دون كيخوت دِ لامانتشا لميغيل دِثربانتس

 

دون كيخوت دِ لامانتشا لميغيل دِثربانتس يعد من أهم الأعمال في تاريخ الأدب على رأي النقاد...
تدور القصة حول ألونسو كيخانو النبيل الإسباني الريفي متقاعد الذي يفرط في قراءة روايات الفروسية القديمة... لدرجة أن يُصاب بالجنون فيقرر أن يصبح فارسا متجولا باسم دون كيخوت دِ لامانتشا...ساعيا لإحياء الفروسية وحماية المظلومين.... يرافقه سانشو بانثا جاره الفلاح البسيط والساذج فيصبح تابعا أو حاملا لسلاحه...
 
تدور أحداث الكتاب حول الصراع بين الوهم والواقع
وكأن الهدف الأساسي للكاتب هو نقد والسخرية من أدب الفروسية الذي أصبح باليا وغير واقعي في عصره...
 
وفي الجزء الثاني من الكتاب يظهر تطور لافتا في البناء الروائي عندما يجد القارئ أن شخصيات الرواية قد قرأت بالفعل مغامراتها التي نشرت في الجزء الأول...
بعد عدد من المغامرات الزائفة يأتي الفصل الأخير الذي ينتهي بموت بطل الحكاية بعد أن يعود لشخصيته الحقيقية ويتبرأ من شخصية دون كيخوت ومن أعمال الفروسية ...
وينتهي الجزء الثاني من الكتاب بالعبارة التي يوجه الراوي كلامه للقارئ:
"ولم يكن هدفي غير أن أبعث الملل عند الناس من حكايات كتب الفروسية المزيفة والحمقاء، فهي ستصطدم بحكايات دون كيخوت الحقيقي وستسقط دون أدنى شك". والسلام.
 
يستمتع القارئ بمغامرات دون كيخوت وحامل سلاحه عبر 1130 صفحة يجد نفسه في بعض الصفحات لايستطيع كتم ضحكاته لظرف المواقف التي يقع فيها بطل الحكايات وحامل سلاحه ...
 
في مدريد يجد الزائر للمدينة نصب تذكاري للكاتب ثربانتس وبطل حكايته دون كيخوت على حصانه روثينانت وهو ممسكا برمح طويل...وحامل سلاحه سانتشو على حماره...
 




الإخوة كارامازوف-المجلد الرابع لدوستويفسكي، ترجمة سامي الدروبي:

 

تتوزع بقية أحداث الرواية في هذا المجلد على أربعة أبواب:
في الباب العاشر الذي يحمل عنوان الصبيان يربط
دوستويفسكي الصراع النفسي لعائلة كارامازوف بالجيل الروسي الصاعد ...الأطفال هم مستقبل البلاد...
 
نرى الدور الذي يلعبه أليوشا مع الأطفال فهو بحسب رغبة الشيخ زوسيما الذي طلب منه الخروج من الكنيسة ومواجهة الحياة ، نراه هنا يمارس ما يؤمن به من التسامح والحب بين الأطفال وعن طريق التعامل الطيب يستطيع وضع بذرة التغيير والتسامح بين الأطفال ..
 
الباب الحادي عشر: الأخ إيفان فيدوروفتش، في هذا الباب يعيش القارئ ذروة الرمزية الفلسفية ...
 
جنون وتهيؤات إيفان وحديثه مع الشيطان يمثل تجسيد للجانب المظلم من فكر إيفان الذي يتصارع مع أفكار المنطق والإلحاد بعيدا عن حقائق الإيمان وكأن الجنون هو النتيجة الطبيعية للفخر العقلي ...
 
في الباب الثاني عشر: الذي يحمل عنوان خطأ قانوني ...نرى كيف تتخبط العدالة الإنسانية العمياء في المحاكمة التي ترمز لعدم كفاءة القوانين ، وكيف يدين وكيل النيابة المتهم بناء على أدلة سطحية وظرفية...
مرافعة المحامي كانت رائعة لكن الحكم يدل على فشل البشر بتحقيق العدالة وكيف تتأثر أحكامهم بنظرتهم للمتهم والأحكام المسبقة حتى في غياب أدلة واضحة ..
مرافعة المحامي عرت المجتمع وقوانينه الظالمة التي لا تدين أب يحرم الأبناء من الحب والعطف
"إن بين الآباء من هم كارثة"
 
"يجب أن نبرهن على أن التقدم الذي تحقق في هذه السنين
قد شمل تطورنا الروحي والأخلاق.
يجب أن نعلن بغير تردد أنه ليس يكفي المرء أن ينسل نسلا حتى يكون أبا، وإنما ينبغي له أن يستحق شرف هذا الاسم أنا أعلم أن هناك رأيا مختلفا عن هذا الرأي ، أن هناك فهما آخر لمعنى كلمة الأب، هو أن أبي يظل أبي ولو كان شيطانا رجيما ومجرما عاتيا في حق أولاده، وذلك لمجرد أنه أوجدني.
ولكن هذا التصور تصور غيبي إن صح التعبير ، تصور لا يستطيع أن يدركه العقل، ولا يمكن قبوله إلا على أنه عقيدة وإيمان، مثله كمثل كثير من الأمور التي لا يفهمها عقلنا ولكن الدين يأمرنا أن نؤمن بها. ومثل هذا التصور يبقى عندئذ في خارج الحياة الواقعية "
 
تنتهي الرواية بخلاصة فلسفية...حيث ترى أن الحياة رغم معاناتها لكنها ملأى بالجمال الذي يمكن العثور عليه من خلال الإيمان بالخير...
 

 

كتابي الجديد: على طريق الغيوم

 صدر كتابي الجديد: على طريق الغيوم وهو من نوع أدب الرحلات. 

الناشر: دائرة الثقافة بالشارقة 

ويعرض الآن بمعرض الكتاب بالشارقة الذي بدأ يوم 5 نوفمبر ويستمر حتى يوم 16 نوفمبر.

الكتاب عن انطباعاتي لزيارات لعدد من الدول مثل: 

ألمانيا، إيطاليا، جيبوتي ، مصر ، أذربيجان، رواندا، إسبانيا، كينيا، اليونان، وسويسرا. 

الانطباعات عما لفت انتباهي في تلك البلاد وعن أهلها، وشيء من تاريخها. 

 

"دائما هناك في القلب شيء لا يحكى، هو سر ابتسامتك المفاجأة..
عالمك الخاص، لكن يأتي وقت تريد فيه أن تطفو تلك الذكريات على السطح، أن تتخذ طريقها للغيوم، لعلها تنزل مطراً يروي عطش الذاكرة.
كان الوقت متأخرا، عندما قررت السفر مرة أخرى، ولكن هذه المرة داخل أروقة ذاكرتي، وقد ارتفع من الشرق قمر أبيض، خفف الغسق، وزاد وضوح الحدود الخارجية للمنازل المحيطة بي على طول الشارع، ليرسم لي حدوداً داخلية، لم أتحرر منها إلا والكلمات تنساب بكل حرية، لتملأ الصفحات البيضاء أمامي."
جزء مما جاء في أول صفحة للكتاب ...
 

 


 

قراءة لرواية: الأخوة كارامازوف - المجلد الثالث لدوستويفسكي ترجمة : سامي الدروبي

 


الجزء الثالث من الرواية يحتوي على الأبواب من السابع حتى التاسع....
هذا الجزء يشكل ذروة الصراع النفسي والفلسفي...حيث . تتكثف المواضيع الرئيسية في الرواية:
الإيمان والإلحاد والحرية والمسؤولية الأخلاقية والذنب والمعاناة....
​​الباب السابع يحمل عنوان: أليوشا...هنا ترصد الرواية لحظة انهيار الإيمان ... لحظة ​صدمة أليوشا ومظاهر الانهيار النفسي والروحي لأليوشا وهو الشخصية التي تمثل الإيمان النقي والرحمة....
 
تحدث وفاة الراهب الأب زوسيما وصدمة تحلل جسده وانبعاث الرائحة الأمر الذي شكل صدمة هائلة للمؤمنين الذين كانوا يتوقعون حدوث معجزة أو عدم تحلل الجسد كما يظن
الجميع أنه يحدث عادة للقديسين.
​فيواجه أليوشا لحظات قاسية تهز إيمانه....
فيبتعد عن الرهبنة وتحت تأثير الصدمة يقع تحت تأثير أفكار الآخرين ...خاصة الأفكار المادية والمُتشككة.
ترتبط عادة الأديان بالكثير من المعجزات ولكن ماذا يحدث عندما تنهار تلك المعجزات؟
هل يضيع الإيمان أم ينبعث إيمانه حقيقي يقوم على الفهم الحقيقي للدين وغاياته بعيدا عن أفكار البسطاء!!!
 
الباب الثامن بعنوان ميتيا وهو الابن الأكبر من الإخوة كارامازوف....
يركز هذا الباب على الدوافع الداخلية والأحداث التي سبقت لحظة القتل المباشر... ويصوّر تخبط ميتيا وفوضاه العاطفية والمالية....
​يبرع دوستويفسكي في تصوير مشاهد الصراع الذي يعيشه ميتيا وكيف يجد نفسه في مأزق رهيب....
إنه مدين لخطيبته السابقة كاترينا إيفانوفنا بمبلغ كبير ويحتاج بشدة إلى المال للهروب مع عشيقته جروشينكا....
هذا الضغط يدفعه إلى تصرفات حمقاء ... ويزيد من حدة كراهيته لوالده الذي ينافسه على جروشينكا.
 
​بتابع القارئ تفاصيل تصرفات ميتيا الذي يفقد القدرة على التحكم بأفعاله وهو يخشى أن يفقد جروشينكا خاصة عندما يعتقد أنها قد تكون في منزل والده...
ويأتي مشهد ضربه للخادم جريجوري الذي يحاول منعه من الدخول للبيت....
كل هذه اللحظات الحمقاء ستتراكم لتصبح أدلة تدينه في حادثة قتل لم يرتكبها .
​في ذروة يأس ميتيا يقرر أن ينتحر ...
عندما يلتقي بجروشينكا بعد أن لحق بها يتجهزان لقضاء ليلة صاخبة مع آخرين ويقرر أنه سيطلق النار على نفسه في الصباح. 
 
​ الباب التاسع: التحقيق التمهيدي
في ​هذا الباب الدرامي يتغير فيه مصير ميتيا وتنتقل أحداث الرواية من الصراع النفسي الداخلي إلى الواقع القاسي للعدالة البشرية....
يتهم ميتيا بقتل والده...
 
بعد ​العثور على الأب فيودور مقتولا توجه أصابع الاتهام على الفور إلى ميتيا بسبب تاريخه العنيف...وتهديداته العلنية لوالده ...وصراعهما على المال والمرأة.
​يبدأ التحقيق مع ميتيا ويقوم المحققون بعملية التحقيق والاستجواب في النزل حيث كان ميتيا مع جروشينكا.
​ يصر ميتيا على براءته من القتل..... ويروي قصته حول كيفية حصوله على المال الذي أنفقه لكن المحققين لا يصدقونه...وهنا المشكلة عندما يصبح الشخص متهما وحيدا وتشير كل الأدلة ضده رغم براءته حيث يسير التحقيق حول إثبات التهمة وإهمال أي إشارة لبراءته...
و​الخلاصة المأساوية....أن الأدلة الظرفية التي تترابط لتؤكد التهمة بشخص بريء مثل تهديداته...صراعاته...وجوده في المنطقة... واعترافه بتوقه للقتل...والمال الذي أنفقه...تتراكم جميعها ضده لتثبت التهمة.
المحققون بدورهم مستندين إلى التحليل النفسي لشخصيته المندفعة والشهوانية يذهبون دون دليل مادي إلى أنه هو القاتل...
يتم اعتقال ميتيا بتهمة قتل والده... وهي النقطة التي تحول ميتيا من فوضوي عاطفي إلى شهيد للمعاناة التي لم يكن مسؤولا عنها بالكامل ولكن كل ذلك يدفع القارئ للتفكير عن حقيقة العدالة وكيف يتم التعامل مع من تشير إليه الأدلة بأنه هو القاتل رغم براءته وكيف يتجاهل الناس الحقائق ويسيرون في تأكيد التهمة على شخصية بريء لأسباب كثيرة ...
 
كيف يشهد من لا يعرف شيئا...
كيف يؤكد التهمة من لا علم له بما حدث !!!!
لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة الغريبة ويتسببون بتدمير إنسان لم يسيء اليهم؟
 
 
 

 

رواية: من أنت أيها الملاك؟ لإبراهيم الكوني



هل يحق للإنسان أن يطلق على مولوده الجديد الاسم الذي يختاره هو؟
ماذا يحدث إذا رفضت السلطات الاسم الذي تختاره لابنك؟
لماذا نختار اسم بعينه ؟ هل للأسماء دلالات مهمة أم أنها كما يقال في التعبير الشعبي مجرد خطام؟

بطل الرواية مسي هو الطارقي أو الأمازيغي الذي ينتقل إلى المدينة...ويذهب لاستخراج شهادة ميلاد لابنه الذي يختار له اسم يوجرتن....
مسي يعني مولاي ويوجرتن يعني البطل الكبير في لغة الأمازيغ....وهما اسمان لهما دلالة عميقة في تاريخهم ووصايا أسلافهم

تبدأ مأساة الرواية برفض موظف السجل المدني تسجيل اسم المولود يوجرتن... بحجة أنه:
"اسم ليس منا، بلسان ليس من زماننا، لإنسان ليس من زماننا" وأنه اسم وثني غير مُدرج في لائحة الأسماء المنزلة.....
وجود لائحة منزلة للأسماء أو لائحة بالأسماء المسموح بها يثير التساؤل بحجم تدخلات السلطة في خصوصيات الناس وتفضيلاتهم وأسباب ذلك التدخل؟
هي نقطة تستحق الوقوف عندها لأنها نقطة جوهرية في الرواية ...


رغم رفض الموظف للاسم الذي اختاره مسي لابنه إلا أنه يصر على ذلك الاسم وهكذا تنطلق رحلة بطل الرواية في دوامة إدارية بيروقراطية وعنكبوتية محفوفة بالانتظار واليأس... في محاولته لإثبات حق ابنه في اسمه... وهو ما يوازي التمسك بـ الهوية والتاريخ.
تصرفات الموظف تذكرنا بمشكلة تعامل المواطن في أغلب الدوائر الحكومية حيث يصبح المواطن ضحية لموظف يفرغ فيه كل احباطاته وعقده !!!!
دون تسجيل الاسم رسميا لا يكون للشخص وجود قانوني في البلد ...
فالمدرسة ترفض تسجيل الطفل ...
دون أوراق ثبوتيه يصدرها السجل المدني يكون الإنسان شبحا لا أحد يعترف به ولا حقوق له ...


تتدهور العلاقة بين الأب والابن الذي يلوم أباه على هذا الاسم الغريب الذي لم ترض عنه السلطات...

من المنطقي أن يتحول الابن لخارج عن القانون وينضم لجماعة تتبنى العنف وتخطط لنسف مبنى السجل المدني ...
فهل السلطات هي من تفرخ الجماعات العنيفة والخارجة عن القانون ؟

تنتهي الرواية بطريقة مأساوية مفاجئة عندما يقتل الأب ابنه....
الرواية تناقش أزمة الهوية والانتماء ...ومعضلة التنوع في البلد الذي لا تعترف به السلطات...
السلطات تريد لون واحد وتعمل على طمس بقية ألوان الطيف أو التنوع في المجتمع العربي ... والرواية تركز على واقع الشعب الامازيغي أو الطوارق في ليبيا...
ترمز الرواية إلى الفناء المحتوم لشعب تحول السلطات بينه وبين ثقافته ومن تلك الثقافة الأسماء وكل ما له صله بالثقافة ...

يشعر القارئ كأن الرواية صرخة يائسه تعكس استسلام هذا الشعب لقدر محتوم يهدد بإنهاء ثقافته واندثارها والتي جاءت في الرواية بمشهد مقتل الابن الذي يمثل اندثار ثقافة ذلك الشعب بين الأجيال الجديدة التي لا تعرف الكثير عن ثقافة الآباء والأجداد وصعوبة الصراع بين الاقليات والسلطات للحفاظ على هويتها...
في الرواية الصحراء هي رمزية النقاء والحرية والتاريخ وثقافة الأجداد ووصاياهم والهوية الأمازيغية...
المدينة هي رمزية السلطة والقهر والبيروقراطية والاستسلام وضياع الهوية والواقع الحاضر
اللائحة المنزلة للأسماء ترمز للقانون الجائر والسلطة القامعة وصهر الهويات وطمس أي إختلاف ...
في الرواية يستعين الكاتب بمرويات ونصوص من الكتاب المقدس وقصص الأنبياء وخاصة ابراهيم مع ابنه الذي هم بذبحه لكن الملاك يأتي منقذا للابن ...
وهنا يأتي عنوان الرواية الذي يذكر الملاك ويتساءل عن حقيقته...

الرواية عمل عميق يناقش قضايا سياسية واجتماعية تتعلق بحقوق الأقليات في المجتمعات العربية
معتمدا على لغة أدبية جميلة تمزج بين الحدث الواقعي والترميز الفلسفي ليعبر عن عمق الاغتراب والتهميش الذي يعانيه الإنسان الذي يفقد اسمه...يفقد حرية الاختيار ... فيفقد بذلك وجوده وانتمائه في نظر السلطة.


 

المجلد الثاني من رواية الأخوة كارامازوف لدوستويفسكي ترجمة سامي الدروبي:

 


تبدأ الأحداث في هذا المجلد بالوضوح...
العلاقات الاجتماعية بين الناس من طبقات مختلفة ...
معضلة الخير والشر واختلاف الناس في الفهم حتى بين الأخوة ...
شخصية الأخوة إيفان الذي يعاني من التمزق وهو يبحث عن إجابات لأسئلته الوجودية ...
يبحث عن تبرير لكل تلك القسوة في العالم ...خاصة عندما يدفع الثمن طفل بريء أو حيوان لا حول له ولا قوة....أي حكمة تبرر هذا؟
" يزعم بعضهم أن الوجود على هذه الأرض لا يمكن تصوره خاليا من الألم ومن الظلم اللذين يستطيعان وحدهما أن يهبا للإنسان معرفة الخير والشر! ألا بئست تلك المعرفة إذا كان ثمنها هذا الثمن! إن كل ما في العالم من علم لا يكفي للتفكير عن دموع تلك الطفلة التي تتوسل إلى الرب الرحيم أن ينجدها"
 
ويفاجئ أليوشا بصراحة والده وحديثه الجرئ معه:
"جميع الناس يعيبون الخلاعة، ولكنهم جميعا يتعاطونها. كل ما هنالك أنهم يتعاطونها سرا على حين أنني أتعاطاها علانية. إن صراحتي وسذاجتي هما اللتان تعرضاني لهجوم ونقد تلك العصبة الفاسقة من الواعظين بالأخلاق"
أليوشا الابن الأصغر الذي يمثل شخصية البريء والنقي سينتقل بين الشخصيات ليسمع تلك الحوارات والتصريحات حتى من الراهب زوسيما الذي سيتحدث قبل موته عن جزء من تاريخه ٠
"ما من أحد يستطيع أن يجعل نفسه قاضيا على مجرم قبل أن يدرك أنه، وهو القاضي، لا يقل إجراما عن الجاني الماثل أمامه، وأنه ربما كان هو المسؤول عن الخطأ الذي ارتكبه هذا الرجل" 
 
 
في الرواية يظهر حجم الدين وأثره في حياة الناس في ذلك الزمن بروسيا ومكانة رجال الدين ...
وفي المشهد الذي يظهر فيه أليوشا مع ذلك الصبي الذي يتعرض للضرب من رفاقه في المدرسة ويعض إصبع أليوشا بقسوة ليكتشف حكايته ومأساة أسرته ...
يسرد الراوي حكاية عائلة ذلك الصبي التي تعيش معاناة الفقر والحاجة ويصور حجم الألم الذي يعاني منه الصبي لأن والده تعرض لموقف أهينت فيه كرامته أمام الناس من قبل ديمتري كارامازوف ولن تفلح محاولات أليوشا لإصلاح الأمر ...
وكأن الكاتب يأخذ القارئ إلى داخل عالم الفقراء والمنبوذين ليرينا حجم المعاناة التي يعيشونها...
عبر أكثر من 300 صفحة يعيش القارئ مع أسئلة فلسفية عميقة ومواقف تدعو للتفكير في حقيقة الحياة والخلق والعدالة والاخلاق...والفروق بين الناس حسب شخصياتهم


 

الجزء الأول من رواية الأخوة كارامازوف لدوستويفسكي ترجمة: سامي الدروبي

 

الرواية من كلاسيكيات الأدب الروسي...
يخاطب الراوي القارئ معرفا بأبطال الرواية ...
عبر هذه الرواية يعيش القارئ مع شخصياتها الرئيسية:
الأب القاسي الذي بدأ حياته من الصفر ويعيش على مائدة الناس لم يكن أبا حقيقيا لأنه قاسي مدمن للخمر شهواني
وله ثلاثة من الأبناء تربوا بعيدا عن حنان الأب وعطفه
ولا دور للأمهات هنا الابن الأول امه رمت نفسها من أعلى شاطئ وعر والأم للابنين الاخرين هجرت البيت وفرت مع رجل آخر ...
بتلك الخلفيات المأساوية تبدأ قصة أسرة كارامازوف

لكل أخ من الأخوة الثلاثة شخصيته التي يتميز بها وعلاقاتهم الغريبة مع الأب الذي لا يهتم بغير نفسه ...
يذهب الكاتب بنا في أعماق كل شخصية من الشخصيات التي تمثل عالم قائم بذاته ...
فليست الرواية مجرد سرد لحكاية الأخوة كارامازوف لكنها سرد للبيئة والزمن والثقافة وأثر كل ذلك على كل شخصية من الشخصيات...

فهم خلفيات الشخصيات وبيئاتها مهم لنعرف سبب تلك التصرفات ودوافعها...
وهذا ما جعل روايات دوستويفسكي تذهب عميقا داخل النفس البشرية ...

اقتباسات:
-إن في البشر - وحتى في أعتى المجرمين - من السذاجة والطيبة فوق ما قد نتخيل.

- قال لنفسه على نحو طبيعي تماما:
" إنني أريد أن أعيش للخلود، وإنني أرفض التسويات وأنصاف الحلول"
ولو قد انتهى إلى نتيجة أخرى فاقتنع بأنه لا وجود لله ولا وجود للخلود لما اختلف الأمر، ولأصبح على الفور ملحدا واشتراكيا ( لأن الاشتراكية ليست مسألة الطبقة العاملة فحسب أو ما يطلق عليه اسم الفئة الرابعة، وإنما هي قبل كل شيء نظرة إلحادية وتجسيد حديث للكفر بالدين. إنها مسألة برج بابل التي يحاول البشر أن يشيدوه بلا إله بالضبط، لا ليرتفعوا من الأرض إلى السماوات، بل لينزلوا السماء إلى الأرض).

-إن من يكذب على نفسه ، ويرضى أن تنطلي أكاذيبه، يصل من ذلك إلى أن يصبح عاجزا عن رؤية الحقيقة في أي موضع، فلا يعود يراها لا في نفسه ولا فيما حوله، وهو ينتهي أخيرا، لهذا السبب، إلى فقد احترامه لنفسه واحترامه لغيره. 

 


 

الحب تحت المطر لنجيب محفوظ

 


تدور الرواية في فترة الانكسار بعد الهزيمة ...
من خلال شخصياتها المتعددة يرسم نجيب محفوظ ذلك الانكسار الداخلي وارتباط العلاقات العاطفية والاجتماعية لجيل كامل يعاني من الخذلان و يبحث عن المعنى ...
أحداث الرواية ترصد حالة اليأس والضياع بعد هزيمة يونيو 1967....
يرصد الزلزال الذي أصاب القيم عندما تاهت الحقيقة وعاش الناس فيما يشبه التيه في ظل غياب الحقيقة ...
 
شخصيات الرواية من أوساط متباينة تجمعهم علاقات ومصالح ولكل شخصية هدف ... 
 
هناك شيء من الرمز في الأحداث كما يتضح من شخصية الجندي الذي يفقد بصره في المعركة ...فهل هي رمزية لما أصاب المجتمع من عجز في رؤية الحقيقة والأسباب التي أدت للهزيمة...
المدهش في الرواية أن القارئ لا يتوه مع الشخصيات رغم كثرة عددها ...فكل شخصية في مكانها المناسب وتحظى باهتمام ومتابعة القارئ وتعاطفه.... 
 
وكما يحدث في واقع الناس تتداول مصائر الشخصيات التي تتلاعب بها الأقدار وتكشف بصراعها خفايا النفس البشرية ببساطتها وقسوتها وكيف تترك الحرب ظلالها على الناس وآثار الفقر التدمرية على القيم ومصائر الناس... وكيف يكون البعض ضحايا لآخرين..
كانت العلاقات التي تجمع الشخصيات وسيلة لرسم جزء من واقع المجتمع في فترة التناقضات عندما يسمع الناس عن المنجزات والمشاريع الضخمة في الوقت التي تقيد فيه الحريات وتكمم فيه الأفواه وتغيب فيه الحقائق عن الناس فيعيشون في حالة من القلق والترقب وعدم اليقين...
 
السرد في الرواية ينقل أحداث الرواية بسلاسة وهدوء وكعادة روايات نجيب محفوظ الشخصيات رسمت بدقة وكأن القارئ يراها أمامه ...فهل يحق لنا أن ندين الشخصيات وهي تعيش واقع غير طبيعي!!!!
الحوارات رائعة وتحمل عمق فلسفي ينفذ لأعماق المجتمع ...
نعم كيف يتوقع مجتمع النصر على العدو الخارجي قبل أن ينتصر على المعيقات الداخلية ...التي تعيق حياة تحافظ على كرامة المواطن وعزته على أرض بلده...في الرواية تحاول بعض الشخصيات الفرار من كل شيء والهجرة خارج البلاد !!
 
اقتباس:
القلب يعرف أكثر ممّا يتصور العقل!‏"

 

يوميات طبيب من بغداد - اسراء محمد جواد:

 


اليوميات أدب متميز في قيمته الوصفية والتسجيلية والسرية....
هي سجل للتجربة اليومية...
 
هناك من يملك ثقافة كتابة اليوميات كطقس يومي، يكتب كل ما يحدث له في يومه ويسجل مشاعره وأفكاره الحرة حول ما يحدث...
وبالطبع، هناك فرق بين المجتمعات التي يمتلك الفرد فيها سقف حرية مرتفع؛ فيعبر عن مشاعره وأحلامه ومخاوفه بحرية دون خوف مما يكتب وما يترتب عليه من إحراج للأهل والأصدقاء وما هو موقف الجهات الرسمية مما كتب!!!!
في ثقافتنا العربية هناك ثقافة الستر...
استروا ما ستر الله
لدرجة التستر حتى على الجاني والجلاد والطاغية والمغتصب والقاتل...
 
غياب الحرية ووجود تلك التابوهات الشهيرة...تساعد على التكتم وتقييد الفكر والقلم...
سلطة المجتمع قوية ويتعرض الكاتب للسخرية والاستهزاء بعدد الحروف التي كتبها...
ناهيك عن القراءة المتربصة لما يكتبه العربي وتلك الاسئلة خاصة عندما تكتب الأنثى...
فيخلط القارئ غالبا حتى بين شخوص الرواية وشخصية الكاتب...
ولا يفرق بين الأجناس الأدبية ...وهناك من يقولها صراحة بأن المناخ في مجتمعاتنا غير مهيأ بعد لكتابة أدب اليوميات...
خطر كل هذا ببالي قبل أن اقرأ الكتاب ...
 
وعندما وجدت بأول صفحة تحت عنوان تنويه: " أي تطابق في أسماء شخصيات الرواية، أو أماكن وقوعها مع الواقع، هو -بالتأكيد- مصادفة غير مقصودة"
الكتاب يمر سريعا بالقارئ ليعيش مشاعر الخوف التي تدفع المواطن العراقي المحب لبلده ليغادر البلاد ...
لا نعيش كثيرا مع اليوميات ...لأن الكاتبة انتقت من يومياتها صفحات محددة ترسم صورة البلد بعد الغزو الأمريكي والاغتيالات اليومية للأطباء وغيرهم الأمر الذي دفع كثير منهم للمغادرة ...
 
نعرف كيف تتحول الأوطان العربية لمسرح للفوضى التي يبدو أنها مرسومة بدقة ...فتتحول الأوطان لحسرة في القلوب ...
لفت انتباهي تشابه بعض التعبيرات اللغوية في اللهجة العراقية مع ما نستخدمه في اليمن خاصة بصنعاء مثل مناداة أم الزوج بالعمة...
واستخدام لفظ باغة للمواد البلاستيكية
ووجود أصحاب العربات أو العربيات التي يقودها فتية صغار في السوق..
وتناول خبز التنور الحار
والبسطة في السوق...
 
وحقيقة تولي صدام حسين الحكم في عام 1979... واندلاع الحرب مع إيران في عام 1980، وبداية تأزم الحالة الاقتصادية في العراق وكأن صدام حسين جاء لدور محدد...
وتشير الكاتبة كيف تغلغلت الطائفية في المجتمع العراقي واستنكار الناس لذلك:
"حتى انتخابات النقابة ما سلمت من الطائفية يا أميرة. هناك تلگون قوائم بألوان مختلفة، تميز المرشحين، مؤهلاتهم العلمية، خلفياتهم السياسية والأحزاب المنتمين ألها، وبعدين تجي أسئلة غبية عن الاتجاه الديني والطائفي الهم وإلنا، شنو علاقة الاتجاه الطائفي بشغل النقابة. كافي بعد ما إلنا عيشة بهذا البلد"
 
يشعر القارئ بالحزن لأنه يقرأ واقع يعرفه ويعيشه، فالموضوع ليس قصة خيالية بل واقع محزن ومخيف...ويبدو أن كثير من تفاصيله تتشابه في البلدان العربية....
 
اقتباس من الكتاب:
-يقول جيفارا "كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقًا. لكني لم أكن أتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطنًا نسكنه، ونتكلم لغته ونحمل جنسيته"، وهكذا نحن، وهكذا أنا أصبح وطني منبع حزني...

 

الجزء الثالث من الرواية بعنوان : ثورة النمل للكاتب الفرنسي برنار فيربير

  تتوالى أحداث الرواية عبر خطين سرديين متوازيين أحدهما للشخصيات من البشر والآخر للشخصيات من النمل ... وتتداخل مع السرد مقاطع قصيرة من الموسوعة التي تحوي مقالات علمية لتوضيح أو إلقاء المزيد من الضوء على الأحداث ... 


ما لفت انتباهي في الرواية :
- تحويل النمل لشخصيات في رواية يتفاعل معها القارئ ويتابع ما تقوم به ...
تحويل ما يعرفه الكاتب عن النمل وتجسيده على هيئة شخصيات مميزة لها أسماء وأهداف ورغبات يعد عمل مبدع ...
فالنملة 103 المكتشفة والمغامرة وهناك النملة الساذجة التي تضيع طريقها أغلب الوقت...حوارات النمل بخيال مدهش ليتعرف القارئ على عالم النمل وأسلوب حياته...

- تعج الرواية بالأسئلة الوجودية...عن الحياة والموت وحقيقة الدين ...
كيف نشأ الدين ولماذا ينقسم الناس لمؤمنين وربوبيين ومنكرين للدين ومتشككين!!!!


_ حقيقة أن الإنسان ليس المخلوق الوحيد على هذا الكوكب ...
هناك مخلوقات اخرى تتشارك معه في الوجود على هذا الكوكب الذي يتسع للجميع، لكن الإنسان يتعامل كأن الكون له وحده دون منازع فيقتل ويدمر ويخل بالتوازن البيئي للأرض..


- تعج الرواية بكثير من القضايا التي تستحق الوقوف عندها مثل مبدأ الاحتجاجات وحقيقة ثورة بلا عنف ...


وتعامل السلطات مع الناس ومصداقية وسائل الإعلام وإهدار الاطعمة ورميها في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الناس من الجوع والحاجة لذلك الطعام الذي يهدر.... وهل يحق للبشر سحق وقتل أغلب المخلوقات والحشرات وهل تحقق المحاكمات العدالة فعلا أم أنها تخضع لمزاج القاضي أو غيره من أصحاب السلطة والتأثير !!!



كتاب لست سوى امرأة للكاتبة أحلام يحيى على منصة كتبنا

 

رضا أبو زينة
متابعة ولاء مصطفى
 
أطلق على منصة كتبنا للنشر كتاباحديثا يحمل اسم "لست سوى امرأة"، للكاتبة أحلام يحيى، وتطل علينا الكاتبة اليمينية الحاصلة على درجة الماجستير في إدارة الأعمال أحلام يحيي جحاف بمجموعة قصصية تتكون من 23 قصة قصيرة، لعنوانها صدى ينبئ عما قد تدور حوله المجموعة.
 
قد عكست الكاتبة الصوت النسائي الذي طالما ما تم معاملته باستخفاف وانعدام أهمية، ونراها استطاعت أن توظف ذلك الصوت النسائي على تنوع أعماره بدءا من الطفلة الصغيرة، التي كانت هي الراوي في أولى القصص وتحكي لنا من خلال قصة بسيطة كيف كان يتم تخويف البنات الصغار لمجرد كونهم صغار ضعاف لا حول لهم، ومرورا بالشخصيات الأكبر سنا وأكثر تعمقا في هذه الحياة.
 
كذلك تراها عكست أيضا في إحدى قصصها صورة من صور المرأة في التراث الشعبي للنوادر والقصص على أنها بلا قيمة أو وزن، ليس ذلك فحسب وإنما وصل بهم الأمر إلى مساواتها مع الدواب.
وفي قصة أخرى سيطر فيها طابع الخضوع للموروثات الخاطئة وقلة التفكير المنطقي والإيماني كل على حدة، وكأننا ننقل تلك الموروثات بشكل أصم ولا نعطي أنفسنا مساحة للتفكير في الأشياء التي نفعلها للإبقاء على ما هو صواب وترك ما هو خاطئ منها، ولم يقف الطرح للفكرة عند هذا الحد وإنما زاد ليصور أن من يعارض تلك الموروثات جملة فهو شخص عنيد قليل الأدب والاحترام لمن ينصحه، ولعل ما زاد على الطرح هو عرض الفكرة على لسان اثنتين من الشخصيات هما الزوجة وأم الزوجة لتمثل كل واحدة منهن رأي مخالف للأخرى، وربما يكون
تعبير واسيني الأعرج الكاتب الجزائي في روايته “العربي الأخير” أقرب ما يكون لذلك؛ إذ قال:
“الحياة ليست فيما نراه وإنما أيضا ما ينام فينا منذ قرون لا حد لها”.
وعلى مدار المجموعة غير المتصلة ببعضها البعض من ناحية القصص والعرض، نجد الكاتبة تحاول تعميق فكرة الوعي، سواء كان الوعي العام من المجتمع بأهمية المرأة وقيمتها ودورها الفعال عندما وضعها في المكانة الصحيحة وبالرؤية المنصفة لها ولإمكانياتها.. أو الوعي الشخصي وعي المرأة بذاتها وحقوقها وقدراتها وبخياراتها التي تأخذها والطرق التي تسلكها في الحياة نتيجة تلك الخيارات.
 
ولا تقتصر الكاتبة على قصص المرأة التي تصورها بشكل مهزوم فقط من المجتمع، وإنما تراها عكست ذلك النوع الآخر من المرآة غير المهتمة بشيء سوى نفسها والصورة الاجتماعية المنعكسة عنها في الأوساط وأشكال الحياة التافهة كما في قصة “حرم الوزير”، وهو ما يعضد ما سبق ذكره عن الوعي الشخصي بالاختيارات التي يتم أخذها والوجهة التي يريد أن يسلكها المرء مستقبلا.
 
https://l.facebook.com/l.php?u=https%3A%2F%2Fmisrnn.com%2F2022%2F07%2F%25D8%25A5%25D8%25B7%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2582-%25D9%2583%25D8%25AA%25D8%25A7%25D8%25A8-%25D9%2584%25D8%25B3%25D8%25AA-%25D8%25B3%25D9%2588%25D9%2589-%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25B1%25D8%25A3%25D8%25A9-%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2583%25D8%25A7%25D8%25AA%25D8%25A8%25D8%25A9-%25D8%25A3%25D8%25AD%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585%2F%3Ffbclid%3DIwZXh0bgNhZW0CMTEAYnJpZBExU2pCeUJGS2JsSzZzMTFOZgEeyGOg13vJF5M9SSdNU98R554wvVbF9zC7tWFDbigC0dsLCHzNKw_cf_13384_aem_SFRSDHbPL7r0hal-Pk22SA&h=AT2R6nt7sLM-L0AamoNouZjkMrqnfg-amf22CeoOJ6Bu5i-QQaZNQ88B-zb277R5PfydKiKOzTpYWUMIAdvejbxBn2x1AQ_IkWiSuXBjHzpQfZLisNuUXC_CpY56q6E6UgJvyswWWlMUMA&__tn__=%2CmH-R&c[0]=AT1HYOFRAW3VXRcLmk4k8Hh8rz8mS00ug_2rnhs18klEfGxZ3K9rcYsG95OvVg3jj1Dwt7YjoLU1YpUwG1YiBhRdAUrti3FtgtFerLHCRQuAlllxYWYmEQSiSxpKr1b3ITKZ8cDDZ5tq3MRM_FLownGhSbI59bKvpQk89Y1x1cQgLW8cTZ0g8Bq3iP_MHv2wPxCMzJOeHV5d1eg2UiRHW6J_ 
 

قراءة نقدية: رفيق الرضي

 


ما بين وخارج أسوار مدينة صنعاء القديمة، ترتسم على الحجارة قصصًا عريقة تتحدث عن تاريخ اليمن الموغل في القدم، وفي ظلال بساتين العنب وخضرة “وادي ظهر”، يتربع “دار الحجر” شاهدًا على حضارة متجذرة، يتجلى سحر العنب اليمني بألوانه ونكهاته الفريدة التي ضرب فيها المثل لمن يلازمه سوء الحظ في الاختيار بين أمرين فيخسر كليهما (بلح الشام وعنب اليمن).
 
هكذا أخذت الكاتبة أحلام جحاف القارئ في سردها وروايتها لأحداث وقصص وشخصيات ليتداخل الواقع بالخيال، فيرسما صورة جميلة في كل مرة، وتنقل القارئ في جنبات حارات صنعاء وأزقة شوارعها، ليعيش مع شخصيات القصص الواردة في جنبات الكتاب الصادر عن دار “كُتبنا للنشر”، واختارت الكاتبة أن تظهر المجموعة القصصية أمثلة وقصصًا من التراث اليمني، في رسالة تسعى من خلالها لإتاحة الفرصة لخيال الكاتب لتلقي تلك الرسائل، وتحفز لديه التفكير النقدي حول تناقضات المجتمع، في محاولة فك طلاسم التعقيدات الكثيرة والأحكام المسبقة حول المرأة وكذلك حول أغلب قضايا المجتمع.
 
لم تقدم الكاتبة صورة واحدة للمرأة، بل تركت الأمر للقارئ للتعرف إلى نماذج مختلفة من الواقع اليمني، حيث تعيش المرأة الواقع بكل تعقيداته وتناقضاته وتحدياته، كما تتعرض للتهميش والإقصاء، في تراجع لما وصلت له المرأة اليمنية من مكانة تاريخية، فقد عرف اليمنيون المرأة قائدة وحاكمة ومشاركة للرجل في المسؤوليات والمهام.
 
ومن خلال ما أوردته الكاتبة، فإن القصص لا تُظهر المرأة دومًا ضحية للرجل، بل تظهر في بعضها قدرتها على القسوة والتسبب بالألم للآخرين، فيكون الرجل الضحية في أحيان وفي غيرها تجد قسوة المرأة طريقها للتسلط على من حولها، ولم تقدم الكاتبة حلولًا لمشاكل وتعقيدات المجتمع، بل حاولت تقديم الواقع كما هو، وقبل ذلك حاولت فهم المجتمع، والكشف عن مشاكله عميقة الجذور بهدف الدفع للخروج من هذا الواقع بعد فهمه.
 
توضح الكاتبة توظيفها بعض كلمات اللهجة المحلية اليمنية لمنح النصوص نكهة خاصة، تنقل القارئ لشوارع وحارات صنعاء والتعرف إلى ثقافة وتاريخ اليمن، وبما يسمح للقارئ أن يقترب من الشخصيات والدخول إلى عالمها بكل ما فيه من متاهات وتساؤلات،
كما تؤكد الكاتبة أن اللغة العربية ثرية وغنية بمصطلحاتها واللغة المحلية جزء من هذا الثراء، والأدب فقط قادر على تحطيم الحواجز وتغيير الصور النمطية عن الآخر المجهول،و أشارت كذلك إلى تناولها لقضايا اجتماعية كثيرة منها التناقض في نظرة المجتمع للمرأة الذي يردد أنه يكرم المرأة، لكنه يردد في مناسبات مختلفة يعمل على تحجيمها ومصادرة رأيها وفكرها حتى لا تخرج عن الدور المرسوم لها، و تناولت الكاتبة تعقيدات العلاقات بين الرجل والمرأة وباقي أفراد الأسرة بما فيها من حب وكراهية وتسلط وخيانة، إضافة إلى تمكن العادات والتقاليد من تفاصيل الحياة اليومية للأسرة اليمنية، وكيف تتحول لقيود تعيق الحركة والنمو والتغيير.
 
توجز الكاتبة حديثها عن مجموعتها القصصية أنها تعرض فسيفساء معقدة من حياة المرأة في مجتمع هو في أشد الحاجة للتعرف على ذاته وفتح أبواب النقاش حول قضايا أساسية تتعلق بالعدالة والمساواة والحرية الإنسانية، في مسعى لإضاءة الطريق، والبناء على الحوار.
 
في سعي الكاتبة أحلام جحاف إلى إثارة تساؤلات تترك للقارئ الإجابة عليها. يتساءل القارئ إذا كانت هناك إجابات محددة في فكر الكاتبة أحلام جحاف، لترد على ذلك بقولها: 
“من الجميل ان يتساءل القارئ، فالأدب يسعى لإثارة الوعي وتقديم وجهات نظر مختلفة ولا يقدم إجابات جاهزة، بل يدعو القارئ للتفكير وتكوين آرائه الخاصة. واقعنا معقد ومشاكلنا كثيرة ومن الصعب تقديم إجابات، هذا سيكون تبسيط مخل لأن العلاقات الإنسانية معقدة ومتعددة الأوجه، المهم أن نعترف بوجودها ونؤمن بضرورة التغيير”.
 

قراءة نقدية للمجموعة القصصية: لستِ سوى امرأة

 

لسْتِ سوى امرأة

"لستِ سوى امرأة" عنوان كتاب الجلسة الرابعة من جلسات "مسيرة كتاب" التي تنظّمها مجموعة "سياق"، والتي حدّثتكم سابقاً عن أوّل جلستين لها... يحتضن بيت الحكمة في الشارقة هذه الجلسات الثقافيّة المميّزة، ويقدّمها مختصّ المكتبات فيه الأستاذ هاني صبري، لذلك لا عجب أن تكون هذه الجلسة جلسة ثقافيّة أدبيّة راقية، بدأ الحوار فيها بمقدّمة جميلة مميّزة أبدع فيها الأستاذ هاني بتقديم الكتاب وكاتبته وفحواه، ثمّ انتقل إلى بعض الأسئلة عن الكتاب وعن الكتابة بشكل عامّ لينتقل الحوار بعد ذلك إلى مناقشة الكثير من الهموم والآلام والأمال في مجتمعاتنا العربيّة، حوار غنيّ ثريّ هادف مفيد شارك به كلّ من حضر الجلسة بطريقة وديّة محبّبة...
 
أعود إلى الحديث عن الكتاب "لستٍ سوى امرأة"، فهو مجموعة قصصيّة تتألّف من ثلاث وعشرين قصّة قصيرة اسمحوا لي أوّلاً أن أعرّفكم بالكاتبة ثمّ أنتقل للحديث عن الكتاب...
الأستاذة أحلام جحاف مدرّسة وكاتبة من اليمن الشقيق، لها رواية بعنوان "إضرام النيران"، وقصّة للأطفال بعنوان "الخاتم العجيب"، إذن هي كاتبة كتبت أكثر من نوع أدبيّ لكنّها تشترك كلّها في أنّها تتحدّث عن هموم مجتمعها وآلامه لعلّها تكون صوت من لا صوت له... ما أراها إلّا قد طبّقت المقولة التي أردّدها دائماً لأديبتنا الكبيرة كوليت الخوري: "لا أُحبّ الصراخ بحنجرتي، فصرخت بأصابعي وأصبحتُ كاتبة"... لكنّ صرخة الأستاذة أحلام هي صرخة هامسة أو همسة صارخة، لا فرق، فهي صرخة وعي واتّزان، صرخة في وجه الفساد والتخلّف والجهل والعادات والخرافات والموروثات البالية، نُسجت بشكل قصص من واقع حياتنا اليوميّ حتّى إنّ من يقرأ هذه المجموعة يقول لنفسه مع كلّ قصّة "هذه تشبه قصّة فلانة"...
 
تنتقد الأستاذة أحلام في قصصها الواقعيّة العديد من الممارسات الخاطئة التي بليت بها مجتمعاتنا فأدّت إلى تخلّفها وتأخرّها عن ركب الحضارة والتقدّم، فهي مثلاً تتحدّث عن التمسّك بعادات بالية لا صحّة لها سوى أنّها موروثة عن الأجداد كما في قصّة بقرة الليل التي يخيفون بها الصغار، والزنيحيّة التي تسرق حليب الأمّ إن خلدت للنوم، وغصن الشذاب الذي ينبغي على الوالدة حديثاً أن تضعه... هذه كلّها عادات يمنيّة لزمتها النساء دون تفكير، لكنّكم ستجدون بالتأكيد عادات تماثلها في كلّ البلدان العربيّة، وإن تجرّأت إحدى النساء وسألت عن جدواها، كما فعلت بطلات القصص هنا، كان الجواب "هذا شيء لا بدّ منه، هو هكذا وحسب"...
 
زواج القاصرات كان من الأمور السلبيّة التي انتقدتها الأستاذة أحلام من خلال الطفلة "نورية" التي خسرت حياتها في ريعان الشباب بعد أن زُوّجت في التاسعة من عمرها، فالمرأة ما زالت لا رأي لها ولا قيمة، بل وتتّهم بالغدر أيضاً كما جاء في قصّتها "داوية وهدار"، وفي قصّة "لستِ سوى امرأة"، التي منحت اسمها للمجموعة كاملة، تتحدّث عن الانتقاص من شأن المرأة وحصر دورها في الحياة في البيت فقط، إذ تقول على لسان أحدهم بعد أن رأى بطلة القصّة تقود سيّارتها: "تركت التنّور وخرجت تزاحم الناس"...
أمّا علاقة الحماة بالكنّة فأفردت لها قصّة محزنة بعنوان: "القرقوش في الطاقة"، إذ يبدو أنّ العلاقة المتوّترة دائماً بين الحماة والكنّة أمر يغلب على معظم مجتمعاتنا، ويؤكّد ذلك المثل الشاميّ القائل: "مكتوب على باب الجنّة، الحماية ما بتحبّ الكنّة"... بطلة القصّة عانت من تعسّف حماتها ووقوف الزوج دائماً إلى جانب أمّه، فقالت: "الزواج برجل له والدة مزعجة كوالدة زوجي هو نوع من الدخول إلى أعماق الجحيم"... ثمّ تساءلت: "ولا أدري لماذا تحوّل إحداهن حياة ابنها وزوجته إلى جحيم مستمرّ؟ أين مشاعر الأمومة التي تحملها تجاه ابنها؟ لماذا تتعامل معي كأنني عدوّة لها؟"...
 
تناولت أيضاً العلاقة بين الزوجين بأشكالها المختلفة، فتارة يكون الزوج هو الطرف المخطئ والظالم كما في قصّة "مكالمة"، وطوراً تكون الزوجة هي المخطئة والظالمة، كما في قصّة "زوجة ثانية"، و"قصّة زواج" حيث يؤدّي إهمال الزوجة لبيتها وزوجها إلى هروبه ليجد الراحة الاستقرار في زواج ثانٍ... 
 
تتساءل أحلام أيضاً في عنوان إحدى قصصها "من يدفع الثمن"؟، من يدفع ثمن علاقة بين زوجين غير متحابّين تنتهي بالطلاق، والجواب الأكيد هو: "الأطفال الفارّين من جحيم الأهل ليتلقّفهم الشارع بكلّ ما فيه من مخاطر وأهوال يرونها أهون بكثير ممّا هربوا منه"...
للفساد الإداريّ أيضاً نصيب في هذه المجموعة القصصيّة الجميلة، وذلك في ثلاث قصص: "توقيع الشيك"، و"حرم الوزير"، و"ضربوا المدير وأسعدوا الموظّفين"...
 
جوانب سيّئة أخرى تناولتها في قصص معبّرة مثل إدمان القات في قصّة "دردشة مع صديقة مخزّنة"، وظاهرة العظات الدينيّة التي اجتاحت مجالس العزاء، إذ "أصبح من المعتاد أن يكون هناك من تلقي موعظة عن الموت في بيوت العزاء"، ولكنّ هذه الموعظة قد تتحوّل إلى نقاش عقيم إذا كان هناك من يعارض رأي الواعظة ويخالف مذهبها الفقهيّ، وليس من النادر تبادل الاتّهامات ووصف الرأي الآخر بالبدعة...
 
رغم كلّ تلك الجوانب السيّئة والسلبيّات في مجتمعاتنا لم تتركنا الأستاذة أحلام دون شمعات تضيء لنا هذه العتمة، إذ كانت بعض القصص هي تلك الشمعات المضيئة، فها نحن نستعيد عادات رمضان الجميلة، ويغمرنا الحنين إلى زمن تولّى عشنا فيه أحلى لحظاتنا وذلك في قصّتها "وعاد رمضان"، لتنهي مجموعتها بقصّة مؤثّرة عن حبّ قلّ مثيله، حبّ لا يطلب من المحبوب إلّا يكون بخير، حبّ لا يشترط مبادلته بحبّ أو بمنفعة أو أيّ أمر آخر... حبّ صادق شفّاف يعيد ثقتنا بوجود قيم الخير والعطاء بغير حدود...
 
قلم الأستاذة أحلام كان أيضاً صادقاً وشفّافاً في نقل ما حملته على عاتقها من هموم مجتمعها وآلامه لعلّها تصل به إلى نبذ كلّ ما يعيق تقدّمه من أفكار متخلّفة وعادات بالية وموروثات لا صحّة لها... وكان ذكيّاً مبدعاً في طرحه، بسيطاً سلساً في سرده، هادئاً راقياً في نقاشه...
كم أسعدتني هذه الرحلة القصيرة إلى أرض اليمن السعيد على متن هذه المجموعة القصصيّة الجميلة، حيث تعرّفت على بعض عاداتها وأمثالها الشعبيّة بأسلوب شائق ممتع جذّاب!..
(شذى حريب)
 

 

برنامج مسيرة كتاب

 

مرحباً بكم في حلقة جديدة من بودكاست رحلة كتاب، حيث نلتقي مع الكتب التي لا تُقرأ فقط، بل تُحس وتُعاش.

في هذه الحلقة، نستضيف كتاباً يُشبه اعترافاً طويل المدى، كتاب "لستُ سوى امرأة" للكاتبة أحلام جحاف، التي حملت قضايا المرأة العربية بين سطورها، لا لتشتكي، بل لتبوح، لتفتح نافذة على الداخل، حيث الصمت أثقل من الكلمات.

أحلام جحاف، الكاتبة اليمنية، تكتب بحبرٍ من التجربة والملاحظة، تكتب عن المرأة كما تراها في مرآة الواقع العربي: قوية لكنها مُقيدة، حاضرة لكنها مُتجاهَلة، تنبض بالحياة وسط مجتمعٍ يُصرّ أحياناً على تقليصها إلى دورٍ واحد أو عنوانٍ ثابت.

لستُ سوى امرأة هو عمل أدبي ينبض بالصدق، يطرح أسئلة أكثر مما يقدّم إجابات، ويجعل القارئ يتأمل في المعاني العميقة للأنوثة، للحرية، وللصوت الذي يُراد له أن يبقى خافتاً.

الكتاب لا ينفصل عن السياق الاجتماعي، بل يتشابك معه، يفضح التناقضات، ويكشف هشاشة بعض المفاهيم المتوارثة حول دور المرأة. هو كتاب يهمس، لكنه يهزّ، يتحدث عن المرأة لا كرمز، بل ككائن كامل يستحق أن يُرى ويُسمَع ويُحترم.

في زمنٍ تتغير فيه المجتمعات العربية ببطء، يأتي صوت أحلام جحاف ليذكّرنا بأن الأدب يمكن أن يكون أيضاً أداة وعي، وأن الكتابة النسائية ليست هامشاً، بل صُلب الحكاية.

خليكم معنا، لنغوص في هذا النص الذي يلامس الخاص والعام، الذاتي والجمعي، ولنمنح هذه "المرأة" المساحة التي تستحقها في النقاش والاهتمام.

كتاب "لستُ سوى امرأة" للكاتبة أحلام جحاف، كاتبة وشاعرة يمنية، عرفها القارئ العربي بصوتها الصادق، وكتاباتها التي تنبع من الواقع وتفيض شعراً وإحساساً. في نصوصها، تمتزج التجربة الشخصية بالهمّ الجمعي، وتُصبح الكتابة وسيلة للبوح، والمقاومة، والتوثيق.

في هذا الكتاب، تفتح جحاف نافذة على عالم المرأة العربية، لا لتصرخ باسمها، بل لتكتبها بحروف من ألم وأمل. هذا الكتاب الذي يتنقل بين الواقع والحلم، بين القيد والرغبة في التحرر، بين الهوية الفردية والضغط المجتمعي

لستُ سوى امرأة ليس فقط كتاباً أدبياً، بل هو مرآة اجتماعية، تعكس حال المرأة في مجتمعاتنا، تلك التي كثيراً ما تطالبها بالصمت حين يكون الكلام ضرورة، وبالتضحية حين تكون الحياة حقاً مشروعا

في هذه الحلقة، سنتوقف عند محطات مهمة من الكتاب، ونتأمل كيف تُسهم الكلمة في إعادة تشكيل الوعي، وكيف يمكن للأدب أن يُعبّر عن قضايا اجتماعية ملحّة، خاصة حين تكون المرأة هي المحور والملهمة

بهذه الكلمات بدأت حلقة النقاش لبرنامج مسيرة كتاب الحلقة الرابعة في قاعة الرشيد ببيت الحكمة بالشارقة....

بعد اسئلة الحوار حول المجموعة القصصية: لست سوى امرأة ، شارك الحضور بالاسئلة والمداخلات... 

وانتهى اللقاء بالتوقيع على الكتاب...


 

حوار في العدد السادس لمجلة سلاف الثقافية

 

 

تمثل الرواية اليمنية اليوم نافذة مهمة لفهم التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها البلاد، حيث باتت تتناول قضايا الحرب والنزوح والفقر والصراعات المختلفة، إلى جانب تسليط الضوء على الموروث الشعبي والثقافي. في هذا السياق، برزت أسماء أدبية عديدة استطاعت أن تعكس هموم المجتمع من خلال السرد، ومن بين هذه الأسماء الروائية أحلام جحاف، التي تميزت أعمالها بتناولها العميق للواقع اليمني، ورصدها لمعاناة الإنسان في ظل الأزمات المتلاحقة.

في هذا الحوار، نتناول مع الكاتبة رؤيتها للواقع الأدبي في اليمن، وكيفية تفاعل الرواية مع القضايا الحساسة، إضافةً إلى مناقشة دور الأدب في مقاومة الموروثات التقليدية، وتأثير الظروف السياسية والاقتصادية على الإنتاج الأدبي. كما نناقش موقفها من مصطلح "الأدب النسوي"، ووجهة نظرها حول الصراع بين الأجيال، وتأثير العادات والتقاليد على المرأة في المجتمع اليمني.

حوار/ يحيى اليازلي

 

-       كيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟ ومن كان له التأثير الأكبر في مسيرتك الأدبية؟ وما هي التحديات التي واجهتك كامرأة تكتب في اليمن، كيف نظرين لمصطلح الأدب النسوي؟

 

القراءة تمهد للكتابة... وأنا أعشق القراءة منذ سن مبكرة... والدي رحمه الله علمني القراءة والكتابة قبل سن المدرسة... كان قارئا نهما وكبرت وأنا محاطة بالكتب... لوالدي مكتبة عامرة.... كتبت اليوميات من أيام المدرسة وكان معي دفتر خصصته لكتابة القصص الخيالية وكانت الطالبات يتناقلنه... وللأسف اختفى ذلك الدفتر وحزنت كثيرا... ولم أعرف من أخذته...

 

وقد تأثرت بما شهدته الرواية اليمنية في السنوات الأخيرة؛ إذ بدأت تواكب إلى حد كبير التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد، ويمكن رصد ذلك من خلال ملاحظة المواضيع التي تناقشها الرواية من القضايا المعاصرة مثل قضايا الحرب والصراعات السياسية، وتأثيرها على حياة الناس، وغيرها من القضايا الاجتماعية مثل الفقر، والبطالة، والتمييز، وقضايا المرأة.

أما بالنسبة للحراك الثقافي النسوي في اليمن، فأنا لست مع المصطلح من الأساس، فمن وضع مصطلح أدب نسوي لا أفهم دوافعه لأن الأدب هو أدب إنساني يهتم برصد هموم المجتمع نساء ورجالاً، والمصطلح فيه تمييز ضد المرأة من وجهة نظري وعزل لقضاياها كأنها تعيش بمعزل عن العالم.

وأبرز التحديات هو ما تعانيه المرأة من الظلم والتهميش وكذلك الرجل في مجتمع يعاني من سقف منخفض للحرية وفهم مغلوط لكثير من المصطلحات والمسميات، وخلق صراع بين الرجل والمرأة ليس من مصلحة أحد بل يؤدي لتشتت الجهود.

 

 -كيف تصفين طريقتك في السرد؟ وما هي الموضوعات التي تجدين نفسك ميالة لكتابتها باستمرار؟ وهل تؤمنين بأن على الروائي الالتزام بقضايا مجتمعه أم أن الإبداع حرية مطلقة؟

لكل كاتب طريقته في السرد أو ما يسمى بصوته الخاص... أنا أكتب وأترك هذا الوصف للقارئ وخاصة للنقاد... لأني عند الكتابة أجدني أكتب منغمسة بالكتابة ولا أتوقف للتفكير بطريقة السرد، السرد بالنسبة لي يعتمد على الموضوع وشخصيات العمل والفكرة، كيف تصل الفكرة للقارئ!

وبالنسبة لي فإني أميل للكتابة عن معاناة الناس في مجتمعنا، مجتمعنا لايزال مجهولاً وقضاياه مغيبة وتاريخنا مجهول أو مشوه ويحتاج أن نكتب عنه وعن الإنسان المهمش فيه.

صحيح أن الإبداع حرية مطلقة ومن الصعب أن يملي عليك أحد أن تكتب عملاً أدبياً عن موضوع معين، على الكاتب أن يعيش المعاناة ويتقمصها حتى لو لم تكن تجربة شخصية بل لآخرين، لكن إذا لم ينغمس بمشاعره في تلك التجربة سيكون العمل باهتا والشخصيات لا لون لها؛ فالقارئ يتفاعل مع العمل الذي يجد فيه صدى لتجاربه وشيء من معاناته بحيث يستغرب كيف استطاع الكاتب أن يصف هذه المشاعر بدقة.

 

- كيف أثرت الظروف السياسية والاقتصادية على الإنتاج الأدبي في اليمن؟

 هذه الظروف أثرت بشكل كبير على الإنتاج الأدبي في اليمن بسبب انشغال عدد كبير من الأدباء والمنشغلين بالأدب بقضايا لقمة العيش، وتعثرت عمليات النشر بسبب توقف أو صعوبة عمل دور النشر المحلية، بسبب هذه الظروف هاجر عدد من الأدباء خارج اليمن مما أثر على الإنتاج الأدبي داخل البلد.

مواضيع الأعمال الأدبية تأثرت أيضا وأصبح أغلبها يتناول مواضيع الحرب والصراعات والنزوح والفقر والمعاناة الإنسانية، وأيضا القارئ تأثر وضعه الاقتصادي وتراجع اهتمامه بالكتاب الذي أصبح نوع من الترف يصعب الحصول عليه.

 

-  شهدنا ازدهارًا في أدب السيرة الروائية والرواية الذاتية؛ كيف تنظرين إلى هذا النوع من الكتابة؟ وهل ترين أن المزج بين التجربة الشخصية والخيال يثري العمل الأدبي أم يحد من انفتاحه؟

أدب السيرة الذاتية من أكثر الأعمال الأدبية شهرة، وتجيب القراء بدافع الفضول والبحث عن الحقائق وفهم أسباب ما حدث من أمور غامضة، هو أدب عالمي له مكانته؛ لكن المشكلة في البلاد العربية هي التحفظ وصعوبة كتابة كل شيء بشفافية كما يحدث في العالم الغربي...

ويميل العربي للظهور بصورة مثالية خالية من العيوب وكأنه منزه عن أي خطأ... لهذا لا نتعلم من دروس الحياة ولا نكتسب خبرة...

والمزج بين الخيال والحقيقة يثري العمل الأدبي بشرط عدم اللجوء لتشويه الحقائق وتزوير التاريخ والإساءة المتعمدة للآخرين... لكن الخيال بصفة عامة جميل...  


 - كيف تتقاطع حياتك الشخصية مع القضايا الثقافية الأوسع في اليمن؟ وهل ترين أن السرد الشخصي يمكن أن يكون نافذة لفهم تحولات المجتمع وتحدياته؟

الكاتب جزء من المجتمع الذي يعيش فيه... فتجاربه الشخصية وأفكاره ومشاعره تتشكل داخل هذا المجتمع وتتأثر بكل ظروف البلد...

وبالتالي ما يكتبه الكاتب يعبر عن قضايا المجتمع وهمومه... بل أستطيع القول إن السرد الشخصي يعد وثيقة تاريخية مهمة تسجل تحولات المجتمع وتحدياته... ويقدم رؤية إنسانية عميقة للواقع ويكشف عن الجوانب المخفية للحياة في اليمن .

 

 - كيف تجدين تفاعل القراء مع أعمالك، خاصة تلك التي تتناول قضايا حساسة في المجتمع اليمني؟

 لا أستطيع الحكم على تفاعل القراء مع أعمالي لأن ما أكتبه نشر خارج اليمن ولم يصل للقارئ في اليمن.

وما يقال لي من العدد القليل الذي تمكنوا من الحصول على نسخ قليلة أعده من باب المجاملة.

 

-  برأيك، ما هي أبرز القضايا التي تواجه المرأة في الحكاية الشعبية اليمنية؟ وهل تعتقدين أن هذه الحكايات أنصفت المرأة أم كرّست صورًا نمطية تؤثر على وضعها؟

صور المرأة في الحكايات الشعبية متنوعة هناك قصص تصورها غبية لا رأي، لها لكن هناك قصصاً تصفها بالحكمة وسداد الرأي وسعة الحيلة وذلك التصوير هو انعكاس لرأي المجتمع وثقافته، ومجتمعنا لايزال حتى اليوم يعيش نوع من العزلة عن العالم وبالتالي تلك القصص ليست غريبة ولاتزال النظرة الدونية للمرأة والسخرية تكون بوصف الرجل أنه امرأة.

 

- في مجتمع يتشبث بالخرافة رغم الأدلة العلمية، ما هو الدور الحقيقي للأدب في هدم هذه المعتقدات؟ هل يمكن للقصة أن تكون أقوى من البرهان العلمي؟ وهل تعتقدين أن الخرافة تؤدي وظيفة نفسية أو اجتماعية تجعل المجتمع متمسكًا بها رغم تناقضها مع العقل؟

 الأدب لا يقدم حلولاً أو إجابات لكنه يلعب دوراً محورياً في تفكيك المعتقدات الخاطئة لأن الأدب يخاطب القلب، يلامس العاطفة لكن البرهان العلمي يخاطب العقل وهذا يصعب على كثير من الناس فهمه والتعامل معه .

كما أن الأدب يثير المشاعر ويخلق تجارب عاطفية قوية فيجعل الأفكار أكثر رسوخاً، فالحكاية في الأدب تجعل الأفكار المجردة ملموسة مما يسهل على القارئ فهم وتقييم تلك الأفكار التي تتجسد على هيئة شخصيات وأحداث في الرواية أو القصة.

بالإضافة لذلك فالأدب لا يقدم إجابات جاهزة بل يطرح أسئلة ويشجع القارئ على التفكير النقدي عبر تقديم التناقضات في التفكير الخرافي، وهو يوفر بدائل قد تظهر على لسان الشخصيات ويحتاج القارئ أن يفكر فيها لفترة من الوقت حتى تترسخ ويفهمها.

أما بالنسبة للخرافة فهي بالفعل تلعب دوراً نفسياً وتفسر ما يصعب فهمه وتمنح المرء الشعور بالأمان في عالم متسع يصعب فهم كل حقائقه فهي تقدم تفسيرات بسيطة ومقبولة بعيداً عن تعقيدات التفسيرات العلمية.

ويصعب محاربة الخرافة بالتحريم والسخرية؛ بل تحتاج وقتاً وجهوداً وتعليماً حقيقياً يبسط الحقائق ويشجع على التفكير الناقد بمناهج مختلفة جذرياً عن المناهج التعليمية الحالية.

 

- في قصص مثل "الزنيحية" يظهر الصراع بين الأجيال جليًا؛ برأيك، هل التمرد على السلطة الأبوية هو الطريق الوحيد للتغيير؟

الصراع بين الأجيال هو جزء من الواقع خاصة في المجتمعات الحية التي تتحرك للأمام ولا تقف في المكان نفسه لمئات السنين، في مجتمعاتنا يتم قمع التمرد على السلطة الأبوية بدعوى احترام الصغير للكبير وأن الكبير دوماً على حق وهو أكثر خبرة وتجربة.

لكن الأجيال الأصغر غالباً تميل لتحدي الأعراف والتقاليد التي تقيد حركتهم وتتعارض مع الأفكار الجديدة.

وهذا الصراع ليس حتمياً لو أن الجيل الأكبر يتبنى الحوار وقبول آراء الأجيال الأصغر، خاصة في عصرنا فالجيل الأكبر سنا يمكن أن يتواضع ويتعلم من الجيل الأصغر سناً، والجيل الأصغر يستفيد من حكمة الجيل الأكبر.

لكن تعنت الكبار يؤدي للتمرد ورفض كل ماله علاقة بالجيل السابق وللأسف هذا قد يؤدي لضياع كثير من التقاليد والقيم الجميلة وبالتالي يؤدي لتغيرات لا تكون بالضرورة إيجابية، وأنا مع الحوار بين الأجيال.

 

- في مجموعتك "لست سوى امرأة"، المرأة تبدو أحيانًا ضحية وأحيانًا أخرى جزءًا من دائرة الاستعلاء؛ كيف توازنين بين هذين الدورين؟

في هذه المجموعة سعيت لأن تكون الشخصيات تعبيراً عن الواقع الذي تكون فيه المرأة أحيانا ضحية وأحيانا هي الجانية، هذا جزء من الواقع؛ فهناك امرأة ضحية، وقد تكون ضحية لامرأة أخرى وليس بالضرورة أن يكون الجاني رجلاً، ونعرف رجالاً وقعوا ضحايا لنساء لا يعرفن الرحمة، من المبالغة أن نقول أن المرأة دوما ضحية .

 

 - إلى أي مدى تشعرين أن الأدب يمكن أن يسهم في تغيير النظرة المجتمعية للمرأة؟ هل تعتقدين أن الأساطير الشعبية لا تزال تؤثر في العقل الجمعي اليمني؟ وهل ترين أن للأدب دورًا علاجيًا في معالجة الجروح النفسية الناتجة عن العادات الاجتماعية القاسية؟

الأدب سيكون له أثر في وجود القارئ... لا أملك إحصاءات تكشف حجم القراءة في مجتمعنا...

لكن من متابعة من نعرفهم من حولنا يبدو أن نسبة القراء متدنية... ودون قارئ نهم يحب متابعة كل ما يكتب ستظل مشاكلنا كما هي.. لأن ارتفاع الوعي بين الأفراد يلعب دوراً مهماً في خلق مجتمع أكثر وعيا ولديه قابلية لفهم مشاكل المجتمع والإحساس بها والبحث عن حلول... وهذا يحتاج إعادة نظر للمناهج التعليمية حتى في الجامعات...

المدرسة التي لا يتخرج أغلب الطلاب منها وهم على علاقة طيبة بالكتاب هي مدرسة لا تلعب دورها الحقيقي... وبالتالي ما قيمة أدب لا يصل لأيدي القراء!!!

 

- في "إضرام النيران"، كيف تعالجين فكرة اغتراب المرأة عن ذاتها بسبب القيود الاجتماعية والثقافية؟ وهل تعتقدين أن التجربة التعليمية للمرأة اليمنية هي صراع بين تحقيق الهوية الفردية والخضوع للتقاليد الجمعية؟ وكيف يمكن للمرأة المعلمة أن تعيد تعريف دورها خارج الإطار النمطي الذي يفرضه المجتمع؟

إضرام النيران عكست الصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصية بين القيود التي تكبلها وما تريد تحقيقه في الواقع... فهناك قيود تفرضها الإدارة المدرسية وتتعارض مع مصلحة الطالبات وحتى العملية التعليمية...

فالمعلمة مرغمة على الالتزام بقوانين غير منطقية ولأن الإدارة لا تتقبل أي نقد أو توضيح لخطأ يمكن تلافيه فيتحول العمل لمجرد إجراء روتيني يفقد أهميته ووظيفته الحقيقية؛ فالإدارة تهتم فقط بالشكليات...

وأنا أتفق مع أن التجربة التعليمية للمرأة اليمنية هي صراع بين تحقيق الهوية الفردية والخضوع للتقاليد الجمعية... لأن من تناقضات مجتمعنا أنهم ينادوا بضرورة التعليم وخاصة للفتيات لكنهم ضد أي تغيير في المجتمع... هناك إصرار على أن يبقى المجتمع كما هو بالثقافة ذاتها ودون الاهتمام بحقيقة تغير العصر والزمن... لهذا تعيش أغلب الأسر اليمنية تناقضاً غريباً فهي تمارس حياتها خارج اليمن بالشكل الذي تحرم هي على نفسها فعله داخل اليمن وهذه كارثة خاصة أنها تحدث من شخصيات وعائلات تحكم ولها سلطة...

و المرأة المعلمة في مجتمعنا اليمني تستطيع أن تكون قدوة للطالبات فيكتسبن منها قوة الشخصية والطموح ويمكنها أن تنشر الوعي بينهن بحقوقهن... لكن دور المعلمة لوحدها سيظل قاصراً لأن قيود المجتمع تكبح الجميع... فالفتاة ستتزوج وستجد كل ما تعلمته مجرد أفكار نظرية...

لذا؛ فالأمر أكبر من قدرة المعلمة هو بحاجة لتظافر جهود شخصيات واعية ومثقفه من كل المستويات وتؤمن بضرورة حدوث تغيير حقيقي في مجتمعنا اليمني... لأن المشكلة من وجهة نظري لا تكمن في المرأة فقط بل في الرجل لأن العادات والتقاليد تكبل الجميع بدرجات متفاوتة...

وأنا لست ضد العادات والتقاليد، لكن العادات والتقاليد تتغير بتغير الزمن لأنها تعبر عن ثقافة المجتمع وتفاعل أفراده مع متطلبات العصر... ففي مجتمعنا هناك حاجة لتحرير العقل من سلطة الماضي والقبول بأننا أبناء عصر مختلف وهذا لا يعني الانسلاخ عن الثقافة والعادات والتقاليد بل تطوير كل ذلك... نحن من يفعل ذلك لا أن يفرض علينا.

 

 - هل يمكن للكتابة أن تكون وسيلة للتحرر الشخصي؟ وكيف توازنين بين الكتابة كأداة للبوح والالتزام بقضايا المجتمع؟ إلى أي مدى يمكن اعتبار التعليم في الرواية وسيلة للخلاص الروحي والمعرفي، وليس فقط كوسيلة للترقي الاجتماعي؟

 الكتابة توفر مساحة للتعبير عن المشاعر والأفكار التي يصعب التعبير عنها في الحياة اليومية...

كما تسمح للكاتب باكتشاف جوانب مختلفة من شخصيته... وهي وسيلة لفهم أنفسنا بشكل أعمق...

وبالكتابة يمكن تجاوز القيود الاجتماعية وغيرها من القيود إلى حد ما... لكن لايزال سقف الحرية في مجتمعاتنا العربية منخفض والسقف أكثر انخفاضا في مجتمعنا اليمني لهذا يحاسب الكاتب على كل كلمة..

رغم أن الأدب يوفر مساحة لتحدي الأعراف والقيم السائدة ويترك للكاتب الحرية للتعبير عن رأيه... وهذا في صالح المجتمع ولكن في واقع الأمر يشهر في وجه الكاتب سلاح التكفير والاتهام بالخروج عن تقاليد المجتمع المحافظ... ومجتمعنا يرفض وبإصرار عجيب الاعتراف بمشاكله وسلبياته وينكر وجودها...

ومع أن المجتمعات الحية تستفيد من الأدب لإصلاح الخلل بعد الاقتناع بوجوده والبدء بنقاش حوله والبحث عن الأسباب والحلول... لكن نحن نصر أننا مجتمع فاضل لا يعيبنا شيء... وأي نقد أو إشارة لما يحدث من سلبيات وجرائم وغيره هو تشويه لمجتمعنا المثالي ونوع من إشاعة للفاحشة داخل هذا المجتمع البريء جداً...  وما شابه...

والتعليم الحقيقي يوسع الآفاق عبر اكتساب طرق التفكير النقدي وإخضاع كل شيء للنقد وعدم تقبل أي معلومة كحقيقة قبل البحث عن مصدرها... هذا يعني أن التعليم يساعد على إحداث تغيير في السلوك يقاوم سلبيات المجتمع...

فالتعليم يمكن أن يساعد على النمو والتطور على المستويين الروحي والمعرفي برفض أن تكون الشخصية مجرد متلق لأوامر ضد قناعاتها وما تؤمن به...

 

- لماذا اخترتِ عنوان "إضرام النيران" تحديدًا؟ وهل كان لسقراط تأثير خاص على تجربتك التعليمية؟ وكلمة "النار" في العنوان تحمل دلالات رمزية عميقة؛ هل تمثل التطهير، الثورة، أم صراع الذات مع قيود الواقع؟

- وقفت كثيرا أمام قول سقراط: التعليم هو إضرام النيران، وليس ملء الوعاء “لأن ما رأيته أثناء عملي في مجال التدريس هو ملء أوعية... حتى تجربتي كطالبة... أغلب المعلمين كانوا يهتمون بملء الوعاء فعلا...

ماذا نسمي تلقين الطالب الأجوبة التي ستأتي في الامتحان؟ وتحديد مواضيع بعينها للتركيز عليها وحفظها... حفظها كما هي دون فهم للنجاح في الامتحان والحصول على درجات عالية والاهتمام بنسبة النجاح في المدرسة؟ استفزتني العبارة بشدة وكانت فعلاً تلخص مأساة التعليم التي شهدتها...

والنار في العبارة ترمز لدور التعليم في تنمية القدرة على التفكير الحر والإبداع في المتعلم، و أن يغرس التعليم فيه الرغبة في اكتشاف الجديد والتمرد على الأفكار التقليدية السائدة والبحث عن أجوبة لكل الأسئلة التي تثار... فالتعليم حسب سقراط يشعل الفتيل... يقدح الفكرة ويترك الباقي للمتعلم الشغوف بالمعرفة للبحث والاكتشاف وهذه عملية لا تتوقف بالتخرج من المدرسة...

لكن ما يقوم به التعليم من تلقين وملء أوعية فهو يقضي على أي فرصة للتفكير... المعلم يفرض ويحدد الإجابة بل يفعل ذلك الدكتور في الجامعة والذي يتعمد رسوب الطالب الذي يخرج عما قاله في محاضراته...

كما أن التلقين يلغي القدرة على التفكير وينتج أفراداً يسلمون عقولهم لمن يديرها يميناً أو شمالاً... وهذا يناسب السلطة السياسية... 

 

 - كيف ترين تأثير التيارات السياسية، خاصة تأثير الإسلام السياسي الذي ذكرته الرواية، على العملية التعليمية؟

 - التيارات السياسية المتشددة والتي لا تعترف بالآخر وتعمل على شيطنته والدعوة لمحاربته... أثرت بشكل سلبي وخطير على كل المجتمع اليمني وعلى التعليم... في الرواية إدارة المعاهد التعليمية ترفض تعيين المعلمة لأنها تشترط زياً وهيئة محددة لزوج المعلمة... كما تمارس نوعاً من الضغط على المنتسبين لها لنشر الآراء السياسية التي تلائمها في المدارس بمحاولة بيع تلك الشرائط للدعاة...

 

- ما الذي أردتِ تجسيده من خلال شخصية العم عبدالله في الرواية، كيف وظفتِ الرمزية في ربط الشخصيات الواقعية بالأفكار الفلسفية لخدمة القصة؟

 العم عبدالله أو "أبي عبد الله" كما يناديه الجميع، هو تجسيد لفكرة أن ليس كل ما هو قديم هو بالضرورة سيء... الاستفادة من خبرات الماضي تدل على الحكمة... الرمزية في العمل الأدبي تسمح بتجاوز الواقع المباشر وإضافة أبعاد جديدة للقصة، وتحويل الأفكار الفلسفية المعقدة إلى صور ملموسة قابلة للفهم... مع ترك مساحة للقارئ لتفسير تلك الرموز بطريقته الخاصة...

 

 - هل لديكِ مشاريع روائية جديدة تتناول قضايا مشابهة؟ هل تخططين لاستكشاف مواضيع جديدة في أعمالك القادمة، أم ستواصلين الغوص في قضايا المجتمع التقليدي؟

 نعم هناك أعمال أدبية انتهيت منها... المشكلة هي في إيجاد دار النشر التي تهتم بنشر وتسويق العمل...

الغوص في قضايا المجتمع التقليدي يستحق أكثر من عمل، لكن استكشاف مواضيع جديدة مغامرة تعاملت معها بكتاب في أدب الرحلة لم ينشر بعد...

 

 - برأيك، هل يمكن تحويل "إضرام النيران" إلى عمل تلفزيوني؟ وإن كان كذلك، كيف تتخيّلين أن يُعرض هذا العمل؟

 ليس من السهل تحويل عمل أدبي إلى عمل تلفزيوني... وهذا يتطلب مخرجاً متميزاً يفهم العمل الأدبي وعنده القدرة لتحويله إلى عمل تلفزيوني مؤثر، ولا يمكن إغفال دور كاتب السيناريو والممثلين... بمعنى هو عمل لفريق متكامل وليس دور الكاتب التفكير في هذا...

 

 - كيف تصفين دور الأدب في معالجة قضايا التعليم والتغيير الاجتماعي في اليمن؟

 كما قلت سابقا الأدب لا يقدم حلولاً لمعالجة القضايا... بل يلفت الانتباه لتلك القضايا عن طريق عرضها وتقديمها بشكل إبداعي داخل العمل الإبداعي ربما عن طريق تصوير معاناة الطلاب أو المعلمين...

والأدب يساهم في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة عبر نقل صور حية للواقع... والقارئ يتفاعل مع ما يقرأ وتدفعه تلك الصور للتفكير في رداءة الواقع والحاجة للتغيير...

 

- كيف تعتقدين أن القصص التي تُروى للأطفال بدافع التربية أو التخويف تشكل وعيهم النفسي والاجتماعي على المدى الطويل؟ هل تعتقدين أن الخوف يمكن أن يكون أداة فعالة للتربية، أم أنه يترك آثارًا نفسية يصعب التخلص منها لاحقًا؟

القصص والحكايات أداة فعالة في التربية... ونلاحظ أن القرآن استخدم القصص؛ فالقصص لها تأثير كبير على نظرة الطفل لذاته... كيف تقدم الشخصيات للطفل كأبطال أم شخصيات ضعيفة!!!

وهل تركز على الصفات الإيجابية أم السلبية... مع محاولة البعد عن الشخصيات المثالية لأن لا وجود لها في الحياة وهي غير قابلة للتطبيق في الحياة والطفل ذكي يعي ذلك... وأيضاً تجنب قصص الوعظ المباشر فأثرها ضعيف وهي غير جذابة... القصص تعلم الطفل القيم وكيف يتعامل مع الآخرين...

مع ملاحظة أن الطفل ذكي ويحلل ما يروى له ومن الخطأ استغفاله... كما أن التخويف والقصص المرعبة تسبب القلق وانعدام الثقة بالنفس والكوابيس الليلية والأفضل أسلوب التعزيز والتشويق...

 

- في قصصك، يظهر أن المرأة ضحية للأنظمة الاجتماعية والموروثات؛ كيف ترين إمكانية التحرر من هذه القيود دون القطيعة مع الجذور الثقافية؟

تحرر المرأة من الموروثات التقليدية لا يعني بالضرورة القطيعة مع الجذور الثقافية... هذا فهم خاطئ...

المرأة في قصصي تعاني من قيود موجودة في المجتمع والقيود تكبل الرجل والمرأة لكن قيود المرأة مضاعفة... نحن بحاجة للنظر لتراثنا وموروثنا الثقافي بنظرة نقدية موضوعية... ليس كل ما هو موروث سيء... لكن هناك سلبيات تعيق حركة المجتمع لأن الزمن تغير ومن الخطأ الإصرار على التمسك بمفاهيم تجاوزها الزمن... لست مع النسف والثورة التي تطيح بكل شيء فهذا نوع من الفوضى... أنا مع الفهم والتبصر والتحليل والنظر بموضوعية لمعرفة طبيعة العصر ومتطلباته... هذا يحتاج لفتح أبواب حوار ونقاش عام يتناول كل قضايانا دون استثناء دون تشدد ولا استهتار... مع اليقين أن التغيير لا يعني التخلي عن الهوية الثقافية بل عن عادات تجاوزها الزمن، ونحتاج أن نتمتع بثقة أكبر بقدراتنا وأنفسنا...

 

- كيف يمكن للأدب أن يعيد صياغة صورة المرأة في مجتمع يُكرس النظرة الدونية لها؟ وهل ترين أن التغيير يبدأ من النص أم من الواقع؟

فهم الواقع وسلبياته يحتاج لتسليط الضوء على ذلك... الأدب يستطيع خلق مساحة للحوار والتفكير في شتى المواضيع... عندما ترتفع قيمة الأدب في المجتمع وتدار ندوات وحوارات حول ما يكتب... عندها تناقش تلك الأوضاع من زوايا مختلفة... القضايا الاجتماعية لا يمكن حلها بسهولة لكن البدء بذلك خطوة مهمة عبر الاهتمام بما يكتب... والتغيير يبدأ من النص والواقع معا لأن الواقع مصدر إلهام للأدب، والأدب يكون أداة للتغيير عندما ينجح بلفت الانتباه للقضايا التي يثيرها...  

زوروا الموقع:
لتصفح العدد السادس (عدد إبريل) بصيغة الصفحات المفردة
لتصفح العدد السادس (عدد إبريل) بصيغة الصفحات المزدوجة