعجبت لماذا لا وجود لعلامة الاستفهام، الكاتب إذا لا يتساءل، هو يعلم من قتل والده، العنوان صادم ويهدف لشد القارئ خاصة بعد أن نعرف أن والده لم يمت بعد. بل هو قتل معنوي ما يقصده الكاتب. أن تعيش فقير محطم هو نوع بشع من القتل.

هو يخبر القارئ بحقائق عن القتلة الذي لا يتورع عن سرد أسمائهم بكل وضوح.

أي رواية هذه؟

67 صفحة فقط، وتحمل عنوان رواية ربما، في النسخة العربية فقط. 

بداية، وبدافع الفضول اشتريت الكتاب عندما رأيته أمامي على رف المكتبة. هذا العنوان أفكر فيه منذ فترة، عنوان لرواية انوي الشروع بكتابتها. العنوان رددته مرات حتى شعر ت أنه ملك لي. والآن أجده على كتاب أمامي.

لا يحتاج الأمر لكثير من الوقت لقراءة الكتاب.

في بداية الكتاب يقدم المؤلف مقترح لكيفية تقديم النص لو استخدم في عرض مسرحي:

" يقف أب على بعد بضعة أقدام من ابنه في مساحة فارغة وواسعة. يمكن للمساحة أن تكون حقل قمح، أو مصنعا مهجورا، أو أرضية لصالة رياضية في مدرسة. يصلح أن تمطر السماء ثلجا. يصلح أن يدفنهما الثلج حتى يختفيا. لا ينظر الأب والابن إلى بعضهما البعض. الابن وحده من يتكلم. في البداية، يقرأ بصوت مرتفع من ورقة أو شاشة. يخاطب والده، لكن لا يظهر على والده أنه يسمع، ولا نعرف السبب. يقفان على بعد مسافة قريبة، إلا أنهما لا يستطيعان الاقتراب أكثر. يلمسان بعضهما البعض أحيانا، يتواصلان جسديا، لكن حتى في هذه اللحظات يظلان مفترقين. يتكلم الابن، الابن وحده. يؤدي هذا إلى الإضرار بهما؛ لا يُسمح ابدا للوالد برواية قصته الشخصية، بينما يتوق الابن للحصول على إجابة لن تصله على الإطلاق".

من هذه الصفحة نفهم أننا سنقرأ ما سيسرده الابن، صوت الابن فقط هو ما سنسمعه، كانه يخاطب والده، يعاتبه ربما، أو يتذكر طفولته وعلاقته بوالده. نشعر أنه يعبر عن مشاعر الصفح تجاه والده لما حدث منه خلال طفولته من مشاعر الحنق والغضب.

 

والسطور الأولى في الكتاب تلخص الكثير مما سيأتي فيه: 

" عندما سئلت الباحثة الأمريكية روث غليمور عما تعنيه العنصرية بالنسبة لها، أجابت: إن العنصرية هي تعرض جماعة من السكان للموت المبكر، وعلى الكراهية ضد المثلية الجنسية والعابرين جنسيا، وعلى الهيمنة الطبقية، وكل أنواع الاستبداد الاجتماعي والسياسي. إذا ما نظرنا إلى السياسات على أنها قوانين تفرضها جماعات سكانية على جماعات أخرى، وعلى أنها قوانين تفرضها جماعات سكانية على جماعات أخرى، وعلى أفراد لطبقة اجتماعية لم يختاروها، فسنعرف أن السياسات تميز جماعة معينة، تدعمها، وتحميها من الجماعة الأخرى المعرضة للموت، والاضطهاد، والقتل".

 

وتبدأ صفحات الكتاب عن ذكريات الكاتب عن علاقته بوالده، يسرد مشاعر الحب التي يحملها لوالده ممزوجة بالخوف. صفحات نعرف فيها عمق الجرح بداخله وهو يتذكر كيف تعامل معه والده بجفاء وعنف بسبب اختياراته الانثوية التي كانت تزعج والده. 

يصاب الوالد بحادث عمل مروع في المصنع الذي يعمل به وتتدهور أحواله بسبب الإجراءات الحكومية التي تكون بمثابة كارثة على صحة الوالد، وهذا ما يغيظ الكاتب، فيذكر تلك الإجراءات القاسية وكيف تسببت في إعاقة والده في اتهام صريح وواضح.

ففي مارس 2006 أعلنت حكومة شيراك أن الدولة ستوقف دعمها لتغطية نفقات بعض الأدوية، فأتلف شيراك ووزير الصحة أحشاء والده كما يقول. وتدهورت الحالة الصحية للوالد. "كنت أتأمل جسم أبي وأتساءل من الذي حطم هذا الجسم؟ ولماذا صار هكذا؟"
 

وفي عام 2007 قاد ساركوزي حملته الانتخابية ضد من اسماهم متلقي الرعاية والذين يسرقون المال في رأيه من المجتمع الفرنسي. وهكذا تأزم وضع والده المعيشي. وفي عام 2009 استبدلت الحكومة برنامج الضمان الاجتماعي ببرنامج الحد الأدنى للمعيشة وأُجبر والده المريض على العمل كناس في الشوارع مقابل 700 يورو ليقضي يومه منحنيا يلتقط المخلفات بظهر مكسور. 

وفي عام 2016 خلال فترة حكم هولاند مررت وزيرة العمل قانون العمال مما سمح بزيادة ساعات العمل، "هذا النوع من الذل القادم من الطبقة الحاكمة يكسر ظهرك مرة أخرى".  وفي العام 2017 خصم ماكرون 5 يورو من إعانات أكثر فئات المجتمع الفرنسي ضعفا، 5 يورو! وبعد يومين تصرح الحكومة الفرنسية أنها خفضت الضرائب المفروضة على الطبقة الغنية، " يطبقون هذا الحكم الإجرامي لأنهم لا يفهمون. يأخذ إيمانويل ماكرون اللقمة من فمك"

 

يختم الكتاب بقوله: " أنت على حق، أنت على حق، ما نحتاج إليه هو القيام بثورة".

يتركك الكاتب متعاطفا بقوة مع مشاعره، وهو يسرد حكايته مع والده. حقيقة مشاعرة تجاه الوالد، وشعوره بالقهر والحنق لما أصاب الوالد العامل الفرنسي الفقير الذي يعاني الفقر والعجز بعد إصابة العمل التي تعرض لها وكيف تتسبب الإجراءات الحكومية المتتالية بسحق والده وإذلاله.    

 

  الكتاب أثار ضجة وصلت إلى الرئيس الفرنسي ومستشاريه، كتاب يتهم صراحة النخب السياسية الفرنسية ويعتبرها مسؤولة عن معاناة والدة. 

الكاتب إدوار لوي: كاتب فرنسي من مواليد 1992. نشأ في اسرة فقيرة تدعمها الرعاية الحكومية، والده عمل عامل بمصنع لمدة 10 سنوات حتى أصبح غير قادر على العمل عندما سقطت حاوية تخزين وسحقت ظهره، ووجدت والدته عمل للاهتمام بكبار السن. نشر رواية “نهاية إيدي”،  وهي سيرة ذاتية. أثار الكتاب هذا  جدلا واسعا بسبب قدرة الكاتب على سرد حكايته بطريقة مؤثرة، وعرض مأساة الطبقة العاملة في فرنسا وأثر القرارات الحكومية على حياة أفراد تلك الطبقة. هل يعقل أن يكون هذا حال طبقة فرنسية تعيش في هذا القرن؟ 

نعم هذا ما يؤكده كتاب إدوار الذي لا يحتاج لاي خيال ليشدك من الصفحة الأولى لتتابع السطور التي تكشف لك حقائق اغرب من الخيال. يسرد الأسماء الحقيقية لرؤساء الحكومات التي تسببت قراراتهم المنحازة للطبقة الثرية بتدمير حياة الفقراء. هل كان خيال أي كاتب ليصل إلى هذا المدى؟ ما هي صورة فرنسا في خيالك. هل الواقعية تدمر العمل الأدبي؟ وماذا لو كان الواقع أغرب من الخيال؟


 المقال على منصة مرداد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل